المغرب: لجنة برلمانية تتهم جهات نقابية في قضية ملفات الفساد بمؤسسة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي

TT

اعلنت مصادر مطلعة في مجلس المستشارين المغربي (الغرفة الثانية في البرلمان) واخرى من لجنة تقصي الحقائق الخاصة بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ان الارقام المختلسة والمحولة من الصندوق، تعد بملايين الدراهم. مشيرة الى وجود مؤشرات قوية لضلوع شخصيات نافذة في احد الاتحادات العمالية في الفساد المالي والاداري الذي عرفته المؤسسة لأزيد من اربعة عقود.

واضافت المصادر ذاتها لـ«الشرق الأوسط» ان هذه الشخصيات حاولت أكثرمن مرة عرقلة تشكيل لجنة التقصي، ولما تعذر عليها الانضمام الى التركيبة الحالية للجنة، عمدت الى اطلاق شائعات مفادها «ان الصندوق ظل طول هذه المدة بمثابة صندوق اسود للدولة يستفيد منه ذوو المناصب العليا والشخصيات النافذة في البلاد».

وقال مصدر من اللجنة فضل عدم ذكر اسمه «ان الادارة الحالية للصندوق واشخاصا في المجلس الاداري يخافون من كشف الحقائق، عمدوا الى معاداة اللجنة والتشويش على عملها من خلال اخفاء وثائق مهمة، وارغام بعض الموظفين السابقين في الصندوق على عدم كشف الحقائق كاملة».

وكانت اللجنة قد تمكنت منذ انشائها حتى الآن من الاستماع الى 30 شاهدا، اي بمعدل ثمانية شهود في الاسبوع الواحد، مع اعتماد زيارات ميدانية مفاجئة للصندوق بهدف الوقوف على السير العام لأداء المؤسسة ومقارنة ذلك بالسياسة الادارية التي كانت معتمدة في السابق.

واوضحت المصادر «ان اصابع الاتهام كلها تشير الى ضلوع مقربين من زعيم نقابي استفادوا بصورة اكبر من عمليات التحويل المشبوهة للاموال، وابرام صفقات صورية بهدف الاستفادة من الاموال المحولة».

واكدت المصادر ان هناك صيغة قارة كانت تعتمد في تحويل هذه الاموال، وذلك عبر انشاء «شركات الواجهة» التي تتم باسماء اشخاص غير معروفين وبعد ما تستفيد هذه الشركات من صفقات محددة وبأرقام محددة ايضا يتم الاعلان عن تصفيتها قانونا بعد اشهار افلاسها، واتلاف السجل التجاري لهذه الشركات ليتم انشاء شركات جديدة تقوم بالدور نفسه وتخضع لنفس منطق التصفية.

وأضافت المصادر أنه عبر هذه الشركات «كان المقربون من الزعيم النقابي يستفيدون من المناقصات المتعلقة بتجهيز المؤسسات التابعة للصندوق، خاصة تجهيز المصحات والخدمات التابعة لها من نظافة وتغذية ومصاعد كهربائية».

يذكر ان المجلس الاداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كان قد تم تجميده لأزيد من ثماني سنوات بسبب الوضعية المالية المتأزمة، وذلك بعد ان ابانت عمليات التدقيق الحسابي عن مكامن خطورة الخلل المالي والاداري، وكان الغرض من التجميد ايقاف النزيف، وتوجيه رسالة غير مباشرة لجهات معنية للوقوف على الخطر الذي يتهدد المؤسسة التي تتكون مداخيلها من اقتطاعات الموظفين في القطاع الخاص والمأجورين.

وقال مسؤول نقابي في الاتحاد العام للشغالين في المغرب ان لجنة تقصي الحقائق تواجه مسؤولية صعبة، لان هناك اجماعاً داخل الاوساط النقابية حول هوية الاشخاص المتورطين في حالة الافلاس التي عرفها الصندوق. واوضح المسؤول النقابي، ان اعضاء اللجنة يعرفون المتورطين بالاسماء، لكن يصعب الاعلان عن الحقائق كلية ودفعة واحدة، وفسر ذلك بالتغييرات التي عرفها الصندوق من خلال اعفاء مسؤول سابق من مهامه بالرغم من وجود اجماع داخل المؤسسة وخارجها بمسؤوليته في العديد من الملفات.

وقال موظف سابق بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، عمل في المؤسسة لأزيد من عشرين سنة، ان الخلل الاداري والمالي الذي عرفه الصندوق مر عبر ثلاث مراحل:

ـ الاولى: وهي المحطة التي كانت تنعت وسط موظفي الصندوق المطلعين على خباياه بـ«المرحلة السوداء»، حيث كثرت شركات الواجهة، والاموال المحولة والسفريات السياحية، ولم يعد المجلس الاداري يجتمع وعندما تم تشكيل اللجنة الوزارية لتدبيرالمؤسسات العمومية برئاسة ادريس الضحاك (الرئيس الحالي للمجلس الاعلى للقضاء)، الذي كان يشرف آنذاك على مجلس الحوار الاجتماعي، قدمت تقريرا مفصلا عن الصندوق للملك الراحل الحسن الثاني، وعلى اثر هذا التقرير تم تغيير المدير العام للصندوق.

الثانية: هي مرحلة تولي محمد لعلج منصب ادارة الصندوق وامتدت أربع سنوات. وكان لعلج يشغل في السابق عاملا (محافظا) لمدينة طنجة. وحاول ان يدخل تغييرات في المؤسسة من خلال ايقاف النزيف وتعميم اسلوب التدبير الاداري المحكم. ويعتبر لعلج اول من ادخل تجربة اعتماد المدققين الحسابيين في المؤسسة، اذ كانت لديه تعليمات باصلاح الصندوق بصورة هادئة، لكن عمله لم يثمر لوجود ضغوطات، كما أن وفاته تركت ثغرات واضحة على مستوى كشف حقائق هذه المرحلة.

الثالثة: وهي المرحلة التي تولى فيها رفيق الحداوي (وزير التشغيل الاسبق) مهمة الاصلاح، ورغم انه اوقف النزيف الا انه لم يقدر على كشف كل الخروقات لانه كان يتم الحؤول دون وصوله الى الحقائق الكبرى، وكشفه الخروقات والمسؤولين عنها.