التلفزيون الفلسطيني يستأنف إرساله بعد ساعات من تدمير مقره في رام الله

إٌغلاق جميع الطرق المؤدية إلى مقر الرئيس الفلسطيني * البرغوثي: محاصرة عرفات مخطط شاروني بمباركة أميركية

TT

استأنف التلفزيون والاذاعة الفلسطينيان بثهما صباح امس بعد ساعات فقط من قيام مقاتلات اف 16 الاسرائيلية وقوة خاصة من جيش الاحتلال الاسرائيلي ليلا بتدمير مقرهما الثاني الموجود في جنوب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، بالكامل وتسويته بالارض.

وقال فلسطينيون في الضفة الغربية اتصلت بهم «الشرق الأوسط» ان التلفزيون والاذاعة استأنفا البث عبر محطات البث المحلية والخاصة.

وهذه هي المرة الثانية التي تنسف فيها اسرائيل مقار تابعة للتلفزيون والاذاعة الفلسطينيين وذلك بعد نسف برجي الارسال اللذين كانا يقعان في شارع الارسال وسط رام الله في ديسمبر (كانون الاول) الماضي.

واعترف الناطق العسكري الإسرائيلي في بيان مكتوب بالعملية التي تمت تحت جنح الظلام. ونقلت صحيفة «احرونوت» في عددها الالكتروني امس عن الناطق قوله إن القوات الإسرائيلية اقتحمت مبنى الإذاعة والتلفزيون وصادرت بعض الأجهزة وفجرت المحطة. واضاف أن القوة المهاجمة عادت الى قواعدها سالمة. واعتبر الناطق ان هذه العملية تأتي في اطار الرد على عملية الخضيرة التي نفذتها كتائب شهداء الاقصى الجناح العسكري لحركة فتح ليل الخميس الماضي، التي جاءت بدورها انتقاما لقتل اسرائيل رائد الكرمي قائد الكتائب في طولكرم يوم الاثنين الماضي.

وادانت القيادة الفلسطينية في بيان صدر في ختام اجتماعها الاسبوعي الليلة قبل الماضية في مقر الرئاسة المحاصر في شارع الارسال بمدينة رام الله، وبثته وكالة الانباء الفلسطينية «وفا» تدمير مقر الاذاعة والتلفزيون ووصفته بأنه «محاولة لتدمير السلطة وتجاوز خطير لكل الخطوط الحمراء وتهديد لعملية السلام وهي عملية غير مسبوقة ضد الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية وللقيادة الفلسطينية». وطالبت القيادة بفرض عقوبات دولية على إسرائيل على فعلتها هذه. وفي اشارة واضحة الى صعوبة الوضع الذي تمر فيه ومحاولة لتحسين العلاقات الفلسطينية ـ الفلسطينية التي أثرت عليها سلبا عملية اعتقال الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات، دعت القيادة الفلسطينية الفصائل والقوى الفلسطينية المختلفة الى «مزيد من التلاحم من اجل انهاء الاحتلال الاسرائيلي». وقالت القيادة في بيانها انها «تدعو جميع الفصائل والقوى الفلسطينية الى مزيد من التلاحم من اجل انهاء الاحتلال الاسرائيلي وتحقيق استقلالنا الوطني باقامة دولتنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف».

ورددت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي يتزعمها نايف حواتمة نفس الدعوة اذ ناشدت في بيان لها تلقت «الشرق الأوسط» نسخة عنه جميع الفصائل الفلسطينية التكاتف ووحدة الصف. ودعت عرفات «لتحويل الحصار الى فرصة ذهبية استثنائية لاعادة ترتيب وتوحيد البيت الفلسطيني اليوم قبل الغد وتصحيح الحالة الفلسطينية ـ الفلسطينية بحوار وطني وصولا للتوافق على سياسة موحدة لدور الانتفاضة»، لكنها في الوقت نفسه طالبته بالإقلاع عن تقديم التنازلات للإسرائيليين والأميركيين، والإفراج عن كل المعتقلين الفلسطينيين لدى السلطة كرد على ذلك وتحريم الاعتقال السياسي. وادانت الجبهة الديمقراطية التي تتخذ من دمشق مقرا لها العدوان الاسرائيلي ووصفته بانه «جريمة» تستهدف قمع الانتفاضة. وقالت ان «جريمة تدمير الاذاعة والتلفزيون الفلسطيني في رام الله تفضح سياسة شارون لاملاء شروطه على السلطة الفلسطينية لتصفية الانتفاضة والمقاومة».

وكانت قوات الاحتلال قد واصلت الليلة قبل الماضية عدوانها على رموز السيادة والاستقلال الفلسطيني فشددت الخناق على الرئيس عرفات حيث اصبحت على بعد امتار فقط من مقره في مدينة رام الله واغلقت جميع الطرق المؤدية اليها كما قال مسؤول امني فلسطيني لـ«الشرق الأوسط». كما احكمت احتلالها للمدينة التي اصبحت بكاملها تحت الاحتلال باستثناء شارع المنارة ووسط المدينة وهذا ما اكده لـ«الشرق الأوسط» مروان البرغوثي امين سر اللجنة الحركية العليا لفتح في الضفة الغربية الذي قال ان الاحتلال يشمل كل احياء رام الله باستثناء هاتين المنطقتين.

وقال المسؤول الامني ان القوات الاسرائيلية تحتل المباني العالية المطلة على مقر الرئيس عرفات الى درجة ان جنود الاحتلال برشاشاتهم الثقيلة يطلون على مهبط الطائرات في المقر ويراقبون كل من يدخل او يخرج من المقر. وتحت جنح الظلام وتحديدا في الساعة الثانية بعد منتصف الليل حسب التوقيت المحلي، قامت مقاتلات اسرائيلية من طراز اف 16 بالقاء طنين من المتفجرات فوق مبنى الاذاعة والتلفزيون فدمرت اجزاء كبيرة منه وتبعتها قوة اسرائيلية تعززها الدبابات والجرافات باقتحام ما تبقى من المقر الموجود في حي عين ام الشرايط جنوب رام الله وقام جنود لواء سلاح الهندسة الاسرائيلية يدعمهم جنود لواء المظليين بتفخيخ ما تبقى من المبنى المكون من خمسة طوابق وتفجيره من على بعد. وتسبب الانفجار في تصاعد دخان وتناثر حطام وتحطيم نوافذ المنازل في المنطقة. وقامت قوات الاحتلال المعتدية بسرقة المعدات في المقرين.

وهذه هي المرة الثانية في غضون شهر التي تتعرض فيها مقار هيئة الاذاعة والتلفزيون الفلسطينيين لاعتداءات قوات الاحتلال التي تعتبرها مصدر تحريض. وكانت المرة الاولى في ديسمبر (كانون الاول) الماضي اذ قامت قوات الاحتلال بنسف برجي البث في شارع الارسال.

واعتبر مروان البرغوثي العدوان الاسرائيلي ومحاصرة الرئيس عرفات بانهما جزء من مخطط شاروني «كنت قد حذرت منه منذ فترة يرمي الى انهاء السلطة الفلسطينية وانهاء عرفات عن طريق تدمير رموز سيادتها ومؤسساتها». وقال البرغوثي ان ذلك يتم بموافقة من ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش. وادان البرغوثي ما اسماه بـ«الصمت العربي القاتل» ازاء ما تمارسه اسرائيل من جرائم ومذابح وتدمير ضد الشعب الفلسطيني وسلطته وقيادته.

ونددت هيئة الإذاعة والتلفزيون ووزارة الإعلام الفلسطينية بما اسمتاه «الجريمة البشعة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحافة وحرية التعبير». وقال رئيس هيئة الاذاعة والتلفزيون الفلسطيني رضوان ابو عياش ان الاحتلال نسف الطابق الخامس من المبنى والذي يضم مكتبه، إضافة إلى استوديو مونتاج التلفزيون، وسحق استوديوهات أرشيف الإذاعة بشكل تام. ووصف أبو عياش ان ما قام به الاحتلال هو «عدوان غاشم وخطير يتنافى مع جميع الأعراف الدولية والمواثيق التي كفلت حرية التعبير». واضاف إن هذه «الجريمة تندرج ضمن المسلسل الذي يهدف لضرب رموز السلطة الوطنية، وأنها تأتي في سياق حرب الإبادة الشاملة التي تشنها حكومة شارون ضد شعبنا الأعزل». واشار الى ان الخسائر التي خلفتها العملية الاسرائيلية كبيرة للغاية ويصعب حصرها الآن. بعد ساعات قليلة من العدوان استؤنف البث في المحطة. وقال باسم ابو سمية مدير اذاعة صوت فلسطين ان الاذاعة استأنفت بث الاخبار والاغاني والبرامج الحوارية على محطات الاذاعة الخاصة المحلية التي تعمل بترددات معدلة من منشأة في المدينة.

الى ذلك أدان عضو الكنيست العربي، أحمد الطيبي، العدوان الاسرائيلي الذي وصفه بأنه «عمل بربري وإرهابي». وحسب قول الطيبي فان الاحتلال «لن ينجح أبداً في القضاء على إرادة الشعب الفلسطيني في التحرر من الاحتلال، وليس بمقدور دبابة أو جرافة ولا حتى عمليات تناسب أنظمة الغاب، أن تسكت صوت الشعب الفلسطيني».