الصينيون يعثرون على أجهزة تنصت داخل طائرة رئاسية اشتروها من الولايات المتحدة

TT

في مكان ما، بمطار عسكري شمال بكين، تقف طائرة الرئاسة الصينية، وهي طائرة جديدة من طراز «بوينغ 767» مجهزة بكل الامكانيات المتوفرة، بدون استخدام واجزاء كبيرة من محتوياتها ملقاة بالخارج.

ففي اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، وقبل ايام من بدء استخدامها، اكتشف خبراء الاتصالات العسكرية الصينية العديد من اجهزة التنصت المتقدمة مزروعة داخل الطائرة، طبقا لمصادر غربية وصينية ذكرت انها علمت بذلك من عدد من المسؤولين العسكريين والجويين الصينيين. وبعد اكتشاف ذلك، تم ايقاف الطائرة حيث لم تقم من حينها بأي رحلة.

وحسب المصادر ذاتها، فان المسؤولين الجويين الصينيين يتهمون ضباطاً في وكالة الاستخبارات الاميركية (سي. آي. إيه) بأنهم زرعوا اجهزة التنصت في الطائرة خلال اعادة تجهيزها في الولايات المتحدة.

وتكشف قصة الطائرة «البوينغ» المتوقفة عن الاستخدام نظرة مثيرة في مجال التجسس في العصر الحديث. فقال مصدر صيني على علاقة قوية بالاستخبارات العسكرية الصينية، ان اعضاء الادارة الثالثة في ادارة الاركان العامة هي التي اكتشفت الاجهزة. ومعروف ان الادارة الثالثة تتعامل مع الاستخبارات غير البشرية. وقال المصدر الصيني انه تم العثور حتى الآن على 27 جهاز تنصت، بعضها في دورة المياه الرئاسية وفي مسند السرير الرئاسي.

وذكر مسؤولون ودبلوماسيون غربيون ان مصادر قطاع الطيران الصيني ابلغوهم أن الأجهزة متطورة جداً. فقال دبلوماسي غربي «هذه الاجهزة يتم تشغيلها عبر الاتصالات بالاقمار الصناعية. ولهذا فانها في غاية التقدم».

لكن السفارة الاميركية في بكين رفضت التعليق على هذه الاتهامات. كما رفضت المتحدثة باسم وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية بيل هارلو التعليق هي الاخرى، مكتفية بالقول «ليس من سياستنا على الإطلاق التعليق على اتهامات من هذا النوع».

ورأت مصادر أميركية ان الضجة المثارة حول الطائرة ستكون احدى قضايا القمة الاميركية ـ الصينية المقرر عقدها بين الرئيسين جورج بوش وجيانغ زيمين في 21 فبراير (شباط) المقبل ببكين. وقال محللون صينيون ان الحادثة تؤكد مخاوف بكين من ان الولايات المتحدة لا تزال شريكاً غير موثوق به، ولا تزال تعامل الصين كبلد معاد لها.

وحسب مصادر غربية، فانه تم، بعد اكتشاف اجهزة التنصت، القبض على عشرين ضابطا من القوات الجوية الصينية ومسؤولين من مؤسسة الامدادات الجوية للتصدير والاستيراد الذين شاركوا في مفاوضات تجهيز الطائرة، الا ان الاسباب الحقيقية لهذه الاعتقالات لم تعلن بعد.

وبالاضافة الى ذلك، تم وضع ضابط كبير في القوات الجوية الصينية تحت الاقامة الجبرية لدوره المحتمل في العملية. وكان الضابط قد اشترى طائرات للمسؤولين عن طريق شركة «تشاينا يونايتد ايرلاينز» التي تملكها القوات الجوية الصينية. وهناك تساؤلات حول عمليات تحويل مالية خاصة بالشركة. وقد تعرض الجنرال يو زيغو مدير مكتب الحرس الشخصي في هيئة الاركان العامة في جيش التحرير الشعبي، الى انتقادات بسبب تسامحه في اجراءات الامن المتساهلة، لكن كلاً من هيئة الامدادات الجوية للاستيراد والتصدير وشركة «تشينا يونايتد ايرلاينز» رفضتا التعليق على الموقف.

وليس من الواضح بعد كيف يمكن لهذا الحادث ان يؤثر في شركة «بوينغ» الاميركية التي وقعت في سبتمبر (ايلول) الماضي على عقد بقيمة ملياري دولار لبيع طائرات الى الصين.

الا ان دبلوماسيين غربيين اعربوا عن اعتقادهم ان واشنطن وبكين ستتمكنان من التغلب على هذه القضية. وقال خبير امني صيني «ان هذا النوع من الامور متوقع». ولاحظ الخبير ان العلاقات بين واشنطن وموسكو لم تتعرض لمشاكل خطيرة منذ اكتشاف تنصت السوفيات على المبنى الجديد للسفارة الاميركية في بكين خلال الثمانينات. واضاف الخبير «حتى لو كانت علاقاتنا ممتازة، فاننا سنتجسس على بعضنا البعض».

واوضح مصدر صيني ان الصين اشترت الطائرة في يونيو (حزيران) 2000 مقابل 120 مليون دولار اميركي. وذكر مسؤول في شركة «دلتا» الاميركية للطيران ان الصينيين كانوا راغبين في الحصول على احدث طائرات «بوينغ 767» الى درجة ان «دلتا» سمحت للصين بالحصول على طائرة خاصة بها كان يستكمل تجميعها في مصانع «بوينغ» بسياتل في ولاية واشنطن.

وكانت الصحف الصينية الخاضعة للسيطرة الحكومية، التي اطلقت على الطائرة اسم «طائرة الرئاسة»، قد نشرت نبأ شراء الصين للطائرة في اغسطس (آب) من نفس العام. وذكرت عدة تقارير ان الطائرة وصلت بالفعل الى الصين وشرع بتجهيزها.

وفي الواقع تم ارسال الطائرة الى مطار «سان انتونيو الدولي» في الولايات المتحدة لتجهيزها من قبل عدة شركات صيانة طائرات اميركية، مثل شركة «دي هورد ايركرافت للصيانة» و«غور ديزاين كومبليشن» و«روكول كولينز» و«افيترا افياشن سرفيسز» السنغافورية، طبقا لمعلومات الشركات التي عملت في الطائرة. ووصلت قيمة العقد الى 10 ملايين دولار، حسب ما افاد مصدر في قطاع الصيانة واعداد الطائرات.

وقد استمر العمل حتى خلال الفترة المتوترة التي عاشتها العلاقات الصينية - الاميركية بعد حادث التصادم بين طائرة التجسس الاميركية والمقاتلة الصينية في الاول من ابريل (نيسان) الماضي.

وفي تقرير، نشر في سبتمبر (ايلول) الماضي، حول اعادة تجهيز الطائرة، أفادت صحيفة «سان انتونيو اكسبريس نيوز» نقلا عن ايرل باركر، وهو واحد من مديري شركة «فيترا» قوله ان الطائرة «ليست طائرة عادية مثل طائرة الرئاسة الاميركية».

واضاف ان الطائرة جهزت لكي يمكنها استقبال 100 راكب يجلسون على مقاعد من الجلد «البيج» يمكن تحويلها الى اسرّة. كما تم استبدال انابيب الاوكسجين الموجودة في كل الطائرات التي يمكن استخدامها لمدة 20 دقيقة بأخرى يمكن استخدامها لمدة ساعة كاملة. ويتكون جناح الرئيس من غرفة نوم وغرفة استقبال وحمام مجهز بكل الخدمات. كما اضافت الشركات جهاز تلفزيون عرضه 121 سنتمتراً واجهزة اتصالات عبر الاقمار الصناعية، وشبكات دفاعية مضادة للصواريخ واجهزة طيران متقدمة. وذكرت الصحيفة ان رجال الامن الصينيين كانوا يتولون حراسة الطائرة يومياً وعلى مدار الساعة خلال عملية اعادة التجهيز.

ولا يزال الغموض يكتنف كيفية وصول اجهزة التنصت الى الطائرة. وقال فيل اوكونر نائب رئيس شركة «دي هورد ايركرافت في سان انتونيو» اول من امس انها المرة الاولى التي يسمع فيها عن هذه الاتهامات. اما روبرت سانشيز رئيس العمليات في شركة «غور ديزاين كومبليشن» في سان انتونيو ايضا فقال انه لا يصدق الاتهامات. واوضح «لدينا علاقات ممتازة مع كل مسؤول صيني عمل في هذا المشروع، ونحن لا نقوم بمثل هذه الاعمال». بينما ذكرت متحدثة باسم شركة «روكول كولينز» ان الشركة ليست لديها تعليقات.

وكان قد تم استكمال العمل في الطائرة في اغسطس (آب) الماضي، ثم طارت الى الصين في 10 من الشهر ذاته وتوقفت في ولاية في هونولولو. وقال سانشيز ان مجموعة من العمال الاميركيين وعائلاتهم صاحبت الطائرة كضيوف على الحكومة الصينية.

وقد علم الدبلوماسيون ومديرو الشركات الغربيون بالقصة في منتصف اكتوبر (تشرين الاول) الماضي عندما لم يظهر المسؤولون الصينيون الذين يتعاملون عادة معهم في الاجتماعات. وابلغوا من اصدقاء وزملاء صينيين انه تم القبض على المسؤولين. وجرت عمليات القبض في الوقت الذي كان فيه من المفروض ان يستقل الرئيس زيمين الطائرة في رحلتها الاولى لحضور ندوة التعاون الاقتصادي للدول الآسيوية المطلة على المحيط الباسيفيكي (إيباك)، لكن زيمين استقل طائرة أخرى وحضر الاجتماع.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»