خبيران بريطانيان: الإرهاب لم ينته بعد ولا بد من كسب عقول وقلوب المسلمين

TT

حذر خبيران بريطانيان من مغبة التسرع في الحكم بأن شبكة «القاعدة» قد دُمرت تماماً. وطالبا الغرب بمساهمة فعالة في اعادة بناء أفغانستان معتبرين ذلك شرطاً أساسياً لمكافحة الارهاب بصورة ناجعة. جاء ذلك في الافادتين اللتين أدلى بهما امس بول بيرغن، مبعوث رئيس الوزراء البريطاني الخاص سابقاً الى آسيا الوسطى، والبروفسور بول ويلكنسون، مدير مركز دراسة الارهاب والعنف السياسي بجامعة سانت آندروز البريطانية، أمام لجنة الشؤون الخارجية لمجلس العموم البريطاني.

واعتبر بيرغن أن «تجنب الحملة العسكرية في أفغانستان» كان مستحيلاً، لأن نظام طالبان لم يستجب لأي ضغوط هدفت الى حمله على تسليم أسامة بن لادن، زعيم «القاعدة»، للعدالة. وأكد الدبلوماسي الذي حضر مؤتمر بون في اكتوبر (تشرين الأول) الماضي كمستشار لفريق المراقبين البريطانيين في محادثات السلام الأفغانية، ان «دور الملك السابق (في المحادثات) كان ثانوياً». وأشار الى ان «التحالف الشمالي شدد على حقه في حصة رئيسية من الحكومة التي كان يجري العمل على وضعها، لأنه خرج بنهاية الحرب منتصراً». وقال ان «علاقات بريطانيا بمجموعة قبرص جيدة» وقد تجلى ذلك أثناء المؤتمر وانعكس على المباحثات التي أجراها بصورة جانبية.

وأشار بيرغن الى ان وصول أول دفعة من القوات البريطانية الى مطار باغرام في ديسمبر (كانون الأول) الماضي أثار سخط التحالف الشمالي. وقال ان «عبد الله عبد الله، وزير خارجية التحالف الشمالي اتصل بي قبل نصف ساعة من هبوط الطائرة (التي أقلت عشرات الجنود البريطانيين)، مطالباً بوقف العملية، فطلبت منه عدم اتخاذ أي اجراء متسرع لأنه كان غاضباً للغاية، ثم اتصلت بالخارجية (البريطانية) لابلاغهم ضرورة عدم ارسال أي دفعة أخرى»، وأكد عدم معرفته بسبب «فشل الحكومة البريطانية في اجراء اتفاق مسبق مع التحالف الشمالي قبل ارسال الجنود».

وفي رد على سؤال حول تقبل الأفغان العاديين للقوات الدولية، اوضح بيرغن ان أهل العاصمة كابل لا يعارضون وجود قوة حفظ السلام. بيد انه لفت الى ان «الوضع خارج العاصمة مختلف». وأشار الى ان «البشتون اكثر ترحيباً بها من التحالف الشمالي».

وأضاف مبعوث رئيس الوزراء توني بلير سابقاً الى آسيا الوسطى، ان القضاء على طالبان قد «وجه ضربة قوية للمتشددين في دول مجاورة، وخصوصاً في اوزبكستان». وزاد ان «تقارير غير مؤكدة ذكرت ان زعيم المتشددين الأوزبك قتل مع آلاف من أنصاره في صفوف طالبان». وذكر ان هؤلاء الأوزبك حاربوا الى جانب طالبان في قندهار ومزار الشريف ومدينة شمالية أخرى.

ولم يستبعد بيرغن وجود عدد لا بأس به من أنصار «القاعدة» وبعض ناشطيها في دول مجاورة، خص منها بالذكر اوزبكستان وتاجيكستان. وقال ان هؤلاء المتعاطفين مع طالبان يؤمنون بآيديولوجيتها ويتشبثون بـ«الاسلام السياسي» سلاحاً لمحاربة أنظمة تشكو من داء الفساد وتُتهم بأنها مخالفة للاسلام. واعتبر ان «الجنرال برويز مشرف اتخذ موقفاً صلباً ضد التشدد»، لكنه أشار الى ان المتطرفين في باكستان قادرون على استهداف مصالح خصومهم. وحذر من احتمال وقوع صراع داخلي ضمن قيرغيزستان، التي يميل شمالها الى «العلمانية، او الروسية» فيما يعتبر جنوبها معقلاً للاسلاميين. ولفت الى ان نظام اوزبكستان عرضة اكثر من غيره للتأثير بحملة متشددين اسلاميين.

ومن جهته، شدد البروفسور ويلكنسون، على «ضرورة كسب عقول وقلوب المسلمين»، في سياق الحملة ضد الارهاب. وانتقد تعبير «الحرب على الارهاب» معتبراً إياه غامضاً الى درجة كبيرة ويثير أحلاماً كبيرة غير واقعية بخصوص «النهاية السريعة» للارهاب. وأعرب عن رأيه بأن استعمال كلمة «حرب» يدل على «خطأ في تقديرنا لطبيعة الارهاب». وفيما أكد ان «الحملة العسكرية وجهت ضربة قاصمة للارهاب»، أوضح ان القضاء التام على «القاعدة» خصوصاً، والارهاب بشكل عام، لا يزال هدفاً بعيداً جداً. واعتبر ان من الصعوبة بمكان تدمير «القاعدة» لأنها «شبكة عالمية ولا تزال قوية جداً». وقال ان «القاعدة» قد تكون قادرة على مباشرة عملها من جدي«الري «تدرب عناصرها في الفلبين، مثلاً، كما يتخذ بعض ناشطيها من كشيمر قاعدة لهم». وذكر ان القضاء على هذه الخلايا «الارهابية» يكاد يكون مستحيلاً ما لم تساهم الدول المعنية نفسها في تحقيق هذا الهدف وتعمد الى ضرب الارهابيين لديها.

وفي رد على سؤال حول السبيل الأجدى للقضاء على الارهاب، أكد الأكاديمي المعروف انه يعتقد ان الخطة الهادفة الى ذلك يجب ان تشتمل على ثلاثة محاور. وأضاف «اولاً لا بد من تعبئة الثغرة الاستخباراتية الناجمة عن عدم توفر مصادر بشرية استخباراتية حول عمل الارهابيين وأهدافهم المحتملة». وأشار الى «التكنولوجيا لم تزودنا بكل ما نريده في المجال الاستخباراتي، وينبغي الاعتماد أكثر فأكثر على مسلمين معادين للارهاب ملتزمين الخط الصحيح للاسلام الذي يحظر قتل النفس، ويحرم جرائم قتل النساء والأطفال خصوصاً».

وتابع «ثانياً، يجب تعزيز النظام القضائي لتقديم المشبوهين الى العدالة، بصورة نزيهة».

واعتبر في هذا السياق «ان الولايات المتحدة قد اخطأت خطأ كبيراً حين عاملت السجناء في قاعدة غوانتانامو على هذه الشاكلة». ونبه الى ان سلوك الأميركيين في شكل لا ينسجم مع القانون الدولي من شأنه ان «يتمخض عن انقسامات ضمن التحالف الدولي ضد الارهاب، وهي تغامر حتى باغضاب حلفائها الأوروبيين اذا استمرت على هذا النحو».

وقال اذا واصلت واشنطن معاملة سجناء القاعدة وطالبان بهذا الشكل فهي ستجبر العالم على نسيان سجلها الجيد، وستفشل في اقناع الآخرين بسلامة اهدافها اذا «اتبعت أساليب مخالفة للقانون».

وشدد البروفسور ويلكنسون ثالثاً، على ضرورة «المحافظة على تأييد المسلمين للحملة ضد الارهاب الذي ألحق كثيراً من الأذى بهم». ودعا في هذا الاطار الى اعطاء الأمم المتحدة دوراً ابرز في الحملة، وعدم ابقاء القيادة محصورة بالغرب وأميركا.