سياسة إدارة بوش إزاء العراق معلقة في انتظار استكمال مراجعة بدأت قبل عام

جدل في واشنطن حول مدى إمكانية أن يصبح «المؤتمر الوطني العراقي» المعارض حليفا موثوقا به لإدارة بوش

TT

رغم اللهجة المتشددة لكبار مسؤولي ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش تجاه صدام حسين، فإن سياسة الادارة الحالية ازاء العراق لا تزال مجمدة الى حد بعيد في النقطة التي تركها فيها الرئيس السابق بيل كلينتون.

فبعد عام من اجراء اعادة النظر داخليا على مستوى رفيع، لم تتخذ الادارة الحالية قرارا برفع بعض القيود التي فرضها الرئيس كلينتون على المعارضة العراقية في ما يتعلق بالمساعدات، إذ لا يزال محظورا على «المؤتمر الوطني العراقي» استخدام اموال المساعدات الاميركية في تنفيذ عمليات داخل العراق، رغم ان الكونغرس الاميركي اجاز هذه المساعدات. يضاف الى ما سبق، ان منصبا خصص للتنسيق مع المعارضة العراقية لا يزال شاغرا في وزارة الخارجية الاميركية منذ صيف العام الماضي.

وتركز الاهتمام منذ هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي على احتمال شن الولايات المتحدة هجوما عسكريا على العراق كجزء من حربها ضد الارهاب. وفيما اكدت مصادر رسمية ان البيت الابيض ارجأ قرارا بشأن عمل عسكري ضد العراق الى حين انتهاء حملة الولايات المتحدة على تنظيم «القاعدة» على الاقل، فإن جدلا حاميا يدور في الوقت الراهن حول ما ينبغي فعله حاليا.

ويدور معظم هذا الجدل حول مدى امكانية ان يصبح «المؤتمر الوطني العراقي» المعارض حليفا موثوقا به قادرا على تشكيل تحد خطير لصدام حسين. كما يدور الجدل حول ما اذا كانت هناك مجموعة عراقية معارضة اخرى يمكن ان تصبح شريكا اكثر فاعلية. ويعتقد مسؤولون اميركيون بارزون في الادارة الحالية ان القيود التي فرضها كلينتون في السابق على بعض الجوانب الخاصة بتمويل «المؤتمر الوطني العراقي» يجب ان ترفع فورا، وتتفق مع وجهة النظر هذه مجموعة اخرى، بيد ان هذه المجموعة ترى ان المؤتمر غير قادر على قيادة المعارضة داخل العراق. الا ان ذات المجموعة تعتقد انه لم يظهر بعد بديل لـ«المؤتمر الوطني العراقي».

«المؤتمر» من جانبه اتهم الادارة الحالية بالخوف من اتخاذ خطوة ضد صدام حسين. وكما قال ضابط استخبارات سابق وخبير في شؤون الخليج، فان الادارة الحالية تستخدم لهجة مناوئة للعراق لاعطاء انطباع بالتحرك من دون القيام بأي عمل جدي.

وخلف الجدل الدائر حاليا، لا تزال «وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية» (سي. آي. إيه) تعمل سرا لاطاحة صدام حسين، غير ان بعض كبار المسؤولين الاميركيين يرون انه «لا تبدو في الافق حركة».

الجدير بالذكر ان آخر محاولة لـ«سي. آي. ايه» في اطار جهود الاطاحة بصدام وقعت خلال منتصف العقد الماضي عندما مولت انقلابا ضد صدام بواسطة جنرالات متقاعدين وآخرين في الخدمة، غير ان الاستخبارات العراقية كشفت المخطط واعدمت الكثير من المشاركين في المحاولة. ويؤيد بعض كبار مسؤولي ادارة بوش دعم الولايات المتحدة لهجوم داخلي على صدام حسين، فقد وقع كل من وزير الدفاع الحالي دونالد رامسفيلد ونائبه بول وولفويتز الى جانب نائب وزير الخارجية ريتشارد آرميتاج خطابا عام 1998 ارسلوه الى الرئيس السابق كلينتون، مطالبين بتوفير الدعم لعلميات المعارضة العراقية في الداخل.

ويقول وولفويتز ان لب المشكلة هو ان الولايات المتحدة غير قادرة على انتهاج سياسة جادة تجاه العراق او انها لا تعتزم ذلك، إذ انه أكد وجهة نظره هذه في شهادة ادلى بها امام مجلس النواب في ذلك العام.

ويعتقد وولفويتز ان ثمة طريقا وسطا بين العمل من خلال العقوبات التي تفرضها منظمة الامم المتحدة ضد العراق، وارسال والولايات قوات عسكرية الى هناك، فمفتاح الحل، طبقا لوجهة نظره، يكمن في مساعدة الشعب العراقي في تحرير نفسه من نظام صدام حسين. ويعتقد وولفويتز ان هذه مسألة اكثر تعقيدا مما تتصور الادارة الاميركية. إذ بينما ساعدت الهجمات التي وقعت في نيويورك وواشنطن في سبتمبر (ايلول) الماضي في توفير المزيد من الدوافع للتحرك ضد صدام، فإن هذه الاحداث تسببت كذلك في جعل اتخاذ مثل هذه القرارات اكثر صعوبة. وفي ظل انتظار العالم لخطوة من الولايات المتحدة في هذا الاتجاه، رغم اعتراض حلفاء الولايات المتحدة في اوروبا والعالم العربي، ابدى مسؤولون في ادارة بوش مخاوفهم ازاء احتمال ان ينظر الى تغيير السياسية الاميركية ازاء العراق كونه مؤشر لحملة وشيكة مقبلة مثل الحملة على افغانستان دعما للقوات العراقية المحلية. على صعيد آخر، تعرض الرئيس بوش الى ضغوط متزايدة من اعضاء حزبه. فقد ذكرته رسالة وجهها اليه تسعة من كبار اعضاء الكونغرس الاميركي من الحزب الجمهوري، بتعهده في حملته الانتخابية «بالتطبيق الكامل» لقانون تحرير العراق الصادر عام 1998، وهو التعهد الذي تأكد في برنامج الحزب.

ويخصص القانون ما قيمته 97 مليون دولار من المعدات العسكرية الاميركية والتدريب لجماعات المعارضة العرقية، و43 مليون دولار نقدا توزعها وزارة الخارجية الاميركية على النشاطات الانسانية والاذاعية وجمع المعلومات.

وحتى الآن تم انفاق ما قيمته 5 ملايين دولار من برنامج البنتاغون واقل من مليون دولار تم استخدامها، لتقديم تدريبات غير قتالية لأقل من 200 طالب ينتمون للمؤتمر الوطني العراقي في مجالات مثل الطوارئ الطبية واستخدام الكومبيوتر. كما حصل المؤتمر على 12 مليون دولار نقدا و11.6 مليون دولار تم توزيعها على الجماعات الاخرى، معظمها على باحثين يجمعون ادلة بخصوص محاكمة صدام حسين في المستقبل بخصوص جرائم التطهير العرقي او جرائم الحرب.

وتجدر الاشارة الى ان المؤتمر الوطني العراقي وأنصاره يلومون وزارة الخارجية الاميركية ووكالة الاستخبارات المركزية والقوات المسلحة لما وصفه ريتشارد بيرل المسؤول السابق في وزارة الدفاع الاميركية ومستشار الادارة باعتباره رئيسا لمكتب السياسة الدفاعية بـ«المعاملة السيئة للمعارضين العراقيين».

ولكن كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع ذكروا ان ايديهم مقيدة الى ان ينتهي البيت الابيض من اعادة النظر في سياسته الذي بدأها في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.

وذكر المسؤولون ان القرار الخاص بما يجب القيام به تجاه المعارضة العراقية، هو في يد مجلس الامن القومي.

وفي ردهما على كل الاسئلة اكتفت كل من كوندوليزا رايس مستشارة شؤون الامن القومي، وكولن باول وزير الخارجية بقولهما ان السياسة الخاصة بالعراق لا تزال تحت الدراسة.

وذكر المسؤولون في البيت الابيض ان الادارة تعترف بقصور المؤتمر الوطني العراقي، وتبحث عن جماعات معارضة اخرى صالحة داخل العراق، حتى في الوقت الذي تقرر فيه نوعية المساعدات المقدمة. ولكن الغالبية الكردية في شمال العراق يترددون في التحرك ضد صدام حسين، بينما ترتبط المعارضة الشيعية في الجنوب ارتباطا وثيقا بالحكومة الايرانية.

وتجدر الاشارة الى ان خبرات الجانبين سيئة ولا سيما مع جهود الولايات المتحدة الفاشلة لإسقاط صدام حسين، كما انهما يترددان في الارتباط مرة اخرى بواشنطن بدون ضمانات بجهد شامل.

وكان الجدل الخاص بكيفية التعامل مع القضية بدون هجوم عسكري قد تصاعد عندما أعلنت وزارة الخارجية الاميركية انها ستوقف بعضا من الميزانية التي لم تنفق بعد وقيمتها 19 مليون دولار، بعدما عثر المدققون على اخطاء في الطريقة التي انفق بها «المؤتمر الوطني العراقي» الاموال التي تلقاها من الولايات المتحدة.

وكانت وزارة الخارجية الاميركية قد اذاعت تقرير المدققين الذي انتهى منه الصيف الماضي المفتش العام لوزارة الخارجية. ويتعامل التدقيق مع الاموال التي انفقت على برنامج «جمع المعلومات» الخاص بالمؤتمر الوطني العراقي. ومن بين الاشياء الاخرى، يسأل تقرير المدقق عن نفقات تراوحت بين 2.2 الى 4.3 مليون دولار في الفترة ما بين مارس (آذار) 2000 ومايو (ايار) .2001 وتتراوح تلك النفقات بين 2.070 الف دولار تم انفاقها على عضوية ناد صحي في واشنطن و75 ألف دولار تكلفة علاقات عامة غير محددة، وعدم وجود اثباتات لمبلغ 101.762 دولار نفقات سفر وتوزيع شارات للحضور في مؤتمر عن حقوق الانسان.

واكتشف ان المؤتمر الوطني العراقي صرف مبلغ 578،795 دولار بدون مستندات. وشملت هذه نفقات سفر اعضاء مجلس قيادة المؤتمر السبعة، فضلا عن مبلغ 733،112 دولار كتحويلات نقدية من مكتب لندن الى «فرق في الميدان» يقال انها تجمع معلومات من الدول المجاورة للعراق. وصرف مكتب واشنطن مبلغ 207،353 الف دولار من دون وجود ما سماه المفتش العام «الوثائق الداعمة».

وقال الناطق باسم المؤتمر، فرانسيس بروك، انهم لن يكشفوا اسماء الفرق العاملة في الدول المحيطة بالعراق لأن «ذلك سيعرضهم للأخطار الجسيمة. فهذه حرب سرية اساسا».

وقال المسؤولون بوزارة الخارجية ان العون للمؤتمر الوطني العراقي مهدد بالتجميد وفق القوانين الاميركية لمراجعة اوجه صرف المعونات.

وفي وثيقة من 200 صفحة، ردا على نتائج المراجعة، وافق المؤتمر «على ضرورة تقوية الضوابط المالية الداخلية»، ولكنه نفى نفيا تفصيليا ان تكون اية مبالغ من العون الاميركي قد أسيء استخدامها. وفي مقابلة تمت معه أخيرا، صرح مدير مكتب المؤتمر في واشنطن، انتفاض قنبر، ان القضايا المالية ليست سوى محاولة لذر الرماد في العيون، لاخفاء عدم رغبة الادارة في تطوير سياساتها نحو العراق.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»