أسامة رشدي المسؤول الإعلامي وعضو مجلس الشورى السابق في «الجماعة الإسلامية»: خطاب بن لادن مستفز ومليء بمفردات ومصطلحات لا يفهمها غير المسلمين

الخاطفون الـ19 اخلوا بقضية «الوفاء بالعهد والعقد» في الدين الإسلامي * من السهل أن نلقي بتبعات جميع مشاكلنا ومآسينا على أميركا وغير أميركا في محاولة لاختزال الواقع وتسطيح المشكلات

TT

علق الاسلامي المصري اسامة رشدي (41 عاما) قيادي «الجماعة الاسلامية» المسؤول الإعلامي وعضو مجلس الشورى السابق فيها على احداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) بقوله ان الجهاد مضبوط بضوابط شرعية وفقهية، وان العمليات التي ضربت الولايات المتحدة، ليس لها علاقة من قريب او من بعيد بالاسلام. وقال رشدي طالب اللجوء السياسي في هولندا منذ ثماني سنوات، وأحد 14 مطلوباً من القيادات الاصولية في الخارج الذين يتصدرهم ايمن الظواهري زعيم منظمة «الجهاد» الحليف الاول لاسامة بن لادن، ان الخطاب الاعلامي لابن لادن كان «مستفزا ومغرقا في التهديد والوعيد ومليئا بمفردات ومصطلحات لا يفهمها غير المسلمين». وعبر رشدي في مقال تلقته «الشرق الأوسط» عن رؤيته التحليلية لاحداث 11 سبتمبر عن معارضته لافكار الظواهري زعيم «الجهاد» المصري في نقل المعركة إلى أرض العدو والتي دعا اليها في «وصيته الاخيرة» وكذلك معارضته للإرهاب المحمود الذي برره بن لادن، وهي بعض الاهداف التي عبر عنها قادة «القاعدة»، في خطابهم الاعلامي. واشار رشدي الى ان الجهاد مرتبط في اي مكان واي زمان باحكام وضوابط لايمكن التخلي عنها. وقال «ان الحركة الإسلامية لن تنتهي ولكن علينا مراجعة الأخطاء قبل فوات الاوان.. والخطوة الاولى تتمثل في الابتعاد عن العشوائية في التفكير». وطالب «ابناء الحركة الاسلامية بالتحلي بقدر من المسؤولية في التعامل مع الواقع وتعقيداته، واعتماد العمل المؤسساتي القائم على أساس الشورى الملزمة واستيعاب التجارب السابقة، وعدم اعتماد مبدأ الطاعة العمياء للقائد الـ«كاريزمي» الذي يفاجأ من حوله بقراراته وتوجهاته. وخصص رشدي جزءاً من مقاله لكتاب منتصر الزيات محامي الاصوليين الجديد «الظواهري كما عرفته»، فقال كتاب الزيات والذي جاء في سياق الرد على كتاب الدكتور أيمن الظواهري «فرسان تحت راية الرسول» هو إضافة مهمة للمكتبة الإسلامية والعربية من أحد أبناء الحركة الإسلامية ممن عاش أدق وأحلك أوقاتها وتقاطعت عنده الكثير من الخطوط بحكم مهنته كمحام.

واضاف انه على عكس ما سمعه من البعض بأن الوقت ليس مبكرا لطرح مثل هذا الكتاب بالنظر للأوضاع المأساوية التي آلت إليها الأوضاع في أفغانستان والضربات الوحشية التي تعرض لها إخواننا الأفغان والعرب هناك; ومعظمهم لا ناقة لهم ولا جمل في تنظيم القاعدة، ولا علاقة لهم بما حدث في نيويورك وواشنطن.

ومع ذلك فإن إنكارنا لهذه الممارسات الأميركية وتعاطفنا مع الضحايا ومآسيهم لا يجب أن يحول بين النقاش العميق لما طرحه الدكتور أيمن من أفكار وما تمخض عنه الخطاب الإعلامي والإسلامي لأقطاب تنظيم «القاعدة» والذي فرض نفسه على كل الحركات الإسلامية، بل وعلى العالم أجمع.

وقال «اتفق مع الزيات فيما أشار إليه في الفصل الثامن من كتابه حول ما سببته أحداث الحادي عشر من سبتمبر من أزمة مازالت تداعياتها تلف العالم أجمع. وبغض النظر عن أسانيدها الشرعية فضلا عن دلالتها السياسية فإنها أيضا أثارت تساؤلات».

واضاف الاصولي المصري «يمكنني الاسترسال وذكر المزيد عن اميركا وسياستها ولكن خطابي هو في الأساس للطرف الآخر الذي يتحمل أيضا قدراً من المسؤولية عن الحالة التي وصلنا إليها. فهل يبرر هذا العداء لأميركا سلوك أي طريق لحربها وإلحاق الأذى بها وبشعبها بغض النظر عن مشروعية الوسيلة، والمصالح والمفاسد المعتبرة المترتبة على هذا العمل؟ وهل الغايات تبرر الوسائل في هذا الصراع أم أن الوسيلة يجب أن تنضبط بانضباط الغاية؟».

ويتطرق رشدي الى ادبيات جماعة «الجهاد» و«القاعدة» فيقول ان نقل المعركة إلى أرض العدو كما دعا الدكتور أيمن في كتابه «فرسان تحت راية الرسول» والإرهاب المحمود الذي برره بن لادن، هذه بعض الاهداف التي عبر عنها الاخوة في «تنظيم القاعدة». والسؤال هنا هل يرى هؤلاء الأخوة أنهم ملزمون في جهادهم بما قررته الشريعة وما هو متفق عليه في كتب الفقه في أبواب فقه «الجهاد»؟

وسأتناول ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر من زاوية أخرى غير التي أثيرت من قبل عن حكم قتل المدنيين في الإسلام، أو عن المئات من المسلمين الذين قتلوا في هذه الأحداث. ويقول إن أبرز ما يلفت الانتباه أن من قاموا بأحداث واشنطن ونيويورك دخلوا الولايات المتحدة كطلاب. ولو سلمنا أن أميركا عدوة وأنها يجب أن تقاتل فإن دخول بعض المسلمين لبلاد «الأعداء» تحت مظلة الدراسة أو العمل أو اللجوء هو في حكم من دخل بلاد العدو بأمان.. على اعتبار أن سمات الدخول (التأشيرات) التي تمنح لهؤلاء تضمن حقوقا متبادلة بالأمان بينهم وبين الدولة التي سمحت لهم بالدخول. فإن لم يكن ذلك منصوصا عليه فهو معلوم ضمنا، لأن أي دولة لن تسمح بدخول من يشن الحرب عليها. فهل يجوز في الشريعة الإسلامية لمن دخل دار عدوه بأمان أن يفعل ما يتناقض مع مقتضيات هذا الأمان؟ يقول الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم (إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان، فالعدو منهم آمنون إلى أن يفارقوهم، أو يبلغوا مدة أمانهم وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم).

ويقول الإمام «ابن قدامة» في المغني وهو من أمهات كتب الفقه والذي كتبه قبل ثمانمائة عام في المسألة «7587» (10/507) تحت عنوان: «من دخل إلى أرض العدو بأمان لم يخنهم في مالهم ولم يعاملهم بالربا». ثم يضيف شارحاً «... وأما خيانتهم فمحرمة لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم، وأمنه إياهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك مذكورا في اللفظ فهو معلوم في المعنى ولذلك من جاءنا منهم بأمان فخاننا كان ناقضا لعهده، فإذا ثبت هذا، لم تحل خيانتهم لأنه غدر، ولا يصلح في ديننا الغدر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم» فإن خانهم أو سرق منهم، أو اقترض شيئا وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه، فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان، أو إيمان رده عليهم، وإلا بعث به إليهم، لأنه أخذه على وجه حرم عليه أخذه، فلزمه رد ما أخذ، كما لو أخذه من مال مسلم».

* الوفاء بالعهد والعقد

* ويقول رشدي لقد حرص الإسلام كل الحرص على قضية الوفاء بالعهد والعقد، ذلك لأن الله تعالى يريد أن يأمن الناس لهذا الدين ولكلمة المسلمين. ولذا فالله تعالى يأمر المسلمين حتى وهم في أتون المعركة والقتال أن يمنحوا الأمان لمن يطلبه فيقول سبحانه «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه» فهذا الحربي المحارب يعطى الفرصة لسماع الدعوة ثم يبلغ مأمنه حتى وإن رفض كلام الله عز وجل. كيف يمكن أن يترسخ مثل هذا المبدأ لولا الثقة التي يعرف بها المسلمون والتي هي أفضل من أي كسب قد يتحقق بالغدر وترك الوفاء بالعقود.

وذلك لأن المساس بالأسس التي على أساسها يمكن أن يأمن الناس بعضهم لبعض على اختلاف مشاربهم وأديانهم سيفضي إلى الصد عن سبيل الله عز وجل وإلى الفساد العظيم الذي سيفوق ضرره الخسارة التي كنت ستفوت بالوفاء.

وقد يقول قائل بأن الحرب خدعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. يتأولون بذلك خلاف المعنى الصحيح للحديث، فالإمام النووي في شرح صحيح مسلم (7/230) يقول في شرح هذا الحديث: «واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب كيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد، أو أمان، فلا يحل».

* المشروعية السياسية

* وحول المشروعية السياسية للخطاب الاسلامي يقول رشدي «إن الصراع هو سنة كونية، مستمرة حتى يرث الله الأرض ومن عليها. والأمة الإسلامية التي سادت لقرون طويلة ها هي تعاني من تبدل الأحوال، وتئن تحت وطأة ضغوط أعدائها (وتلك الأيام نداولها بين الناس). ومن المفارقات أن معظم هذه الصراعات هي مع أمم تحكمها عقدة التاريخ وتصفية الحسابات مع الأمة الإسلامية. في فلسطين، وكشمير والبلقان وروسيا... فهي صراعات يتداخل فيها الدين بالثقافة والتاريخ بالجغرافيا، فهدم مساجد المسلمين ومقدساتهم واقتلاع وجودهم الحضاري، يسير جنباً إلى جنب مع احتلال أراضيهم وإذلال شعوبهم، واستلاب مقدساتهم. وقد كان المسلمون خلال الأعوام العشرة الماضية ضحايا لأبشع المذابح التي ارتكبت في التاريخ الحديث في البوسنة وفي كرواتيا وفي كوسوفو وفي الشيشان وكل ذلك في قلب أوروبا وعلى مشهد من المدنية الغربية. هذا بخلاف ما يتعرضون له من إرهاب على أيدي الصهاينة في فلسطين المحتلة. ثم بعد ذلك يتهمون المسلمين بأنهم إرهابيون.

ويضيف «ومن هنا يشعر المسلمون بالغبن والظلم وعدم الثقة في ما يسمى بالمجتمع الدولي، خاصة أن هذا النظام الدولي قد وقف عاجزا عن أن يرد حقا أو يدفع ظلما يقع على المسلمين».

ويذكر «ان اختلال موازين القوى يفرض على الطرف الضعيف أن يتحلى بالحكمة والصبر في إدارة صراعه الذي يُقدر أن يستمر لسنوات وربما لعقود طويلة. إن التحلي بالحكمة لا يعني مطلقا التنازل عن الحق أو إقرار الغاصب على ما اغتصب. وكما نرى فالحركات الإسلامية الرئيسية المعنية ببؤر الصراع الساخنة، والتي تراكمت خبراتها وتجاربها عرفت كيف تحصر صراعها ولا تستدرج فتتشتت جهودها».

وتابع رشدي «أما أن تقوم جماعة ما بفتح نيرانها في كل الاتجاهات بدءاً بالأنظمة العربية ومرورا باليهود والصليبيين والروس وانتهاء بأميركا استنادا لجملة هذه المظالم، ولا تحصر قضيتها في قضية محددة، فهذا ضرب من العبث والقفز على السنن وهو نوع من الهروب للأمام ودغدغة لعواطف البسطاء. والطامة الكبرى عندما تسعى هذه الجماعة لفرض رؤيتها وأجندتها على الجميع مسفهة آراء المخالفين».

وقال «إن من السهل أن نلقي بتبعات جميع مشاكلنا ومآسينا على أميركا وغير أميركا في محاولة لاختزال الواقع وتسطيح المشكلات، وهروبا من تبعات مواجهة التعقيدات الداخلية والأسباب الأخرى. إن الخطاب الإعلامي لـ«القاعدة» المستفز والمغرق في التهديد والوعيد والممتلئ بالمفردات والمصطلحات الإسلامية التي لا يفهمها غير المسلمين يجب تغييره».

ويختتم رشدي قائلا «إن الحركة الإسلامية كما جاء في كتاب الزيات لن تنتهي ولكن علينا مراجعة الأخطاء.

إننا كحركات إسلامية مطالبون بالتحلي بقدر من المسؤولية في تعاملنا مع الواقع وتعقيداته. لأن فهم الواقع هو نصف الفتوى. وفهم الواقع هو المدخل لتحقيق مناط النصوص وتنزيلها على الوقائع.

إن أكبر خطر على الحركة الإسلامية يكمن في أخطائها، في ظل هذا المناخ المتحفز وغير المؤاتي. ومن هنا ينبغي تدارك نقص الخبرات الإدارية والسياسية والشرعية. علينا الابتعاد عن العشوائية واعتماد العمل المؤسساتي القائم على أساس الشورى الملزمة واستيعاب التجارب السابقة، وعدم اعتماد مبدأ الطاعة العمياء للقائد الـ«كاريزمي» الذي يفاجأ من حوله بقراراته وتوجهاته، وربما يقرأونها في الصحف».