حبيقة من «H.K» في «القوات» إلى «الاتفاق الثلاثي» والوزارة

حياة حافلة بالمعارك السياسية والعسكرية والمخابراتية

TT

برز اسم ايلي حبيقة في الحياة السياسية اللبنانية اثر حصول المجازر في مخيمي صبرا وشاتيلا للفلسطينيين عقب دخول القوات الاسرائىلية الى بيروت اثناء اجتياحها للبنان عام 1982، حيث وُجّهت اصابع الاتهام اليه والى اسرائيل بارتكابها، اذ كانت الدولة اليهودية تقيم علاقات متينة مع ما كان يسمى خلال الحرب اللبنانية بـ «المعسكر المسيحي» الذي كان يجمع كل الاحزاب والقوى المسيحية في جبهة تواجه الفصائل الفلسطينية والاحزاب اليسارية اللبنانية.

وقبل هذه المجازر كان حبيقة في الظل او كما سماه البعض «العنصر الخفي» في ميليشيا «القوات اللبنانية» التي اسسها الرئيس المنتخب بشير الجميل الذي اغتيل في 14 سبتمبر (ايلول) 1982. واثر اغتياله بتفجير مقر حزب الكتائب في محلة الاشرفية دخل الاسرائيليون الى الشطر الغربي من بيروت الذي كانوا يحكمون الحصار عليه من البر والبحر والجو.

حياته الحزبية بدأت عام 1973 بانتسابه الى حزب «الكتائب اللبنانية». وقد حفلت بأحداث سياسية وعسكرية كثيرة وعلى مدى الحرب اللبنانية التي دامت نحو عشرين عاماً. وكانت له في غالبيتها بصمات واضحة. وتميز بنجاحه في العمل المخابراتي بعد مشاركته في دورات كثيرة متخصصة داخل لبنان وخارجه، مما مكنه من الامساك شيئاً فشيئاً بكل مفاصل ميليشيا «القوات اللبنانية» ومقدراتها السياسية والعسكرية والمالية. وتمكن في 12 مارس (آذار) 1985 من تغيير قيادة «القوات» وتشكيل قيادة جماعية لها ضمته وسمير جعجع ورئيس حزب الكتائب الحالي كريم بقرادوني، فتولى هو رئاسة مجلس القيادة، فيما تولى جعجع رئاسة الاركان. ولكن في 9 مايو (ايار) من العام نفسه حوّل حبيقة القيادة الجماعية الى هيئة تنفيذية برئاسته. وفي ضوء ذلك، انطلق حبيقة الى تغيير خياراته ففتح قنوات الاتصال مع سورية والاحزاب اليسارية اللبنانية وتحقق حوار رعته دمشق وأثمر اتفاقاً على انهاء الحرب سمي «الاتفاق الثلاثي» لانه جمع ثلاثة اطراف حزبية هي «القوات اللبنانية» وحركة «امل» التي كان يرأسها ولا يزال رئيس مجلس النواب الحالي نبيه بري، والحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط.

غير ان هذا الاتفاق، الذي عارضه بقوة رئيس الجمهورية آنذاك امين الجميل وجعجع، ووجه بانتفاضة دبرها الاخيران ضد حبيقة وتمكنا فيها من الحاق هزيمة عسكرية به ومحاصرته في مقر قيادته في ما كان يسمى «المجلس الحربي الكتائبي» في محلة الكرنتينا في الشطر الشرقي من بيروت. ولكنه اخرج من المنطقة نهائياً آنذاك بمبادرة من قائد الجيش اللبناني السابق العماد ميشال عون الذي ارسل طوافة عسكرية نقلت حبيقة ومن معه الى باحة وزارة الدفاع اللبنانية في بلدة اليرزة (شرق بيروت).

لكن خروج حبيقة من شرق بيروت لم يبدل من خياراته، فتعززت علاقته بسورية وبالاحزاب اليسارية. واستمر في قيادة شريحة من ميليشيا «القوات» ويتبادل المناوشات مع «قوات» جعجع الذي دبر له محاولة اغتيال بانفجار في قصر مطرانية زحلة المارونية ولكنه نجا منها. ولا تزال آثار هذه المحاولة على وجه نائب مجلس النواب الحالي ايلي الفرزلي الذي كان حاضراً الاجتماع الذي كان منعقداً في المطرانية يومذاك.

وبعدما استجمع حبيقة قواه خارج بيروت الشرقية وما بقي له داخلها حاول اختراق هذه المنطقة عسكرياً للعودة اليها من منطقة الاشرفية. ولكن الجيش اللبناني بقيادة عون تصدى لهذه المحاولة واحبطها بعدما نجحت في ساعاتها الاولى.

وعندما ادرك حبيقة ان العودة العسكرية الى بيروت الشرقية عصية عليه راح ينمي قدرات حزبه الذي سماه لاحقاً «حزب الوعد» وتمكن من اجتذاب محازبين وانصار له من كل الطوائف بعدما افتتح مكتباً له في مدينة زحلة، عاصمة البقاع اللبناني، والواقعة في منطقة نفوذ عسكري سوري مباشر منذ دخول القوات السورية الى لبنان عام 1976 وفكها الحصار الذي كانت تضربه الاحزاب اليسارية اللبنانية والفصائل الفلسطينية على هذه المدينة.

وعندما شن العماد عون ما سماه «حرب التحرير» ضد القوات السورية العاملة في لبنان عام 1989 بالتحالف مع «قوات» جعجع، وقف حبيقة الى جانب دمشق والاحزاب اللبنانية الحليفة لها. وبعدما اخفق عون في هذه الحرب، شن ما سمته «قوات» جعجع «حرب الالغاء» ضدها. وتمكن من الحاق هزيمة بها على رغم الخراب والدمار والخسائر البشرية الكبيرة التي خلفتها هذه الحرب، فحاصر عون «قوات» جعجع في محلة الاشرفية بعدما تمكن من فصلها عن بقية المناطق الشرقية المسيحية واندحار جعجع الى منطقتي كسروان وجبيل.

وقد اندلعت «حرب الالغاء» بين عون وجعجع نتيجة اختلافهما على «اتفاق الطائف» الذي اسفرت عنه اجتماعات النواب اللبنانيين في مدينة الطائف السعودية، ففيما عارض عون هذا الاتفاق ومنع النواب المسيحيين الذين شاركوا في وضعه من العودة الى بيروت الشرقية، ايد جعجع هذا الاتفاق فحصل الصدام العسكري بين الطرفين الى ان انتهى باقتحام السلطة اللبنانية، التي تشكلت بموجب «اتفاق الطائف» برئاسة الرئيس الياس الهراوي في 13 اكتوبر (تشرين الاول) 1990، المنطقة التي تحصن فيها عون الذي كان قد تولى رئاسة حكومة عسكرية انتقالية في سبتمبر (ايلول) 1988 بمرسوم اصدره الرئيس السابق امين الجميل لدى انتهاء ولايته الرئاسية وتعذر انتخاب رئيس يخلفه، وبعد احباط عون وجعجع جلسة الانتخاب التي كانت عقدت في 18 اغسطس (آب) من العام نفسه لانتخاب الرئيس الراحل سليمان فرنجية الذي كان المرشح الوحيد للرئاسة آنذاك وكان لا يزال حياً يرزق.

على ان عون، الذي انقذ حياة حبيقة عندما اخرجه من «المجلس الحربي» وخلصه من براثن جعجع، ذهل عندما حضر حبيقة الى قصر الرئاسة الذي حوصر فيه بعد اقتحام الجيشين اللبناني والسوري المنطقة التي كان يسيطر عليها، لينقل الى مقر السفارة الفرنسية التي اقام فيها لاجئاً سياسياً على «ارض فرنسية» لأقل من سنة ينقل منها الى باريس التي لا يزال يقيم فيها حتى الآن. وبذلك رد حبيقة «الجميل» لعون.

وبعدما بسطت الدولة اللبنانية سلطتها على المناطق الشرقية من بيروت ظل حبيقة حذراً في التنقل فيها. ولكنه رويداً رويداً عاد واستقر فيها وتحديداً في محلة الحازمية حيث اغتيل امس. وقد دخل السلطة شريكاً فيها، فعين عام 1990 وزير دولة في حكومة الرئيس عمر كرامي. وفي 25 مايو (ايار) 1991 عين نائباً عن دائرة بيروت الاولى وذلك عندما تم تعيين نواب في البرلمان بدلاً من النواب الذي توفوا خلال سنوات الحرب التي كانت تحول دون انتخاب مجلس نيابي جديد. وفي 12 اكتوبر (تشرين الاول) من العام نفسه اسندت اليه حقيبة شؤون المهجرين. واعيد تعيينه لهذه الحقيبة في حكومة الرئيس رشيد الصلح في مارس (آذار) 1992، ثم عين وزيراً للموارد المائية والكهربائية في حكومة الرئيس رفيق الحريري الاولى التي شكلت خريف عام 1992، وذلك بعدما فاز في الانتخابات النيابية التي جرت للمرة الاولى في لبنان منذ عام 1972، وذلك عن المقعد الماروني في منطقة بعبدا. واعيد تعيينه وزيراً للشؤون الاجتماعية والمعاقين في حكومة الحريري الثانية عام 1993. واعيد انتخابه نائبا عن دائرة بعبدا في انتخابات عام 1996. وترشح في انتخابات عام 2000 لكنه لم يوفق.

وعرف حبيقة خلال الحرب بلقب «H.K» (نسبة الى سلاح رشاش الماني اسمه «هوكلر اند كوخ) كان يستعمله ويحمله دائماً. وطرح اسمه في الآونة الاخيرة لترؤس «القوات اللبنانية» في حال حصولها على ترخيص باعتبار ان حزب «القوات اللبنانية» الذي كان يرأسه جعجع حلّ بقرار اتخذه مجلس الوزراء اللبناني عقب حصول انفجار كنيسة سيدة النجاة في فبراير (شباط) 1994 والذي القي القبض بعده على جعجع في 5 يونيو (حزيران) من العام نفسه، لاتهامه بهذه الجريمة التي برئ منها ولكنه ادين بجريمة اغتيال رئيس حزب «الوطنيين الاحرار» داني شمعون وعائلته عام 1990 وحكم عليه بالاعدام مخففاً الى السجن المؤبد ولا يزال يقضي هذه العقوبة حتى الآن في مقر وزارة الدفاع في محلة اليرزة.

وايلي جوزيف حبيقة من مواليد عام 1965 في بلدة القليعات (قضاء كسروان). متزوج من جينا ناشاتي ولهما ولد وحيد اسمه جوزيف وطفلة توفيت عام 1982 وكانت تسمى سابين.