رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي: تحقيق الأمن الإسرائيلي لا يتم عبر إذلال الفلسطينيين

فرنسوا لونكل لـ«الشرق الأوسط» : لا بصيص أمل في مبادرة أميركية

TT

أبدى رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي فرنسوا لونكل تشاؤمه ازاء قيام مبادرة اميركية قريبة في منطقة الشرق الاوسط او ازاء التزامها دورا محايدا من شأنه تسهيل عودة الحوار بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني.

وقال لونكل في حديث خص به «الشرق الأوسط» انه يستبعد بتاتا ان يكون ارييل شارون رئيس وزراء اسرائيل رجل الانفتاح والحوار. وأبدى لونكل تشاؤمه ازاء قدرة اوروبا على استخدام الاوراق التي في حوزتها للضغط على اسرائيل بسبب انقساماتها التقليدية. وعبّر عن حيرته ازاء المواقف العربية من الوضع الذي يعاني منه الفلسطينيون، معتبرا ان ضغوطا اوروبية وعربية قوية على واشنطن من شأنها حفز الادارة الاميركية على الاضطلاع بدور نشط في الشرق الأوسط. وفي ما يلي الحوار:

* كيف تفسر ردود الفعل الرخوة ازاء قيام اسرائيل بتدمير السلطة الفلسطينية والبنى التحتية التي شيدت في غالبيتها بتمويل اوروبي؟

ـ ما يحصل اعتبره امرا لا يطاق وربما مرده التعود الروتيني على ظاهرة العنف والشعور بعدم القدرة على التأثير في ما يحصل، وهذا برأيي مبعث لليأس. وأود ان اذكر عبارة لروني برومان، الرئيس السابق لمنظمة «أطباء بلا حدود» يقول فيها ان ما يحصل «فبركة لليأس عن طريق تكنولوجيا الاذلال» في وصف منه لسياسة اسرائيل ازاء الفلسطينيين.

بالاضافة الى ذلك، نجحت اسرائيل اعلاميا في استغلال الاعمال الارهابية ووقوع ضحايا لديها لتضع نفسها في موقع الضحية وفي وضع الدفاع المشروع عن النفس. وقد نجحت الحكومة الاسرائيلية في جعل المجموعة الدولية عاجزة ومشلولة بحيث أضحى اي انتقاد للسياسة الاسرائيلية غير جائز. ولكن لو اخذنا بالاعتبار الدور الجديد الذي سعت المانيا مثلا لأن تلعبه في الاشهر الاخيرة، متغلبة على عبء الزمن والارث التاريخي فاننا نجد في ذلك بصيص امل. ولا يمكن للأبد التوقف عند عملية ابادة اليهود خلال اوروبا في الحرب العالمية الثانية لترك اسرائيل تنفذ السياسة التي تريد، ولا يجوز اعطاؤها «شيكا على بياض» لتسرح وتمرح على هواها وتقوم بأعمال لا تطاق.

* هل ترى ان ثمة امكانية ولو ضئيلة للحوار مع شارون؟ وما هي الوسائل التي يمكن ان تلجأ اليها اوروبا وفرنسا والمجموعة الدولية لإسماعه صوت العقل؟

ـ لا اعتقد للحظة واحدة ان شارون قادر على القيام بخطوات انفتاحية. وهو رجل الرفض، وانا مقتنع انه لم يهضم فكرة الوصول الى اتفاق سلمي مع الفلسطينيين. وهدفه الاوحد، على ما ارى، هو امن اسرائيل. لكنه يخطئ حينما يعتقد ان هذا الهدف يمكن ان يتحقق عن طريق الامعان في اذلال القادة والشعب الفلسطينيين او في طرد عرفات او استبداله. اعتقد انه في طريق الضلال، وهذه السياسة لن تؤدي الى اية نتيجة ايجابية. ان طبيعة شارون وتاريخه الشخصي وتشاؤمه العميق، كل ذلك سيقوده باستمرار الى انتهاج سياسة سلبية.

* هناك تهديد اسرائيلي واضح بـ«الانتهاء من عرفات». فهل هناك فرصة لانقاذ الرئيس الفلسطيني من ذلك؟

ـ للأسف، ثمة قناعة اليوم انه باستثناء شيمعون بيريس (وزير خارجية اسرائيل) فان غالبية المسؤولين الاسرائيليين يريدون الانتهاء من عرفات سياسيا وليس جسديا. وقد اصبحت هذه المسألة عنصرا في استراتيجيتهم السياسية المبنية على حسابات. فهم يعتقدون ويروجون ان من سيخلق عرفات سيكون اكثر اعتدالا من الزعيم الفلسطيني واكثر استعدادا لضرب الاسلاميين والمتشددين الفلسطينيين، وهو ما يخدم مصالح اسرائيل ويبرر رغبتها في التخلص من عرفات. ولكن في رأيي هذه السياسة غير مضمونة ولا شيء يشير الى انها السيناريو الارجح.

الرهان الاسرائيلي الثاني يقوم على اعتبار ان رحيل عرفات سيؤدي الى وصول رجل اكثر تشددا او حصول فوضى فلسطينية على نطاق واسع. وفي كلتا الحالتين، فان ما سيحدث من شأنه ان يبرر التشدد الاسرائيلي ورفض العودة الى المفاوضات. وأعتقد ان الرهان الاسرائيلي الثاني هو الحقيقي ولكنه يمثل في رأيي سياسة الاسوأ.

* كيف تقيم السياسة الاميركية ازاء هذه المسألة؟ وما هي السبل لجعل واشنطن اكثر حضورا إما لتهدئة الوضع او للبحث عن حل؟

ـ خطاب بوش في الامم المتحدة ثم خطاب كولن باول اثار بعض الآمال. لكن الضغوط التي تعرض لها باول من المجموعات التقليدية وتغلب المعسكر المتشدد الداعم من غير تحفظ لاسرائيل داخل الادارة الاميركية، كل ذلك ضرب التوجهات الاميركية التي عكسها خطابا بوش وباول. لست متفائلا اطلاقا في ما خص الالتزام الاميركي. ولا أرى اي بصيص امل من جهة واشنطن، ولذا اعتقد ان على الاتحاد الاوروبي ان ينظم نفسه ويضاعف جهوده لملء الفراغ المترتب عن غياب واشنطن وأن على اوروبا ان تتحدث بصوت واحد والا تتردد في اطلاق مبادرات للسلام في الشرق الأوسط.

* ما هي العوامل التي من شأنها جعل اميركا تتحرك، علما بأن الاتحاد الاوروبي يقول دوما انه لا يسعى للحلول محل اميركا وانما للعمل الى جانبها؟

ـ ثمة في رأيي عاملان: وجود اوروبا قوية وظهور عالم عربي اكثر انسجاما. وفي حال اتحد هذان العاملان ومارسا ضغوطا على الادارة الاميركية لجذبها باتجاه الانخراط الحقيقي في دور حيادي في الشرق الاوسط، فالمرجح ان تستجيب واشنطن لهذه المطالب.

وهنا اريد ان أتساءل عن ظاهرة لا اجد لها تفسيرا: لماذا التضامن العربي مع الفلسطينيين لفظي وكلامي ونادرا ما يقرن بالافعال؟ ربما نتصور ان عددا من الدول العربية تعاني من صعوبات وهي تريد حفظ خط الرجعة مع واشنطن ولا اريد الخوض في التفاصيل وانما اريد ان اقول ان هناك مشكلة حقيقية في تعامل العالم العربي مع ما يعانيه الفلسطينيون.

واريد ان اقول كلمة عن الدبلوماسية الفرنسية التي اكدت باستمرار التزامها البحث عن حل سلمي وعن سياسة متوازنة. وقد ادانت باستمرار ما تمثله اليوم حكومة شارون، وقد تركز عمل فرنسا في الاشهر الاخيرة على السعي لاقناع شركائها في الاتحاد الاوروبي بأن عليهم ان يضعوا ثقلهم في الشرق الأوسط وان يتحدثوا بصوت واحد. ولكن هذه المهمة ليست سهلة بالنظر الى الميل التقليدي لعدد من الدول الاوروبية الى الحلف الاطلسي وواشنطن واسرائيل. وقد حققنا بعض النتائج وعلى فرنسا ان تكون لها مبادراتها كدولة، وعليها ان تعمل باستمرار على تحقيق وحدة موقف اوروبي في الشرق الاوسط. وهذا ليس سهلا.

* هناك وسائل ضغط في متناول الاتحاد الاوروبي، لجهة اتفاقية الشراكة مع اسرائيل. هل يمكن توقع ان تلجأ اوروبا الى استخدام هذه الوسائل؟

ـ البرلمان الفرنسي آخر برلمان اوروبي صدق على هذه الاتفاقية بسبب الاعتراضات على الظروف المفروضة على الفلسطينيين وانتهاكات حقوق الانسان في الاراضي المحتلة، وباستطاعة اوروبا ان تعلق هذه الاتفاقية اذا ارادت. وعلينا الا ننسى ما قلته سابقا عن الانقسامات داخل الاتحاد الاوروبي وهو ما لا يبشر بامكانية استخدام مثل هذه الاوراق. ولكن اريد ان اسأل: هل هذه الضغوط ستدفع شارون الى تغيير سياسته؟ لا اظن ذلك ابدا.

* هل تعتقد ان اقتراب الاستحقاقات الانتخابية في فرنسا سيشل الدبلوماسية الفرنسية؟

ـ اخاف من ذلك حقيقة واتمنى في الوقت ذاته الا تقود الانتخابات المقبلة الى قيام تعايش جديد (بين اليمين واليسار) لأن هذا التعايش بمثابة كابح للمبادرات الفرنسية. ومع ذلك اعتبر ان فرنسا تحركت بشكل جيد في الشرق الاوسط وبفضل هوبير فيدرين (وزير الخارجية) قامت بمبادرات مفيدة.

* هل تنصح الحكومة الفرنسية بالامتناع عن المشاركة في عمليات عسكرية في الصومال او وضع القواعد العسكرية الفرنسية في جيبوتي تحت تصرف القوات الاميركية؟

ـ شخصيا لا ارى فائدة من مشاركتنا في عملية عسكرية في الصومال. لكن يجب طرح المسألة على البرلمان الفرنسي. واذا كنت اعتقد بضرورة الاستمرار في محاربة الارهاب، فليست العمليات العسكرية دائما هي الحل المناسب. ولا اعتقد ان فرنسا ستدخل في دوامة عمليات القصف لدول يعتقد انها تؤوي شبكات ارهابية. ونحن نريد انواعا اخرى من الاعمال.

أما في ما يخص وضع قواعدنا في تصرف القوات الاميركية، فانني اريد قبل الاجابة ان تتوافر الى كل عناصر الموضوع. ولكن كموقف مبدئي لا أفهم فائدة الانجرار الى هذا النوع من العمليات.