طارق عزيز لم يعط في موسكو إجابة محددة حول قبول العراق عودة مفتشي الأسلحة

روسيا تدعو لاستئناف الحوار بين بغداد والأمم المتحدة لتجاوز المأزق الراهن

TT

بعد مباحثات مضنية استمرت حتى الساعات الاولى من صباح اول من امس مع ايجور ايفانوف وزير الخارجية الروسية، واصل طارق عزيز نائب رئيس الحكومة العراقية لقاءاته في موسكو طوال يوم امس.

وقد ظلت نتائج مباحثاته السياسية تضفي على الموقف العام الكثير من الغموض والمشاعر المتضاربة بسبب عدم وضوح وقطعية اجابات المسؤول العراقي تجاه الاستجابة للشروط الدولية حول عودة المفتشين الدوليين. ففيما كان ايجور ايفانوف واضحا في رده على سؤال «الشرق الأوسط» حول سبل الخروج من المأزق الراهن من خلال تأكيده على انه لا يوجد حل للمسألة العراقية عن طريق القوة لأن اي عمل من هذا القبيل لا بد ان يفضي بكل المنطقة الى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار اكتفى طارق عزيز بمحاولات الابتعاد عن صياغة محددة تقول بقبول العراق. فقد قال ما نصه: «هناك حقائق يجب ان نؤكد عليها، المفتشون الدوليون دخلوا العراق في مايو (ايار) 1991 وهم الذين انسحبوا في 16 ديسمبر (كانون الاول) 1998. انسحابهم لم يكن بقرار من مجلس الامن ولا من الامين العام. قرار اتخذه باتلر بالتنسيق مع اميركا وبريطانيا. انسحبوا نهارا. وبالليل بدأت الصواريخ تضرب العراق. ماذا يعني هذا؟ هل هم موظفون دوليون ام عملاء لاميركا وبريطانيا؟

القرار 687 يقول بتدمير الاسلحة والرقابة على التسليح. وهناك الفقرة 14 تتحدث عن اقامة منطقة شرق اوسط خالية من اسلحة الدمار الشامل. وهناك الفقرة 22 حول رفع الحصار الاقتصادي. هم نفذوا الفقرتين 5 و7 ودمروا وراقبوا ولم يطبقوا الفقرتين 14 و22 ونحن لا نوافق على حل جزئي».

اذن لم يقل عزيز بقبول بلاده بعودة المفتشين صراحة وان ترك الباب مفتوحا امام التأويلات كافة. لكن ما قاله بوضوح لا لبس فيه كان حول ان «بلاده لن تخضع للاستفزازات الاميركية وان بغداد على استعداد لصد اي عدوان وهذا ما نتبعه طوال 11 سنة». ولذا كان من الضروري ان تصدر الخارجية الرسمية امس بيانا تقول فيه ان استئناف الحوار بين بغداد والامم المتحدة سيسمح بتجاوز المأزق الراهن في المسألة العراقية. واشار الجانب الروسي الى تأكيد عزمه على العمل من اجل حل القضية بالسبل السياسية في سياق قرارات مجلس الامن، ما اكده عزيز بالاعراب عن استعداده للجلوس الى مائدة المفاوضات مع كوفي انان الامين العام للامم المتحدة.

وقد استهل عزيز مباحثاته امس في موسكو بلقائه مع جينادي سيليزينوف رئيس مجلس الدوما الذي اكد له ان روسيا تعارض ان يكون العراق الهدف الثاني للحرب على الارهاب بعد افغانستان وتعتبره شريكا استراتيجيا في منطقة الشرق الاوسط.

ومن جانبه اعلن عزيز ان بلاده لم تكن يوما عبئا على روسيا او على الاتحاد السوفياتي، واشار الى «ان العراق ورغم انه دولة اسلامية يؤيد تماما روسيا في ما يتعلق بالقضية الشيشانية» حسب النص الذي اوردته وكالة «تاس». وحول العلاقات الكويتية ـ العراقية قال عزيز انه لا توجد مشاكل بين البلدين.

وقد حفل برنامج زيارة عزيز الى موسكو بعدد من اللقاءات احدها مع سيرجي بيروتوف رئيس مجلس الاتحاد الروسي، وسيرجي شويجو وزير الطوارئ المسؤول عن ملف التعاون الاقتصادي مع العراق، وايجور يوسفوف وزير الطاقة، حيث جرى بحث المسائل المتعلقة بالتعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين بما في ذلك ما يتم في اطار برنامج النفط مقابل الغذاء. وتقول المصادر الروسية ان الشركات الروسية ومنذ اقرار هذا البرنامج وقعت عقودا قيمتها تقرب من اربعة مليارات دولار. واشارت المصادر الى مناقشة عدد من المشروعات تبلغ قيمتها ما يقرب من 30 مليار دولار.

وقد وافق زيارة طارق عزيز لموسكو ما احتدم من جدل داخل مجلس الدوما في محاولة لسحب مشروع القرار الذي تقدمت به كتلة الحزب الليبرالي الديمقراطي المعروف بحزب جيرينوفسكي. غير ان التصويت على سحب المشروع لم يسفر سوى عن رفض 82 لمناقشته ضمن جدول اعمال مجلس الدوما، مما يعني ان المشروع لا يزال مطروحا تحت عنوان «الاجراءات العاجلة بمناسبة احتدام الاوضاع حول العراق». ورغم ما يتضمنه المشروع من انتقادات للخارجية الروسية حول تهاونها في التصدي لما اسماه فلاديمير جيرينوفسكي بالتخاذل والتهاون امام الضغوط الاميركية، فإن مصادر مجلس الدوما تؤكد ان طارق عزيز اثنى كثيرا على ما تقوم به الخارجية الروسية في هذا الصدد.

ولعله من الغريب ان يعود جيرينوفسكي ثانية للاعلان عن انه سيعمل من اجل اطاحة وزير الخارجية الروسية ايجور ايفانوف وهي تهديدات طالما تعالت بحق الكثيرين من امثال يلتسين وبريماكوف وآخرين، مما يعني ان احدا لا يأخذها على محمل الجد. اما عن حقيقة ومدى تأثير المجالس النيابية في مسار وتوجهات السياسة الخارجية الروسية فستظل على مستوى النصيحة والمشورة والرأي. وقد سبق واعترف سيلزينوف رئيس مجلس الدوما صراحة ان السياسة الخارجية وبحكم الدستور الروسي من صميم صلاحيات رئيس الدولة. وتقول المصادر ان عزيز سيعود لاحقا الى موسكو ربما لاجراء جولة اضافية قد تحمل الجديد في الموقف العراقي.