ساندي بيرغر: لا أرى ضربات عسكرية وشيكة للعراق وإيران وكوريا الشمالية

مستشار كلينتون للأمن القومي لـ«الشرق الأوسط»: ليس من المناسب المطالبة بوقف العنف والعمل على تهميشه

TT

قال ساندي بيرغر مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، انه لا يعتقد ان الولايات المتحدة بصدد توجيه ضربات عسكرية وشيكة لكل من إيران وكوريا الشمالية والعراق التي كان الرئيس الأميركي جورج بوش قد وصفها بأنها «محور الشر». وشدد بيرغر في حديث خاص لـ«الشرق الاوسط» على هامش مشاركته في المنتدى الاقتصادي لدول مجلس التعاون الذي نظمته مجموعة داتامكس الاماراتية واختتم أمس، على وجود اختلافات بين الدول الثلاث، مما يستتبع سياسات تعامل مختلفة. واعترف بيرغر بصعوبه ايجاد تحالف دولي لاتخاذ اي خطوات عسكرية تجاه الدول الثلاث، لكنه قال ان الامكانية متوفرة للتوصل الى توافق دولي للضغط على العراق للقبول بلجان التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل، خاصة اذا استطاع مجلس الامن تعديل صيغة العقوبات الحالية المفروضة على العراق. ودعا بيرغر ادارة الرئيس بوش للقيام بدور اعمق من اجل كسر دائرة العنف في الشرق الاوسط واعادة الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي الى مائدة المفاوضات، مشيراً الى ان محاولات تهميش دور الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لن تخدم الجهود المبذولة للخروج من حلقة العنف المفرعة.

* وصف الرئيس بوش في تصريحاته الاخيرة ايران والعراق وكوريا الشمالية بأنها محور الشر.. هل تعتقد ان العالم يمكن ان يقبل توجيه ضربات لهذه الدول في اطار الحملة الحالية على الارهاب؟

ـ آمل الا يكون الرئيس بوش قصد في حديثه عن الدول الثلاث شن حرب عليها، فأنا اعتقد انه كان يعبر في تصريحه عن حالة من القلق ازاء قيام هذه الدول بتطوير اسلحة دمار شامل، وتطوير صواريخ بعيدة المدى، فضلاً عن قيام هذه الدول بمحاولات لبيع ما يتم تطويره من اسلحة وصواريخ الى مجموعات اخرى في العالم، وهو امر مثير للقلق بالفعل ويجب التركيز عليه والانتباه له، لا من قبل الولايات المتحدة فقط، بل من قبل دول اخرى ايضاً. من جانب آخر اعتقد ان هناك نوعاً من التباين في العلاقة مع الدول الثلاث، فخلافات الولايات المتحدة مع ايران وخلافاتها مع كوريا مختلفة عن خلافاتها مع العراق، ولذلك يجب ان تكون هناك مستويات مختلفة في التعامل مع الدول الثلاث. وكما تعلم حاولنا خلال عهد الرئيس كلينتون معالجة خلافاتنا مع ايران، لا من خلال ممارسة الضغوط فقط، بل من خلال بعض الاتصالات. كذلك كان الامر بالنسبة لكوريا الشمالية، فبرغم خلافاتنا معها فإن اتصالاتنا معها اثمرت بعض الاتفاقات والتعهدات ازاء برامج كوريا الشمالية في مجال الطاقة النووية وفي مجال الصواريخ. اما فيما يتعلق بالعراق، فان الوضع مع صدام حسين وضع مختلف في ضوء استمراره بعدم الانصياع للقرارات الدولية وعدم قبوله لجان التفتيش.

* إذن العراق هو الدولة الوحيدة التي لا يزال الضغط العسكري هو الوسيلة التي يمكن لواشنطن ان تختارها في التعامل معه؟

ـ العراق طوّر منذ 15 عاماً قدرات عسكرية من اجل غزو جيرانه، وطور قدرات ومعدات عسكرية واسلحة دمار شامل استخدمها ضد شعبه. وصدام حسين لا يزال ينتهج سياسات مزاجية، والاموال التي يفترض انها متاحة لاطعام الشعب العراقي يجري تحويلها لتمويل هذه السياسات. هذا الوضع لا يعني بالنسبة لي ان نقوم بمهاجمة العراق غداً، ففي عام 1991 كان لدينا تحالف دولي استطعنا من خلاله القيام بعمل منسق وفعّال، وانا اعتقد اننا نحتاج ايضاً لمثل هذا التحالف، اذا اردنا ان لا يظل العراق مصدر ازعاج في المنطقة.

* هل هناك امكانية الآن لبناء مثل هذا التحالف في ضوء ما هو معلن من مواقف في المنطقة والعالم؟

ـ الذي نريده من العراق هو منع صدام حسين من بناء قدراته النووية والبيولوجية والكيماوية، وان يسمح للمفتشين الدوليين بالعودة الى العراق للتحقق من ذلك. ولانجاز هذه المهمة، فإن الخطوة الاولى التي نحتاج ان نعمل عليها مع الدول الاخرى هي ممارسة ضغوط على صدام حسين لاعطاء فرصة للمفتشين الدوليين للعودة للتأكد ما اذا كان لا يزال مستمراً في تطوير اسلحة الدمار الشامل ام لا. وممارسة هذه الضغوط تكون اقوى واكثر فعالية اذا عملت واشنطن في تناغم وانسجام مع اصدقائها في المنطقة والعالم لا ان تقوم بهذه الضغوط بشكل منفرد ودون وجود تأييد من اولئك الاصدقاء.

* لكن ادارة كلينتون مارست ضغوطاً عسكرية وسياسية على العراق ولم تنجح في اجبار الحكومة العراقية على قبول عودة المفتشين الدوليين؟

ـ مرة اخرى هناك فرق بين ان نعمل من تلقاء انفسنا او ان نعمل باتفاق مع الآخرين. ما هو مطروح الآن كما صرح بذلك وزير الخارجية الاميركي (كولن) باول عند بدء ولاية الرئيس بوش هو تعديل نظام العقوبات المفروضة على العراق، بحيث يجري تركيز هذه العقوبات على السلع ذات الاستخدام العسكري ومن دون ان يشمل ذلك السلع الخاصة بالاستخدام المدني والضرورية لحياة الناس في العراق. فإذا استطعنا توفير دعم دولي كاف لتحقيق التفاف حول هذه الصيغة المعدلة، فان دولاً كثيرة ستكون اقل تعاطفاً مع صدام حسين الذي يسعى للابقاء على سيطرته على الاموال وتحويلها لتطوير سياساته وبرامجه التسليحية، فالعالم يريد في النهاية التأكد من ان برنامج العقوبات لا يلحق الاذى بالشعب العراقي، فإذا تحقق ذلك من خلال الصيغة الجديدة للعقوبات فعندها يمكن بناء التحالف المنشود.

* هناك بعض الاعتراضات في المنطقة على اقحام العراق في الحملة الاميركية ضد الارهاب ووضعها ضمن برنامج الادارة الاميركية لمكافحة الارهاب، هل تؤخذ هذه الاعتراضات في الاعتبار؟

ـ حتى هذه اللحظة لم يتم اتخاذ اي خطوة عملية، وما قاله الرئيس بوش نوع من الانذار والتحذير، وهذا لا يعني المباشرة في العمل والتنفيذ الذي اعتقد انه يتطلب الاصغاء الى آراء الحلفاء والاصدقاء والحصول على دعمهم.

* لننتقل الى النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، هل تعتقد بوجود تغيير في السياسة الاميركية تجاه هذا النزاع بشكل عام وتجاه الرئيس عرفات بشكل خاص؟

ـ اعتقد ان هناك حالة من الاحباط لدى الادارة الاميركية ازاء ما يحدث من عنف وازاء التدهور الخطير الذي وصلت له الامور بين الجانبين. تعلم اننا في عهد الادارة السابقة عملنا بكثير من الجهد والصبر من اجل جمع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي على مائدة المفاوضات، وكانت لدينا قناعه ما زلت اؤمن بها، وهي انه لا سبيل لوضع حد للمشاعر العدائية القائمة بين الجانبين، الا من خلال المفاوضات وانه لا حل عسكرياً لا للاسرائيليين ولا للفلسطينيين. وأنا آمل ان تكون ادارة الرئيس بوش قد وصلت الى هذه القناعة، وآمل ان تقوم بدور اعمق من اجل كسر دائرة العنف الحالية لاعادة الطرفين للمفاوضات، فما يحدث دائرة من العنف المميت تراق فيه دماء الاطفال الفلسطينيين والاسرائيليين على حد سواء. علينا ان نتوقف ونقول لدينا ما يكفي من الضحايا وعلينا العودة للمفاوضات.

* لكن هناك محاولات لاقصاء الرئيس عرفات.. هل تعتقد ان المفاوضات ممكنة بدون عرفات؟

ـ تعلم اننا في كامب ديفيد عملنا طويلاً من اجل ان يقبل الرئيس عرفات بعض المقترحات التي عرضناها عليه، لكن عدم قبوله لتلك المقترحات لا يعني اتخاذ ردة فعل تدعو الى تهميشه وتقليص دوره، فهذا لن يسهل الامور بل يزيدها سوءاً وتعقيداً. الرئيس عرفات لا يزال يمثل الفلسطينيين ومن المهم ان يعمل من اجل ايقاف دائرة العنف التي تسبب ردود فعل اسرائيلية مماثلة. ولا اعتقد ان من المناسب مطالبة عرفات بايقاف دائرة العنف وان تقترن هذه المطالبة بعمل لاقصائه او تهميشه، لان هذا لن يفيد الجهود المبذولة في هذا الاتجاه ولن يساعد على وقف اطلاق النار والعودة لمائدة المفاوضات التي هي السبيل الوحيد لانهاء النزاع حتى لا يكون هناك جيل فلسطيني واسرائيلي جديد ضحية لجولات اخرى من العنف.

* لقد عرفت (رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل) شارون خلال وجودك في البيت الابيض، هل تعتقد انه شخصية يمكن ان تصل مع الفلسطينيين لاتفاق؟

ـ رأيي في شارون او عرفات ليس مهماً، فهما على رأس طرفي الصراع وهما شخصيتان مختلفتان ويجب ان نتعامل معهما على هذا الاساس، وان نبذل جهوداً لايجاد طريقة تجعلهما يقبلان الخيارات الضرورية والممكنة لانهاء العنف.