معتقلو «القاعدة» في غوانتانامو مندهشون من رعاية الأميركيين الطبية.. وبعضهم بدأ يتحدث للحراس

أحدهم تصور قبل تخديره لعملية جراحية أنه سيقتل وشعر بصدمة عندما أفاق * يعالج اثنان من امراض نفسية وصدمة ما بعد الحرب

TT

كان مقاتل «القاعدة» الذي اصابته رصاصة حطمت ساعده، واثقا ان الجراحين الاميركيين التابعين لسلاح البحرية، والذين سيجرون له العملية، ينفذون تكليفا باغتياله اثناء غفوة التخدير. ولذلك، وعندما افاق من التخدير، لم يستطع اخفاء الصدمة التي احس بها لكونه ما يزال حيا.

قال الضابط البحرى روبرت ميتس الذي اجرى العملية التي استمرت عدة ساعات:

لقد «عبر عن دهشته لكونه وجد نفسه معنا. انهم جميعا مندهشون من اننا نمدهم بافضل عناية طبية حصلوا عليها في كل حياتهم. انها لا تنسجم مع توقعاتهم وارائهم المسبقة»، وذلك لاقتناعهم ان القوات المسلحة الاميركية متواطئة مع الادارة في قتل المسلمين.

كان ميتس واحدا من عشرات المسؤولين الطبيين العسكريين الذين كلفوا يوم الاحد باجراء مقابلات مع 20 صحافيا في اليوم الثاني من زيارتهم الجيدة التحضير والتي قصدت بها الادارة الاميركية ان توضح للعالم انها تعامل المعتقلين معاملة انسانية كريمة.

اخذ الصحافيون في جولة حول مستشفى ميداني مجهز باكثر المعدات الطبية تطورا ومخصص كليا لمعالجة 158 من سجناء «القاعدة» وطالبان المحتجزين بهذه القاعدة البحرية الاميركية. وكان من بين اعضاء الوفد صحافيون من فرنسا والمانيا والنرويج واسبانيا، أي من كل الدول التي وجهت وسائل اعلامها، واليساريون من سياسييها، للولايات المتحدة اتهامات بالممارسات الوحشية في القاعدة المسماة «اكس راي».

كشفت الجولة عن مؤسسة طبية تحتوي على عدد كبير من الاجهزة الطبية المتطورة، وعن كوادر عالية التدريب، اضافة الى جنود مسلحين يقفون على رأس كل سرير حتى لا تحدث احد المعتقلين نفسه بانه يمكن ان يفلت من الاسر.

طاف الصحافيون في مجموعات صغيرة على غرفة من غرف المستشفى يرقد فيها 7 من المقاتلين الافغان في بذاتهم الصفراء. كل هؤلاء كانوا يعالجون من جروح خطيرة من اصابات حدثت لهم في ميدان الحرب بافغانستان. جميعهم كانوا مضطجعين مغلولين الى اسرتهم. وكثيرون منهم كانوا يتحدثون الى اطبائهم ومترجميهم وموظفي الصليب الاحمر الذين يراقبون الاوضاع. بعضهم الاخر كان ينظر الى السقف.

تساءلت احدى الممرضات وهي تتحسس بلطف اصابع قدم احد المعتقلين الشبان المطلة من قدم ملفوفة بالضمادات: «هل تشعر بالالم؟» اجاب الشاب: «لا».

احد المقاتلين يؤذن خمس مرات في اليوم، من سريره، فيشارك الاخرون في الصلاة. وهناك نسخة من المصحف الشريف بجانب كل سرير.

وقد اجرى الاطباء حتى الان 18 عملية جراحية على ستة اشخاص ويعالجون اثنين من الملاريا. كما يعالج اثنان اخران من امراض نفسية منها الاكتئاب وصدمة ما بعد الحرب. ويقوم المرضى باستمرار بتوقيع بطاقات الموافقة على مختلف العمليات ومناقشة امراضهم مع الاطباء من خلال المترجمين.

قال الكابتن البحري تيد الفرود، طبيب الامراض الباطنية الذي يشارك في ادارة المستشفى: «اننا نحاول بقدر ما نستطيع ان نشرح لهم ما نقدم عليه لنبدد أي قدر من الشكوك، ونحول بينهم وبين القفز الى استنتاجات غير صحيحة. انهم يتميزون بالهدوء والطاعة».

الاستثناء الوحيد كان عندما اهتاج احد المقاتلين، لانه خشي ان تكون الحقنة الوريدية التي اعطيت له مشتملة على «سائل كشف الحقيقة». وقال المسؤولون انه لا تجرى اية تحقيقات اثناء العلاج، كما انهم لا يستخدمون سائل كشف الحقيقة مطلقا.

هذا المستشفى الخيمة، الذي شيد في ظرف اربعة ايام، يكتظ بعشرات الاسرة واجهزة اشعة اكس ومعمل متقدم لتحليل الدم وغير ذلك. وقد صدرت التعليمات لموظفي المستشفى الـ 150 بتقديم نفس مستوى الخدمة الذي يقدمونه للبحارة الاميركيين وجنود المارينز. وقال المسؤولون انه اذا نشأت الحاجة لبعض الاخصائيين الذين لا يوجدون بالمستشفى فانهم سيحضرون من مواقع اخرى بالطائرات.

من جانب اخر، فان تغييرات طفيفة بدأت تظهر على المعتقلين انفسهم. قال الضابط ميتشل جيفرز، من الشرطة الحربية من فورت هود، ولاية تكساس: «كثيرون منهم يرددون: شكرا، شكرا، كل الوقت. كثيرون منهم يبدو عليهم الفرح لانهم معنا هنا وليس في ساحة حرب في افغانستان».

ممنوع قطعيا على رجال الشرطة الحربية من امثال جيفرز ان يبادلوا المعتقلين الحديث. ولكن اغلب المشرفين على المعسكر يبدون دهشتهم للسرعة التي تبددت بها توترات الايام الاولى وضغوطها. وهذا يعني ان الكثيرين من المعتقلين اصبحوا يتحدثون بحرية مع المحققين.

بدا هذا قبل حوالي الاسبوع عندما قرر الضباط في قاعدة «اكس راي»، مكافأة المعتقلين على حسن سلوكهم بالسماح لهم بتبادل الحديث مع زملائهم الاخرين ومع حراسهم.

قال احد الضباط «بدا الامر شبيها بحدائق بابل». وهو يشير الى العدد الكبير من اللغات التي يتحدثها المعتقلون الـ158 من 28 دولة.

ويقول جيفرز انه واع تماما بان بعض المعتقلين الذين يحاولون التقرب اليه لديهم اجندة خاصة. ولكن الشباب منهم بدأوا يشعرون بالرغبة في بعض الانفتاح تجاه حراسهم.

قال احد الضباط: «بعض الصغار من المعتقلين اصبحوا اقل توترا في التحقيقات معهم، وصاروا يشعرون ببعض الانتماء الى المترجمين الذين يتحدثون لغاتهم ويبدو انهم اكتشفوا اننا معشر الاميركيين لسنا بالبشاعة التي يتصوروننا بها».

وقال الجنرال مايكل ليرنيت، من البحرية «ما داموا يقدمون لنا معلومات جديدة فاننا سنواصل طرح الاسئلة».

وسخر الجنرال من الادعاء القائل ان رجاله يسيئون معاملة المعتقلين من اجل الحصول على المعلومات «ليس هناك تعذيب، ليست هناك سياط، لا اضواء كاشفة، لا مخدرات. نحن أمة تحترم القانون».

وقال ليرنت وهو يمسك بيده ملفا يحوي قوانين الاعتقال التي تنص عليها معاهدة جنيف: «نحن نتصرف وفق مقتضيات هذه القوانين ما وسعنا ذلك، وما دام ذلك ممكنا. وهذا عمل ما يزال يتطور مع الايام».

وقال انه لا يعرف متى يمكن ان يسلم أي من المعتقلين لان ذلك القرار تتخذه واشنطن وحدها.

وقالت كارين كار، المتخصصة في شؤون كمبيوتر المكتبات، والتي تحتفظ بالقائمة الاصلية لاسماء المعتقلين في الكومبيوتر، ان اغلبهم اعطى اسماء كاذبة للمحققين في افغانستان، ولكنهم عادوا واعترفوا بذلك فيما بعد. وفي مرات عديدة تقوم هي وزملاؤها بضبطهم وهم يحاولون ارسال الرسائل الى ذويهم. وهنا تظهر مفارقات الاسماء الكاذبة والصحيحة. وقد لاحظت هي ايضا ان كثيرا من العداوة والمخاوف قد تبددت.

ويتساءل بعض الجنود الاميركيين عما اذا كان من المحتمل ان يتضح ان بعض المعتقلين ليسوا على تلك الدرجة من العنف والتعصب. وكان بعض العاملين بالمعسكر قد ذكروا ان ديفيد هيكس، الاسترالي الذي كان يعمل صيادا للكنغارو، وقبض عليه مع طالبان، كان يطلق تهديدات مستمرة للحراس ويقول لهم انه سيقتل اميركيا قبل مغادرته كوبا. ويلاحظ الحراس ان غضبه خف كثيرا.

«لم نعد مضطرين لتهدئته حاليا. انه يعرف انه اخطأ، يعرف انه دخل في تعقيدات لا حد لها».

وقال الضباط الاستراليون ان هيكس كان متعاونا عندما حققوا معه على متن سفينة اميركية كانت راسية في بحر العرب قبل عدة اسابيع.

وقال جيفرز: «يفعل المعتقلون ما يؤمرون به. نعم هم ارهابيون ومجرمون، ولكنهم اعتادوا علينا بمرور الايام. واعتقد ان بعضهم ليس بالسوء الذي يظنه البعض. بعضهم يعبر لنا بوضوح انهم يفضلون الاوضاع هنا. ونحن نحب ان نروي روايتنا ايضا: اننا لا نسيء معاملة هؤلاء الناس».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»