المنتدى الاقتصادي العالمي ينهي أعماله في نيويورك بدون تأييد قوي للسياسة الأميركية

TT

جاؤوا ليقولوا «نحب نحب أميركا»، لكن الأمر انتهى بهم وهم يقولون «نحن لا نحب الكثير مما تفعله أميركا». هذه هي الرسالة التي سيتركها المنتدى الاقتصادي العالمي لهذا العام، والذي انعقد لخمسة ايام في نيويورك، مع مغادرة 2700 مشارك للمدينة وعودتهم الى بلدانهم.

قالت هيلاري كلينتون وهي الان عضو في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك: «علينا مواجهة حقيقة ان العديد من الناس، وهم في الواقع كثيرون، يعتقدون اننا انانيون ومتكبرون. واذا اردنا الرد عليهم فلا يجب ان نعبس ونلوم الآخرين. بل ان نستمع ونستفيد ونوضح الأمر».

لقد تركز نقد السياسة الاميركية في ثلاث قضايا رئيسية. الاولى، وقد ترددت بشكل اكبر، تتعلق بزعم ان الولايات المتحدة لا تطبق الكثير مما تدعو اليه. وقد تحدث رئيس بيرو اليهاندرو توليدو عن هذه النقطة قائلاً: تطالب الولايات المتحدة آخرين بعمل اشياء لا تستطيع هي نفسها القيام بها، فعلى سبيل المثال، لقد قيل لنا ان لا ندعم زراعتنا، لكن اكبر دعم يحصل عليه المزارعون يتم في الولايات المتحدة نفسها». ويضيف توليدو: تحاول الولايات المتحدة ان تنفذ من الكساد الذي تعاني منه بل انها تتعامل مع عجز الموازنة العامة. لكن عندما نحاول القيام بنفس الشيء في اميركا الجنوبية يتهموننا بعدم تحمل المسؤولية المالية وبالتهاون النقدي. انظروا الى ما يحدث في الارجنتين. فعلوا ما طلبت منهم الولايات المتحدة القيام به لا ما قامت به الولايات المتحدة نفسها». وبنفس الوتيرة من الانتقاد تحدث الرئيس السنغالي عبدولاي وادي ونظيره الجنوب افريقي ثابو مبيكي. بعض الحلفاء مثل كندا والاتحاد الاوروبي انتقدوا الولايات أيضاً وزعموا ان ادارة الرئيس بوش اعتادت مؤخراً على اتخاذ القرارات بمفردها ثم مطالبة الآخرين باتباعها أو بالبقاء بعيداً.

اما محور الانتقاد الثاني فمتعلق بالقضية الفلسطينية. فقد توفر ما يقرب من الاجماع على ان ادارة بوش لم تقم بالمطلوب لوضع حد لما اسماه العديد من المتحدثين «اتجاه منطقة الشرق الأوسط نحو النزاع والغموض».

وقد طرحت هذه المسألة بقوة من قبل امين عام الجامعة العربية عمرو موسى الذي عكس الاحباط المتزايد الذي تشعر به الدول العربية نتيجة لما تعتبره «تأييد واشنطن الاعمى لاسرائيل».

حتى عاهل الاردن الملك عبد الله الذي يعتبره البعض «الزعيم العربي النموذجي» وفقاً لوجهة النظر الأميركية، لم يتمكن من اخفاء مخاوفه المتعلقة بما وصفه «وضع خطير للغاية».

لقد اثيرت القضية الفلسطينية خلال بعض المداخلات والمناقشات المحدودة باعتبارها نموذجاً لفشل اميركا في فهم العالم الاسلامي. وقد اعرب العديد من المشاركين عن شكواهم المريرة مما وصفوه بـ«التصوير المشوه» للعرب والمسلمين عموماً من قبل اولئك الذين يصنعون الثقافة العامة في اميركا.

القضية الثالثة التي دار حولها نقد السياسة الاميركية، وقد تكون الاكثر اهمية، اثيرت من قبل ما يمكن ان يطلق عليه المرء «اليسار شبه التقليدي». فالعديد من الزعماء الاوروبيين، ومن بينهم وزير المالية الفرنسي السابق دومينيك ستراوس كانوا يزعمون ان الاتجاه نحو المزيد من التحرير الاقتصادي يخلق انقساماً عميقاً بين العالم المتقدم والدول النامية. وانتقد العديد من الخبراء الاقتصاديين ايضاً ما وصفوه «الارتباط العقائدي باسبقية القطاع الخاص».

واثار البعض قضية شركة «انرون»، التي اعتبرت ذات يوم سابع اكبر شركة اميركية، والتي اعلنت افلاسها المفاجئ خلال شهر ديسمبر (كانون الاول) الماضي، الامر الذي ادى الى الحاق الاذى بعشرات الالاف من صغار حملة اسهم الشركة.

يقول وزير المالية الفرنسي لوران فابيوس «عندما تصبح الرأسمالية عنيفة تكون لدينا ظاهرة انرون، اذ لا توجد ضمانات بان القطاع الخاص هو بالضرورة الافضل او انه اكثر دقة من القطاع العام».

لم يقتصر انتقاد السياسات الاميركية على الجلسات العديدة لهذا المنتدى الهائل، بل انه تمثل ايضا في سلسلة من التظاهرات المتنوعة، التي بدت معظمها طفولية، حول فندق والدورف ـ استوريا الذي انعقدت فيه اعمال المنتدى.

بعد التحدث مع المتظاهرين واخذ الشعارات التي رفعوها في عين الاعتبار يمكن للمرء رؤية ان معظم السياسات التي تتبناها الولايات المتحدة تقريبا ـ ابتداء من تأييد اسرائيل الى رفض اتفاقات كيوتو المتعلقة بالبيئة ـ تتعرض للنقد من بعض فئات المجتمع الاميركي بحد ذاته.

لم تكن المظاهرات هائلة ـ وبالتأكيد انه لم يشارك فيها اكثر من 5 الاف كما لاحظنا. لكنها مثلت تحالفا واسعاً ومدهشاً. فانصار تروتسكي كانوا يعربون عن ارائهم الى جانب جماعات يقولون انها تريد انقاذ الرأسمالية من تجاوزها لحدودها.

وبشكل متناقض، بدا ان معظم أشد منتقدي الولايات المتحدة غير قادرين على التخلي عن فكرة انه لا يمكن عمل اي شيء هام في عالم اليوم بدون زعامة او مشاركة اميركية. حيث يقول عاهل الاردن الملك عبد الله: «شئنا أم ابينا، تعتمد كل فرص السلام في منطقتنا على رغبة واشنطن في القيام بالدور الرئيسي». وكرر رئيس وزراء كندا جان كريتين نفس الطرح فيما يتعلق بقضايا اخرى. حيث يقول: «تتولى الولايات المتحدة زمام المبادرة في توجيه الاقتصاد العالمي نحو طريق النمو.. وما لم يحدث تحول في الولايات المتحدة فانه قد يصعب على بقية دول العالم تجنب الكساد».

وحقيقة ان اعمال المنتدى لم تنته بعرض تأييد قوي للولايات المتحدة لم تكن المفاجأة الوحيدة. حيث توقع العديد من المراقبين ان ينهي المنتدى اعماله بابداء ملاحظة متعلقة بتحسن اداء الاقتصاد العالمي. لكن ذلك ايضا لم يتحقق. وبدلاً منه اشار معظم المشاركين، ابتداء بوزير الخزانة الاميركي بول اونيل الى عملاق مايكروسوفت بيل غيتس، بوضوح الى انهم لا يتوقعون اي انتعاش اقتصادي قبل عام 2003.

وقد تكون اكثر الملاحظات تفاؤلا هي تلك التي طرحها امين عام منظمة اوبك علي رودريجيز، الذي توقع بداية حدوث تحسن نسبي في الاقتصاد العالمي مع نهاية العام الحالي.

وهكذا انهى المنتدى، الذي احتفل لتوه بذكراه الـ 31، اعماله في نيويورك، وأمامه مستقبل غير واضح. حيث سيعقد اعمال دورته التالية في منتجع دافوس السويسري، المكان الذي تأسس فيه. وقد اتخذ قرار العودة الى دافوس بعد محاولات فاشلة لعقد الدورة في المغرب خلال عام 2003. منظمو المنتدى كانوا يريدون الذهاب الى المغرب الى حد ما من اجل احداث تعديل في ما يطرحه البعض بانه ملتقى الدول الغنية. ومن اجل منافسة التجمع الضخم الذي يتم في مدينة بورتو اليغري بالبرازيل. هذا التجمع الذي يعرف بانه «دافوس الفقراء» جرى تأسيسه بوضوح لتقسيم العالم الى من يملكون ومن لا يملكون. وهذا هو سبب تواصل سعي المنتدى للعثور على مكان لانعقاده في العالم النامي.

ومن بين الافكار التي طرحت ان يعقد المنتدى اعماله تارة في دافوس وتارة اخرى في مراكش.