كابل ما بعد العمامة (8) ـ يونس قانوني لـ«الشرق الأوسط»: بن لادن يتحرك على الحدود والتقديرات حول عناصر «القاعدة» أنهم 12 ألفا

وزير الداخلية الأفغاني: الملا عمر قطرة في بحر كبير من محيط قبائل يتجاوز مليوني شخص ولا أحد يعرف له شكلا

TT

لم يكن من بين اهدافي ان التقي وزير الداخلية في حكومة كابل، لكني وجدت اصابع كثيرة تشير إليه، وترشحه لكي يصبح أحد عناوين المستقبل، اذا استقر النظام الجديد، حتى قال لي احد المثقفين المخضرمين الافغان ان «قانوني» اكثر من كونه مجرد وزير، واستعرض أمامي تاريخه منذ تخرج في كلية الشريعة في كابل، واصبح احد المقربين من القائد احمد شاه مسعود، وكان انتماء الاثنين الى منطقة «بنشير» في الشمال من العوامل التي ساعدت على ذلك التقارب، التي يضاف اليها ان مسعود اكتشف في قانوني مواهب وقدرات اثارت انتباهه، فعينه مسؤولا عن الأمن في المناطق الذي كان يسيطر عليها في الشمال، وفي موقعه ذاك اكتسب خبرته في المجال الأمني، وأهم من ذلك انه فتح خطوط اتصال مع مختلف الأجهزة الأمنية في دول المنطقة المعنية بالشأن الافغاني، وهناك من يقول بأن اتصالاته تجاوزت تلك الحدود، على نحو أوصله الى بعض الأجهزة الأمنية في الدول الكبرى.

قال محدثي ان قانوني الطاجيكي تزوج من بشتونية، الأمر الذي جعله موضع قبول في أوساط أكبر مجموعتين عرقيتين في البلاد، حتى ان هناك من اعتبر زواجه من البشتون لا يخلو من بعد سياسي، وان ذلك يدخل ضمن تهيئته للقيام بدور أكبر في المستقبل، ثم أضاف ان تلك الخلفية المتعددة كانت من مسوغات اختياره رئيسا لوفد الجبهة الشمالية المتحدة الى مؤتمر بون، الذي تم فيه تشكيل الحكومة المؤقتة، وعند هذه النقطة مال برأسه نحوي وهمس قائلا، ان كل شيء كان مرتبا مع الرجل (يقصد قانوني)، وان ممثلي الأمم المتحدة اذا كانوا قد ابلغوا شيوخ الجهاد (رباني وسياف) بأنهم لن يقرروا شيئا في بون، وان المسألة هناك لن تتجاوز مجرد التشاور وايجاد الارضية المشتركة، فان الوحيد الذي كان يدرك الحقيقة واشترك في «طبخ» القرارات وفي التمويه على الشيوخ، لم يكن سوى قانوني.

* ليس آخر كلام!

* حين ذهبت للقائه قررت ان يكون مدخلي الى الحوار معه سؤالاً عن مكان وجود بن لادن والملا عمر، وحين القيت عليه السؤال، أطرق لحظة، وأخرج مسبحة صغيرة الحبات من جيبه، ثم قال بعربية فصيحة وبهدوء شديد:

ـ هذا أحد أصعب الأسئلة، لانه لا احد يعرف لهما عنوانا، ثم ان البحث عنهما يمضي بعيدا عنا (في وزارة الداخلية) ومعلوماتنا ان اسامة بن لادن يتحرك بين الحدود الباكستانية والافغانية، اما الملا عمر فان قبيلته تحميه في الأغلب، وارجح انه بدوره يتحرك في اطار ولاية «هلمند» الواقعة في الجنوب، والملتصقة بدورها مع الحدود الباكستانية.

* اذا كانت الصورة واضحة على ذلك النحو، فلماذا لم يتمكن الاميركيون من القبض عليهما، وهو ما يشكل أحد اهداف الحملة الراهنة ضد الإرهاب؟

ـ أنا أولا أتحدث عن ترجيحات وليس عن أخبار، ولذلك فعليك ان لا تعتبر ما قلته آخر كلام في الموضوع، لان ما أرجحه اليوم قد لا يكون كذلك غدا، من ناحية أخرى فوجود الرجلين هنا أو هناك ـ حتى اذا ثبت ـ لا يعني انه أصبح من السهل الوصول إليهما، لان كل واحد منهما يعد قطرة في بحر كبير، من الرمال والجبال في حالة أسامة بن لادن، ومن البشر في حالة الملا عمر، ولا بد أن تلاحظ أن الحدود بين أفغانستان وباكستان بطول 2500 كيلو متر، وتلك مساحة هائلة حافلة بمظاهر الطبيعة المستحيلة، التي ظلت تاريخياً خارج السيطرة. ثم أن محيط القبائل الذي يتحرك فيه الملا عمر يتجاوز مليوني شخص، ولا تنسى أن الرجل لا أحد يعرف له شكلاً، حيث لم تنشر له صورة،، ولذلك يصبح من شبه المستحيل اصطياده.

* مخابرات باكستان لم تتغير

* هل تشكل عملية البحث عن الرجلين أولوية لديكم؟

ـ بصراحة لا. فاستقرار الأمن في البلاد هو مايحتل الأولوية القصوى لدينا. وبالتأكيد فان أي معلومات تتوفر لنا عن الرجلين، فاننا نمررها على الفور إلى الجهات الأخرى التي تنهض بمهمة البحث.

* تقصد القيادة الأميركية للعمليات؟

ـ هي في مقدمة تلك الجهات.

كان رئيس جهاز أمن الدولة التابع لوزارة الداخلية، الجنرال نعمت الله جليلي شقيق زوجة الوزير (خريج جامعة الامام محمد بن سعود في الرياض)، قد قال لي ان عملية البحث عن بن لادن والملا عمر تتم دون تنسيق مع أجهزة الأمن الأفغانية، حيث ينفرد الاميركيون بها، ولو تم ذلك التنسيق لكانت النتيجة أفضل، وان المخابرات الباكستانية تشارك في حماية الاثنين. لذلك سألت قانوني عن موقف باكستان من مسألة البحث عن الرجلين، وعن عناصر القاعدة وطالبان، فقال ان ثمة جناحين في اسلام أباد، فالحكومة وعلى رأسها الجنرال برويز مشرف تريد اعادة النظر في الاستراتيجية السابقة، التي كانت تقوم على تحقيق بعض المطامع والتطلعات في أفغانستان عبر شراء الولاءات ومساندة الموالين، مثل حركة طالبان، أما الجناح الثاني فتمثله عناصر ما زالت نافذة في المخابرات الباكستانية. وهذه ما زالت متمسكة بالاستراتيجية السابقة، وهذه العناصر في الأغلب تقوم بحماية بن لادن والملا عمر، وتغطية تحركاتهما والتستر على قيادات طالبان ومنظمة القاعدة.

* هل هذه معلومات أم استنتاجات؟

ـ هذه معلومات نحن واثقون منها، في السابق كانت الحكومة والمخابرات في مربع واحد. ولكن الرئيس مشرف اتخذ الآن موقفاً مغايراً وايجابياً، ربما بسبب الضغوط الخارجية، والمخاطر لم أدرك أنها تهدد بلاده اذا استمرت على نهجها السابق. صحيح انه بذل جهداً لابعاد العناصر المؤيدة لطالبان والجماعات الارهابية من قيادة الجيش والمخابرات لكن هذه الجهود التي تكتمل بعد، وهو لايزال بحاجة إلى التحرك بحزم أكبر لتصفية كل العناصر الموالية للارهابيين.

* في القاعدة: 3 آلاف أم 12 ألفاً

* كم تقدر عدد أعضاء منظمة القاعدة؟

ـ ما نعلمه أنهم في حدود 12 ألف شخص، قتل منهم في المعارك ما بين 2000 و3000 وسمعت من يقول ان عدد أعضاء القاعدة لا يتجاوز ثلاثة آلاف شخص، ويشككون في رقم 12 ألفاً، باعتبار أن كل جيش الجبهة المتحدة كان في تلك الحدود.

ليست هناك وسيلة حاسمة لتأكيد الأرقام أو نفيها. وتقديرنا الذي أشرت إليه هناك من يعارضه، ويصل بعناصر القاعدة إلى حوالي 20 ألف شخص.

* كم تقدر عدد القياديين في القاعدة؟

ـ معلوماتنا أن اسامة بن لادن (الرئيس) حوله مابين 17 و18 شخصاً يقومون بمهمة القيادة وتتوزع عليهم مسؤوليات العمل.

* هل لديكم تقدير لكوادر طالبان؟

ـ هم عددهم يتراوح بين 40 و50 ألف شخص، وأغلب هؤلاء حلقوا لحاهم وغيروا من شكل عمائمهم ولايزالون في داخل أفغانستان، في حماية قبائلهم.

* هل تعتقد أن حركة طالبان انتهت؟

ـ النظام انتهى إلى غير رجعة، وليست لديه فرصة للعودة مرة أخرى. لكن الناس موجودون كما قلت، وبعضهم يحاول التجمع في باكستان في تشكيل جديد أطلقوا عليه حزب «حكام الفرقان». وهؤلاء من عناصر من الجماعة، ولديهم علاقات مكشوفة مع المخابرات الباكستانية، التي لا تزال مصرة على أن تدس أنفها في الشأن الأفغاني. وذلك ليس في صالح علاقات البلدين على أي حال.

* هل سيعطي هؤلاء حق المشاركة في الحياة السياسية؟

ـ هذا سؤال سابق لأوانه لأننا مازلنا في رحلة مبكرة نسبياً، والحديث عن تنظيم الحياة السياسية لم يحن أوانه بعد. وعلى كل حال فهذه أمور يفترض أن ينظمها الدستور والقانون.

* لا وجود لحراس الثورة

* ما مدى صحة الاخبار التي نشرت عن حصار الملا عمر في احدى المناطق، وبدء مفاوضات تسليمه، ثم هروبه بعد ذلك؟

ـ هذه مجرد فرقعه اعلامية لا أصل لها من الحقيقة، فلا الرجل حوصر ولا هو نجح في الهرب.

* هل لديكم معلومات عن وجود عناصر من حرس الثورة الايراني في هيرات؟

ـ ايران جارة نقدرها ونحترمها. وفي حدود علمي فلا يوجد ايرانيون من الحرس أو غيره داخل البلاد. صحيح أن هناك اناساً ذهبوا إلى ايران للتدريب العسكري ورجعوا، لكن هؤلاء أفغانيون وليسوا ايرانيين.

* هل هناك عناصر من طالبان قيد الاعتقال في كابل.

ـ هناك أشخاص تحفظنا عليهم لاعتبارات أمنية، وعددهم حوالي مائة شخص. وهناك آخرون معتقلون لدينا منذ كنا في بنشير، وهؤلاء لا علاقة لهم بالتطورات الأخيرة.

* الأخبار التي تصل إلى العاصمة من الأقاليم توحي بأن الوضع الأمني لم يستقر بعد.

ـ هذا شيء طبيعي فأوضاع البلد قلقة منذ أكثر من عقدين من الزمان. وخلال تلك الفترة تكرست أوضاع ومصالح، وكثر السلاح بين الناس، حتى أصبح من الصعب اخضاع الجميع لسلطة الحكومة المركزية خلال أشهر قليلة من توليها السلطة. لذلك فأنا لست متفاجئا بما حدث، ولست قلقاً منه، لكننا نعمل على ألا تتكرر الاشتباكات المسلحة بين الفئات المختلفة. ثم لا تنسى أن الموقف في كابل مستقر تماماً. فمنذ دخلنا لم يقع حادث قتل واحد أو اغتصاب أو قطع طريق.

* لكن السرقات موجودة؟

ـ هذا صحيح. وربما كان حظر التجول (المستمر من العاشرة مساء حتى الخامسة صباحاً) عنصراً مساعداً على تعدد السرقات تحت جنح الظلام.

* أخيراً: تفكيك المليشيات

* ما هي الاجراءات التي تعتمدون عليها في وقف الاشتباكات خارج العاصمة؟

ـ هناك خطوات سياسية واجراءات أمنية. من الناحية السياسية فان الحكومة تسعى لازالة الحساسيات والخصومات بين الفرقاء والأعراق المختلفة من خلال اللوياجيرغا المحلية، أي أهل الحل والعقد في كل منطقة. حيث ندعوهم إلى الجلوس معاً وتصفية مابينهم من خلافات. من ناحية أخرى بدأنا اجراءات حظر حمل السلاح إلا بترخيص من الداخلية، وستكون الخطوة التالية هي حظر تسلح الميليشيات الخاصة، حيث لا يتصور أن يكون للبلد جيش وشرطة، ثم يكون لبعض الزعماء أو القادة الميدانيين ميليشيات خاصة بهم.

* سمعت أحد القادة العسكريين يقول ان حكومة كابل لن تستطيع أن تبسط هيمنتها على جنوب البلاد ـ حيث يتركز البشتون ـ إلا اذا قامت بزحف عسكري عليها؟

ـ بعض الجنرالات يتصرفون مثل الجراحين الذين يسارعون إلى استخدام المشارط والبتر لعلاج الحالة المعروضة عليهم. وهؤلاء الجنرالات يفكرون أولاً باستخدام السلاح، وأنا لا أرى ضرورة لذلك على الاطلاق في الوقت الراهن.

* سمعت من البعض انتقاداً للحكومة المشكلة في بون، يقوم على أن أغلبيتها من العناصر المقيمة في الخارج، ثم أن لها اتجاهات علمانية، تتناقض مع قيم وثوابت المجتمع الأفغاني، المتدين والمحافظ؟

ـ سمعت هذا الكلام أىضاً، وهو غير دقيق، لأن 59 في المائة من العناصر المشاركة في الوزارة هم من المجاهدين، بينما الباقون هم من أهل العلم والخبرة الأفغان الذين عاشوا في بلاد الروم. وكون بعض هؤلاء الأخيرين من العلمانيين ينبغي ألا يقلقنا، لأنه دال على أننا نفسح صدورنا للآخر ونوفر له حق الحضور والمشاركة، الأمر الذي ينبغي أن يحسب لنا لا علينا. وأنا أحب أن أطمئن الجميع على أن هذا البلد لن يقبل غير الاسلام بديلاً. ومعركتنا الحقيقية كانت ضد النموذج القبيح الذي طبقته طالبان وشوهت به صورة الاسلام، وقدمته إلى الناس في صورة بائسة ومنفرة.

* ما رأيك في ما يقال عن أن قوات التحالف الشمالي جاءت في حماية الطائرات الاميركية؟

ـ قد يصح هذا الكلام لو أننا بدأنا القتال بعد وصول تلك القوات، وينبغي ألا ينسى أننا نخوض المعركة منذ سبع سنوات، وأن الأميركيين ظلوا يقصفون المواقع طيلة شهر كامل ولم يحققوا شيئاً يذكر، ولكننا حين تقدمنا واقتحمنا كابل تغير كل شيء وقام النظام الجديد.

* هل تعتقد أن الاميركيين سيبقون في أفغانستان؟

ـ أشك في ذلك. وأعتقد أنهم بعد اسقاط نظام طالبان لن يبقوا لأكثر من سنة.

* الملاحظ أن جيل الشيوخ لم يشارك في النظام الجديد.

ـ رغم أننا ما زلنا في البدايات، لكني أعتقد أن هؤلاء الشيوخ أدوا ماعليهم، وقد آن الأوان الآن لكي يتسلم الراية جيل جديد من المجاهدين.