رئيس مركز القدس لحقوق الإنسان يدعو المنظمات الحقوقية العربية إلى اعتماد مبادرات فعالة ومؤثرة في دوائر صنع القرار الدولي

TT

دعا أحد نشطاء حقوق الإنسان البارزين في مدينة القدس الشريف الهيئات الحقوقية العربية «لتجاوز أسلوبها وخطابها التقليدي الذي يتركز حول البيانات التقليدية إزاء قضية الشعب الفلسطيني، باتجاه اعتماد أجندة جديدة تتوخى مبادرات وأنشطة فعالة ومؤثرة في المجتمع الدولي ودوائر صنع القرار في العواصم الدولية الصديقة للدول العربية والمؤثرة في سياسة إسرائيل».

واعتبر محمد أبو حارثية رئيس مركز القدس لحقوق الإنسان الذي كان يتحدث لـ««الشرق الأوسط» في الرباط في أعقاب مشاركته أخيرا في دورة عقدها فرع منظمة «فريدوم هاوس» الأميركية بالمغرب، أن الهيئات الحقوقية العربية مدعوة لوضع الرأي العام الإسرائيلي ضمن أهدافها وأجندتها للتأثير عليه باتجاه تغيير تأييده لليمين الإسرائيلي الذي يقود التصعيد والحرب ضد الشعب الفلسطيني. وتوقع أبو حارثية تنامي التحديات والصعوبات في وجه الهيئات الحقوقية الفلسطينية بسبب سياسة إسرائيل القائمة على الحصار والفصل بين المدن والمناطق الفلسطينية، وكذلك بسبب محاولات الخلط بين المقاومة المشروعة للاحتلال والإرهاب.

وقال ابو حارثية إن أوضاع حقوق الإنسان في المدينة المقدسة لها خصوصيات عديدة مصدرها الحصار الذي تفرضه عليها إسرائيل والذي أدى لتجميد وإفراغ المدينة من هيئات المجتمع المدني، وخصوصا إثر الهجمة التي نفذتها الحكومة الإسرائيلية إبتداء من العام الماضي وأدت إلى إغلاق عدد من هيئات المجتمع المدني. وأضاف مسؤول مركز القدس لحقوق الإنسان أن هيئات حقوق الإنسان والمجتمع المدني العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أصبح متعذرا عليها بسبب الحصار الإسرائيلي، القيام بواجبها في الدفاع والمرافعة عن ضحايا الانتهاكات التي يتعرض لها سكان القدس، وفي رصد ومراقبة الانتهاكات اليومية التي ترتكبها القوات الإسرائيلية.

واعتبر أبو حارثية أن نشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني في مدينة القدس أصبحوا يعتمدون على العمل الحقوقي المتكيف مع الوضع المحلي للمدينة لسد الفراغ الذي أحدثه الحصار الإسرائيلي عليها، مبرزا أن قضايا حقوق الإنسان في المدينة المقدسة لها خصوصياتها النابعة من وضع المدينة الخاضعة للقانون الإسرائيلي نتيجة الضم الباطل وغير القانوني.

وحول نوعية قضايا حقوق الإنسان المطروحة في المدينة المقدسة، قال أبو حارثية، إن من أخطرها عمليات تفريغ المدينة من مواطنيها وأهاليها، التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية من خلال سحب وثائق الهوية وحرمان الفلسطينيين من لم شمل عائلاتهم ومنعهم من التوسع في البناء من خلال إجراءات وسياسات تحرمهم من رخص البناء، وتعريض منازلهم ومحلاتهم للهدم اليومي من قبل السلطات الإسرائيلية بحجج واهية مثل عدم الترخيص أو مخالفة التصاميم المعمارية.

وأضاف ابو حارثية أن الفلسطينيين في مدينة القدس يتعرضون لعمليات سرقة مالية وإقتصادية لحقوقهم من خلال إجبارهم على دفع ضرائب ورسوم أسوة بالإسرائيليين ذوي الدخل العالي، وبالمقابل يحرمون من أية حقوق اقتصادية واجتماعية مثل التأمين الصحي والتأمين الوطني ومواجهة مشاكل تدني مستوى الدخل وارتفاع معدلات البطالة، بحجج أن عليهم إثبات إقامتهم في مدينة القدس خلال السنوات السبع الأخيرة. وهو وضع يواجه فيه الفلسطينيون متاهات يومية بسبب عدم تمكنهم من توفير كميات ضخمة من الوثائق.

وقال أبو حارثية إن السلطات الإسرائيلية تعتقل يوميا مواطنين فلسطينيين لأسباب سياسية، وخلال أيام الجمعة وبمناسبة أداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى تقوم السلطات الإسرائيلية أسبوعيا بحملات اعتقالات واسعة، ونتيجة لخصوصية الإدارة الإسرائيلية وسلوكيات أجهزتها المختلفة من شرطة وأمن، يتعذر على منظمات حقوق الإنسان حتى مجرد القيام بعمليات إحصاء للمعتقلين ومتابعة أوضاعهم وظروف اعتقالهم وأماكن حجزهم.

وإتهم أبو حارثية السلطات الإسرائيلية بارتكاب التعذيب بشكل ممنهج، والسعي لإخفاء الأرقام والمعلومات حول القضايا السياسية والأمنية، وعندما تصدر تقاريرها السنوية حول أوضاع حقوق الإنسان والفقر في إسرائيل تستثني مدينة القدس المحتلة، وتعتبر أن المواطنين العرب في القدس المحتلة وكأنهم مواطنون داخل إسرائيل ولا يمكن تمييزهم عن واقع الإسرائيليين، وهو سلوك يؤدي إلى تضليل الرأي العام الدولي وتقديم المواطنين الفلسطينيين في القدس المحتلة وكأنهم يتمتعون بحقوق كاملة مثلما يتمتع بها الإسرائيليون. وهو إدعاء باطل تدحضه كل التقارير التي تنشرها الهيئات الفلسطينية والدولية، فنسبة البطالة والفقرفي مدينة القدس المحتلة هي أعلى بكثير منها في إسرائيل، وخصوصا بالنسبة للأطفال الفلسطينيين الذين يقدر معدل الفقر في صفوفهم بحوالي 75 في المائة بينما يقال في إسرائيل بأنها لا تتجاوز 40 في المائة. كما يعاني المواطن الفلسطيني في مدينة القدس المحتلة مشاكل تدني الدخل وإرتفاع حجم الاكتظاظ السكاني.

وحول فرص التنسيق بين المنظمات الأهلية في القدس ونظيراتها في المدن والمناطق الفلسطينية الأخرى سواء الواقعة تحت نفوذ السلطة الفلسطينية أو المحتلة من قبل إسرائيل، أوضح أبو حارثية أن سياسة إسرائيل لعزل قطاع غزة عن الضفة الغربية وعزلهما معا عن القدس المحتلة، أدت إلى عرقلة أي نشاط أو تنسيق بين المنظمات الحقوقية، لكن الهيئات الفلسطينية تتمسك بالتنسيق في ما بينها وتسعى لتفعيله رغم التحديات. وأكد ابو حارثية أن الوضع المفروض على نشطاء حقوق الإنسان الفلسطينيين، يطرح عليهم توخي أسلوب التخصص الجغرافي لمواجهة الحصار الإسرائيلي، وتوسيع نطاق التنسيق مع منظمات حقوق الإنسان العربية.

وطالب أبو حارثية هيئات حقوق الإنسان في العالم العربي للقيام بدور أكثر فعالية للدفاع عن الفلسطينيين، وتجاوز أدوارها التقليدية التي تقتصر في كثير من الأحيان على إصدار بيانات، وحثها على القيام بمبادرات لمساعدة المنظمات الفلسطينية التي لا تتوفرعلى فرص وإمكانيات للحركة والنشاط بسبب الحصار الإسرائيلي ومنع نشطاء حقوق الإنسان الفلسطينيين من مغادرة الأراضي الفلسطينية وزيارة الدول العربية. كما يمنع اليوم الفلسطينيون الذين يحملون جوازات سفر فلسطينية من مغادرة المناطق الفلسطينية التي تطوقها القوات الإسرائيلية بعمليات إغلاق لفترات مؤقتة أو طويلة. وردا على سؤال حول مدى تجاوب الهيئات الحقوقية الإسرائيلية مع مطالب نشطاء حقوق الإنسان الفلسطينيين، قال ابو حارثية إن المنظمات الإسرائيلية النشيطة في ميدان حقوق الإنسان تركز على الانتهاكات الفردية بشكل خاص، باعتبارها متعارضة مع القانون الإسرائيلي نفسه، وهنالك بعض الهيئات الإسرائيلية القليلة جدا التي تصدر تقارير حول أوضاع حقوق الإنسان الفلسطيني والانتهاكات الجسيمة والعقوبات الجماعية التي يعاني منها الفلسطينيون، وتعتمد تلك المنظمات أجندة مهنية تستند إلى المواثيق والمعايير الدولية ولا تستند إلى المواثيق السياسية، ملاحظا أن تلك الهيئات تفتقد التأثير في المجتمع الإسرائيلي، ولكنها تساند الهيئات الفلسطينية في ما يتعلق بإثبات مصداقية المعلومات التي تعلن عنها المنظمات الفلسطينية والدولية، وبالتالي تساهم في فضح الانتهاكات الإسرائيلية، ولكونها هيئات إسرائيلية فهي تحظى بمصداقية عالية لدى المنظمات الدولية.

وقال أبو حارثية إن الاتهامات العديدة التي تواجهها هيئات حقوق الإنسان الإسرائيلية داخل المجتمع الإسرائيلي، تقلل من تأثيرها في صناع القرار السياسي وخصوصا الرأي العام الإسرائيلي.

وقال أبو حارثية إن هنالك خلافات في وجهات النظر والمواقف بين الهيئات الحقوقية الفلسطينية والإسرائيلين بشأن العمليات التي ينفذها فلسطينيون ضد أهداف إسرائيلية، وأضاف أن المنظمات الحقوقية الإسرائيلية تعبر عن رفضها للعمليات التي تنفذ ضد الاسرائيليين وخصوصا قتل المستوطنين في الأراضي المحتلة، وهو موقف نعتقد أنه لا يستند إلى القانون الدولي الإنساني ومواثيق الحرب. ولكن المنظمات الإسرائيلية لها الحق في إبداء رأيها وإن كنا نختلف معه كمنظمات فلسطينية ونعبر عن مواقفنا بوضوح، دون أن يكون هنالك صراع بين الجانبين بهذا الصدد، وإنما هنالك حوار قانون يستند إلى مواثيق الشرعية الدولية، وهو حوار ضروري وخصوصا لجهة تأثيره في مواقف المنظمات الدولية التي تتخذ في بعض الأحيان مواقف تنال من مشروعية النضال الفلسطيني.