المعارضة الشيعية العراقية لا تثق بالوعود الأميركية

مساواة الرئيس بوش بين إيران ونظام صدام في «محور الشر» يعرقل تعاون الشيعة مع واشنطن

TT

بينما تعمل الولايات المتحدة على تسريع خطوات التوصل الى خطة لاطاحة الرئيس العراقي صدام حسين، اكد زعيم «المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق» آية الله محمد باقر الحكيم انه لا يرغب في مساعدة واشنطن في هذا الامر، وقال انه «لا حاجة لارسال قوات من خارج العراق لأن ذلك ربما ينظر اليه كونه غزوا، مما يتسبب في مشاكل جديدة».

ورغم محاولة الدبلوماسيين الاميركيين المستمرة لاقناعه بالمشاركة في جهودهم الخاصة باطاحة نظام صدام، فإن الحكيم، الذي يتزعم كذلك قوات «لواء بدر» المكونة من 10 آلاف مقاتل، اكد ضرورة توخي الحذر بسبب اعلان الرئيس الاميركي جورج بوش ان ايران جزء من «محور الشر»، فضلا عن التجربة السابقة للمعارضة العراقية مع الدعم الاميركي «غير الموثوق به»، على حد تعبيره في لقاء نادر اجري معه اخيرا.

وقال الحكيم في اللقاء ان «النموذج الافغاني» الذي اعتمد على قوات تساندها الولايات المتحدة كي تقاتل نيابة عنها، مثلما حدث مع حركة طالبان العام الماضي، لا ينطبق على العراق. الجدير بالذكر ان احد خيارات وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) يتمثل في الانقضاض على النظام العراقي من خلال الزحف على بغداد بمساعدة قوات اميركية قوامها 50 الف جندي وضابط تزحف باتجاه العاصمة العراقية من جهة الجنوب الى جانب القوات التابعة للميليشيات الشيعية، بالاضافة الى قوات اخرى قوامها 50 الفا تزحف باتجاه بغداد من الشمال بمساعدة المقاتلين الاكراد. ووصف الحكيم هذه الفكرة بأنها «سيئة»، واضاف ان افضل ما يمكن ان تفعله الولايات المتحدة هو ان تجبر النظام العراقي على عدم استخدام اسلحته الثقيلة ضد السكان مثلما حدث في كوسوفو، اذ يعتقد الحكيم ان من شأن ذلك ان يساعد العراقيين على احداث التغيير الذي اكد على ضرورة ان «يحدث بواسطة العراقيين انفسهم».

والشيعة هم من المجموعات العراقية المعارضة التي عانت من نظام صدام حسين، اذ جرى اغتيال قياداتهم كما جففت الاهوار التي تمثل اهمية اقتصادية خاصة ومخابئ لهم، فضلا عن ان السلطات العراقية قمعت انتفاضتهم عام 1991 باستخدام الاسلحة الكيماوية، لكن الغالبية العظمى منهم، رغم كل الدماء التي سالت في سبيل سعيهم على مدى سنوات لاسقاط النظام العراقي، لا ترحب بخطط واشنطن باسقاط نظام صدام بالطريقة التي تتصورها الولايات المتحدة.

وازدادت الاتصالات بين المعارضة العراقية والمسؤولين الاميركيين خلال الحملة العسكرية الاميركية على افغانستان، تماما مثل الاتصالات بين الولايات المتحدة وايران، اذ عمل الدبلوماسيون الاميركيون على زيادة هذه الاتصالات على مدى عدة شهور. ويقول توبي دودج، خبير الشؤون العراقية في «المعهد الملكي للشؤون الدولية» بلندن، ان ثمة تقدما احرز في مجال الاتصالات، كما اشار الى احتمال قبول «المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق» لمساعدات مالية اميركية لاول مرة، الشيء الذي يعتبر بادرة حسن نية. ويحذر المجلس الاعلى «من ان دخول القوات الاميركية الى العراق سيكون «خطأ»»، الا ان دودج يعتقد ان خطر المجلس على النظام العراقي كمجموعة معارضة تراجع خلال السنوات الاخيرة. واضاف ان المجلس لا يعتبر قوة مقاتلة بوسعها احتلال جبهات امامية مثل تحالف الشمال الافغاني المعارض المدعوم من ايران والولايات المتحدة. كما يرى دودج ان الدور الذي كان من الممكن ان يلعبه المجلس كان لا يزال غامضا، معللا ذلك بأن «محور الشر» استبعد الآن أي دعم تلعب فيه طهران دورا للمساعدة على اطاحة صدام حسين. ويتفق موقف كل من «المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق» وايران والولايات المتحدة ازاء العراق، كما ان ايران لها هي الجهة الاكثر عداء للنظام العراقي، فالحرب العراقية ـ الايرانية بدأها صدام حسين عام 1980 خلال المراحل المبكرة للثورة الاسلامية في ايران، فضلا عن ان الكثير من سكان طهران يتذكرون الصواريخ العراقية التي كانت تتساقط باستمرار على عاصمة البلاد، كما لا ينسى الكثيرون ان العراق استخدم الاسلحة الكيماوية ضد القوات الايرانية، مما دفع ايران نفسها الى انتاج الصواريخ والاسلحة الكيماوية. ايران و«المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق» يحاولان قياس التصعيد الاميركي ضد العراق وموازنة مصالحهما الخاصة بغرض التوصل الى ما يمكن ان تنتهي اليه المسألة في مجملها. ويتساءل محلل ايراني، طلب عدم ذكر اسمه، عن البديل الذي سيعقب صدام حسين في بغداد، ويضيف ان الولايات المتحدة تريد دولة موالية لها في العراق عقب سقوط النظام الحالي، فيما ترغب ايران في دولة مؤيدة لدولة الثورة الاسلامية لضمان نفوذ لها في العراق.

ويؤكد الحكيم من جانبه ان «المجلس الاعلى يؤيد قيام نظام ديمقراطي تعددي يستوعب كل الاعراق والمجموعات الدينية». وكان الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش (الأب) قد وعد العراقيين عام 1991 بأن الولايات المتحدة ستساندهم اذا ما ثاروا ضد صدام، لكنه عدل عن رأيه فيما يبدو عندما بدا واضحا احتمال انتشار الفوضى في العراق واقامة دولة كردية في الشمال واخرى شيعية في الجنوب عند اندلاع انتفاضة عام 1991 التي سحقتها القوات العراقية. كما فشلت عام 1996 محاولة شاركت فيها وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي. آي. ايه) لاطاحة النظام العراقي، الا ان القوات العراقية افشلت المخطط.

وتتحدث الادارة الاميركية الحالية عن «مهمة لم تكتمل في العراق»، في اشارة الى عدم اطاحة صدام عند نهاية حرب الخليج الثانية، فيما يعتقد الحكيم ان ما حدث يعتبر دليلا على عدم الثقة بالولايات المتحدة، اذ يعتقد ان «الولايات المتحدة شجعت النظام العراقي آنذاك على قتل المدنيين لوقف الانتفاضة».

ويقول الحكيم ان قواته ستستغل أي فرصة تجدها للتحرك ضد بغداد، رغم انه «لا احد يعرف اسرار الادارة الاميركية»، على حد تعبيره، كما علق ضاحكا بقوله: «الاميركيون يقولون انهم ارتكبوا خطأ عام 1991، وبوش الابن يحاول تصحيح اخطاء والده».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»