أبو عمار يطرد حارسه الشخصي من العمل

TT

كان يأكل ما يأكل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في معظم الأحيان، لأنه كان يرحل وراءه أينما حل ورحل. وكان ينام قريبا مما ينام، ويرى ويستمع الى معظم ما يستمع اليه الرئيس الفلسطيني ويراه. بل كان يتحرك كما يتحرك، لا كظل لا يفارقه فحسب، بل أكثر، لأنه كان «ماركة مسجلة» ورمزاً للمرافق الملتصق برأس السلطة الفلسطينية، لكن اتضح أمس من مقربين من الرئيس الفلسطيني، تحدثت «الشرق الأوسط» الى بعضهم، أن النقيب محمد الداية لم يعد في هذه الوظيفة منذ شهر، فقد ابعده أبو عمار، ولم يعد يظهر خلف عرفات ، مطلا من الشاشات حين يطل الرئيس الفلسطيني عبر التلفزيونات، أو في صور تبثها وكالات الأنباء ويراها الملايين، وفيها يبدو الزعيم الفلسطيني يصرّح لصحافيين ومراسلين تجمهروا بالمكروفونات والكاميرات، ووراءه الداية، رصين ووسيم بشارب مميز وعينين سوداوين، ووجه هادئ بلا تعابير، سوى من مسحة استغراب وقلق، يرمق الوجوه والحركات، ويتعمد التحديق باللاشيء أحيانا، منتظرا أن ينتهي أبو عمار من كلامه ليتحرك معه، وهو يلتفت يمينا ويسارا، لعل وعسى يرصد الشر قبل أن يقع.

ولا أحد سوى قلة من المقرّّبين تعرف لماذا خسر الداية، الذي امتهن المرافقة الرئاسية بالوراثة عن والده، الوظيفة التي اعتاد أن يقول إن الآخرين يحلمون بمثلها، مع أنه كان يحلم بأن يصبح مهندسا تلفزيونيا حين جذبته الشاشة الصغيرة اليها وهو فتى في بيروت التي أبصر فيها النور قبل 33 سنة. وعاد محمد الداية، منذ اعفائه قبل شهر الى العمل ثانية في جهاز الأمن الرئاسي.

وكان الداية، الذي ولد في مخيم صبرا ببيروت، تعرف الى عرفات منذ كان طفلا، يرى والده الشهيد فيما بعد، يوسف الداية، مرتبطا به كمرافق خاص، فولدت لديه مشاعر الارتباط بأبو عمار منذ الصغر، الى درجة أنه كان ينام في بيت عرفات ببيروت، حين كان والده مرافقه الخاص، ثم انتقل معه في 1982 الى تونس بعد الغزو الاسرائيلي للعاصمة اللبنانية، وهناك عاش في بيته أيضا. ثم سافر الداية في 1984 الى ألمانيا الشرقية آنذاك، بعد أن أتم في تونس دراسة الثانوية التي بدأها في بيروت. وفي ألمانيا درس الهندسة التلفزيونية 4 سنوات بجامعة «فوستوك» في مدينة «روستوم» حيث تلقى نبأ استشهاد والده، المرافق الشخصي لياسر عرفات، حين قامت اسرائيل في 1985 بغارتها الشهيرة على منزل أبو عمار في تونس، وهي الغارة المعروفة باسم «حمام الشط» وقضى كثيرون بقذائف صاروخية من الجو، ومنهم والد الداية، الذي قطع الدراسة وعاد الى تونس وحضر الجنازة. يومها كان وإخوته كالأطفال، وهم 4 بنات و3 شباب، وليس لهم بين الناس من يعين.. لا عم ولا خال ولا أحد، ولم يندهش الداية حين فاجأهم أبو عمار بأخلاق لا مثيل لها، فقد عمل على دفن والده بعمان، وطلب منه أن يتابع دراسته بألمانيا، وأعلن مسؤوليته عنه كأب ثان، وأرسل والدته الى الأردن لتسكن هناك مع اخوته، واشترى لهم بيتا، وعاد الداية الى ألمانيا متابعا لدراسة أنهاها في 1988 ومن بعدها رأسا الى تونس.. الى بيت أبو عمار من جديد.

هناك تحول الى حارس شخصي ومرافق وعضو من العائلة، ثم عاد معه في 1994 الى غزة براتب 500 دولار، ظل عليه الى حين ابعاده من العمل قبل شهر، ومنها كان يطير مع أبو عمار الى كل مكان يرحل اليه، أو يبقى سجينا معه فيه، كما هو الآن رهين الاسرائيليين في رام الله.

ولمحمد الداية ولدان : صفاء ويوسف ( 9 و7 سنوات) وهو متزوج منذ 1992 من ابنة خالته، لينا الداية، المولودة في بيروت مثله، وفيها حصلت على دبلوم بالماكياج من لبنان، لكنها لم تعد تعمل الآن منذ عاد الداية الى غزة.

ويقيم الداية في حي التلاتيني، القريب 5 دقائق مشيا من حي « الرمال» حيث كان بيت الرئيس عرفات بغزة، وهو لا يدفع ايجارا، لأنه اشترى البيت، المكون من 3 غرف نوم، بثلاثين ألف دولار، دفع نصفها أبو عمار من جيبه الخاص ليسند حياة حارسه الخاص، الذي ذكر لـ «الشرق الأوسط» قبل 3 سنوات أنه يحلم بالبقاء خلف أبو عمار دائما، وأن لا شيء يفرق بينهما الا الموت.

وقد حاولت «الشرق الأوسط» الاتصال بالداية في غزة، فلم تعثر على أحد في بيته هناك، لتتأكد من الروايات التي تتردد حول اسباب اعفائه.