رئيس القضاء البريطاني: زوجتي أصبحت سودانية

اليزابيث بنغهام تترأس منظمة تدعم مشاريع التنمية ومكافحة الجفاف في السودان

TT

تعتبر «منظمة انقاذ الساحل اس. او. اس»، المنظمة البريطانية الوحيدة التي تركز جهودها في استكشاف احتياجات وعلاج مشكلات ابناء دول الساحل في افريقيا. وقد عقدت اجتماعها السنوي باحدى قاعات جامعة لندن الاسبوع الماضي تحت رعاية رئيسة المنظمة اليزابيث بنغهام زوجة رئيس القضاء البريطاني. وهناك التقتها «الشرق الأوسط» وحاورتها في اهداف وانجازات المنظمة وخاصة في علاقاتها ومشروعات المنظمة في السودان والساحل الافريقي على وجه العموم.

وتحدثت الليدي اليزابيث عن دورها في تحسين العلاقات السودانية. البريطانية، والزيارة المرتقبة التي ستصحب فيها زوجها للسودان، وعن دور المنظمة في تنمية السودان ووقف الزحف الصحراوي مما جعلها تفوز بجائزة الامم المتحدة المرصودة لهذا الهدف. وقد اثارت بعض التساؤلات حول انشاء سد لمد منطقة بورتسودان بالمياه، والآثار السالبة له وما قد يترتب عليها من تعويضات لشعب المنطقة وحقوق تمليك الغابات للمواطنين بمنطقة العين في غرب السودان والمنازعات الدائرة هناك.

وقالت الليدي بنغهام: بدأت صلتي بالسودان عام 1993 عندما صرت عضوا في مجلس منظمة «اس. او. اس ساحل» وزرت مشروعاتها في السودان عامي 95 و98.

صرت الآن رئيسة للمنظة، وانا على وشك زيارة السودان مرة اخرى مصاحبة لزوجي الذي يتقلد منصب رئيس القضاء في المملكة المتحدة. وقد تلقى دعوة من رئيس القضاء بالسودان للقيام بزيارة رسمية للخرطوم في الاشهر المقبلة من هذا العام، وهي زيارة تتم عبر وزارة الخارجية البريطانية.

وهذه الدعوة ثمرة من ثمار ارتباطي بالسودان عن طريق المنظمة، فقد احببت البلاد عندما زرت المشاريع الخاصة بالمنظمة والعاملين بها هناك. وعندما زار رئيس القضاء السوداني السابق لندن عام 1995 قال له زوجي: لقد صارت زوجتي سودانية!

* تجربة أول المشاريع في السودان

* وعن البداية في السودان ومدى نجاحها، اجابت الليدي بنغهام قائلة: هذه المنظمة اسست عام 1984 للعمل في المناطق الريفية في البلاد شبه الجافة المتاخمة للصحراء الكبرى، بغرض زيادة دخل السكان وحمايته. كان زحف الصحراء يطرد الاسر من الارض بضراوة، والسبب ارتفاع حرارة الكرة الارضية والرمال التي تذروها الرياح والتدهور البيئي.

وكان اول المشاريع بشندي في السودان، حيث كانت الكثبان الرملية تتغول على المزارع وعلى القرى، مدفوعة بالرياح. ورأى الخبراء ان الطريقة الوحيدة لصد الرمال الزاحفة هي زراعة حزام من الاشجار على بعد ميل او ميلين او ثلاثة خلف جبهة الرمال. كانت هذه نصيحة سليمة من ناحية فنية وعلمية، الا ان القرى المهددة لم تثق فيها او تقتنع بها. لم يحدث شيء. اخذ الناس يهجرون قراهم ومزارعهم.

اما «اس. او. اس ساحل» فقد كان اسلوبها مختلفا، اذ طلبت من القرويين ان يتقدموا باقتراحاتهم. وذكر الاهالي انهم يريدون زراعة الاشجار في مواقع قريبة يرونها باعينهم، اي بالقرب من منازلهم ومزارعهم المهددة بالرمال. وافقت المنظمة ووفرت طلمبات الماء والشتلات والبذور بينما حفر السكان الآبار ورووا الاشجار. ازدهر حزام الوقاية، وتغلغلت جذور الاشجار بعد عامين حتى وصلت للمياه الجوفية ولم تعد هناك حاجة للري. اما الرمال فقد تراكمت خلف الاشجار التي نمت بصورة اسرع من الرمال وهكذا توقف زحف الصحراء.

وعن التجربة الثانية في اقصى الشمال في منطقة الدبة تقول: كررت المنظمة مثل هذا المشروع في الدبة، وكانت النتائج اكثر درامية، اذ شكلت الاشجار جدارا واقيا يحمي المزارع من الرمال. وزرعت اشجار اخرى داخل المزارع لصد الرياح وتقليل تبخر الرطوبة من الارض. وزاد محصول القمح نتيجة لذلك بنسبة ثمانين الى مائة في المائة وكانت الارباح الفائضة للعام تساوي كلفة المشروع. وقد فاز مشروع التشجير هذا بجائزة الامم المتحدة المرصودة لانقاذ الاراضي الجافة. وهكذا صار السودان المركز الرئيسي لعمليات «اس. او. اس ساحل» لعدد من السنين.

وتتحدث الليدي بنغهام باعجاب عن دور النساء في التشجير وتقول: كان هناك مشروع نسائي للتشجير يتم فيه تدريب النساء على زراعة اشجار الفاكهة والاشجار الظليلة في حيشان المنازل بهدف بيعها للجيران والمزارعين. وانشئ برنامج متواصل تقوم اثناءه النساء من احدى القرى بتدريب جاراتهن في القرى المتاخمة. وبدأت المنظمة بتدريب 60 امرأة الا ان عدد المدبرات الكلي بلغ الآن الآلاف. ويرى المرء الآن على ضفتي النيل قرى كانت في الماضي جافة وقاحلة وصارت خضراء تحتمي باشجار باسقة.

وفي منطقة العين القريبة من مدينة الابيض كبرى مدن غرب السودان تقول الليدي بنغهام: ان المنظمة قد ساعدت الاهالي على تسجيل الغابات المحلية كمناطق محمية كما ينص قانون الغابات لعام 1989. لقد تزايدت وتيرة ازالة الغابات في ظروف سيطرة الدولة والتغييرات المناخية وتنامي حاجة المدن للحطب. واشتركت كل المجموعات، بمن في ذلك الرعاة في وضع خطط لادارة الغابات بطريقة افضل. وادت هذه الخطط الى التدريب في وسائل حل المنازعات.

لقد تنازع الرعاة والمزارعون طويلا حول ارض القرقور. وقامت منظمة «اس او اس ساحل» باعادة الجانبين الى اساليب الاجاويد التقليدية التي يتولاها المسنون من الجانبين. وهكذا اتفق على حق الرعاة في الوصول للمناطق في اشهر معينة من السنة.

وقد نال هذا النجاح رضى المنظمات غير الحكومية الاخرى العاملة بالسودان التي رأت كيفية حل نزاع مزمن بطريقة ودية. ادى ذلك الى استحداث مشروع آخر لحل المنازعات بمساندة برنامج الامم المتحدة للتنمية وبتمويل من الحكومة الكندية. وسوف تواصل «اس او اس ساحل» تطوير المشروع في كردفان بالاشتراك مع اوكسفام والتي تعمل بدارفور و«اكورد» التي تعمل بالجنوب.

* العلاقات السودانية ـ البريطانية

* وعن العلاقات بين بريطانيا والسودان تقول زوجة رئيس القضاء البريطاني: انني سعيدة للغاية لان العلاقات بين بلدينا قد استؤنفت وسعيدة لان زوجي يساهم في ذلك. وقد كان لنا شرف استضافة خمسة قضاة كبار من السودان تناولوا العشاء معنا في مجلس اللوردات. وقد اتوا لبريطانيا عبر مشروع يموله المجلس البريطاني لكي يدرسوا مختلف اوجه قانون حقوق الانسان ويتعرفوا على النظم القضائية الثلاثة المنفصلة في انجلترا وويلز ثم في اسكوتلاندا وايرلندا الشمالية.

انني اتطلع الى زيارة السودان المقبلة رغم ان تاريخها لم يحدد بعد. وسوف اهتم عندما اصل السودان بأمرين قانويين نيابة عن «اس. او. اس ساحل»، الاول هو الخزان المقترح انشاؤه على خور اربعات عند انحداره من الجبال والهدف منه هو ان يمد بورتسودان بمياه الشرب. ما تخشاه منظمتنا هو ان الخزان سيحرم الاراضي الزراعية الواقعة في السهل من المياه، فتصير جرداء صحراوية. ان مواطني البجا يملكون الارض قانونيا. فهل يستحقون تعويضا اذا ما صارت ارضهم عديمة الفائدة بعد بناء الخزان؟ وهل مخاوف منظمتنا بلا اساس؟ انني اتطلع الى معرفة الاجابة.

اما اهتمامي الآخر فهو خاص بتكلفة تسجيل غابات العين للاهالي، انهم يرغبون في حقهم القانوني في الغابات التي يزروعونها. الا ان اجور المساحين الذين يرسمون حدود القرى ورسوم التسجيل بالخرطوم باهظة للغاية. وسيكون من العسير ان نجد منظمات او جهات متطوعة تدفع ما ترى انه اجراءات بيروقراطية. ما حدث في اثيوبيا هو ان «اس او اس ساحل» اقنعت الحكومة الاقليمية في «مكيت» بالسماح للاهالي بادارة الارض بموجب رخصة، بينما تظل ملكية الارض للدولة التي تعطي الاهالي حق الزراعة والحصاد. انهم لا يطالبون برسوم باهظة، الامر الذي يسهل التوسع في مشروعات اعادة تأهيل البيئة. انني آمل ان اناقش الامر مع وزير الزراعة بكردفان بهدف التوصل الى مشروع مماثل في العين.

=