مصادر عسكرية إسرائيلية تعترف بفشل عملية غزة وتؤكد على الحل السياسي

فيشر: لم أيأس، أحاول إيجاد مفتاح يساعد على العودة إلى المفاوضات * أبو العلاء يعلن انه لن يلتقي شارون إذا استمرت الإساءات للرئيس عرفات

TT

تسرب الى وسائل الاعلام الاسرائيلية امس، جانب من النقاش الساخن الدائر في المؤسستين السياسية والعسكرية حول اساليب عمل الجيش والحكومة في الاراضي الفلسطينية والتعامل مع السلطة الوطنية ورئيسها، ياسر عرفات. وتبين ان هناك مصادر عسكرية رفيعة المستوى تعارض سياسة رئيس الحكومة، ارييل شارون، ووزير الدفاع بنيامين بن اليعزر، ورئيس اركان الجيش شاؤول موفاز، ونائبه موشيه يعلون. وان النقاش تفاقم، امس وأول من امس، حينما اعلنت تلك الاوساط العسكرية ان عمليات الاجتياح في قطاع غزة في اليومين الاخيرين قد فشلت فشلا ذريعا.

وقالت هذه المصادر بوضوح، ان اقامة حزام امني في المناطق الفلسطينية لن تكون ناجعة، وان تحميل الجيش وحده مسؤولية حل معضلة الارهاب هو خطأ فاحش ودليل قصر نظر وينطوي على هروب الجانب السياسي من تحمل المسؤولية، وانه لا بد من خطط سياسية جريئة تطرح على الساحة، الى جانب الحلول العسكرية، على الاقل.

يذكر ان هذه اول مرة في تاريخ الجيش الاسرائيلي تظهر خلافات حادة، بهذا الزخم وعلى هذا المستوى القيادي الرفيع. ورغم ان الناطق بلسان الجيش حاول التقليل من شأنها ورفض الحديث عن فشل عمليات الاجتياح في غزة، الا ان تسريب النقاش الداخلي كان مقنعاً اكثر، وسيطر على الساحة السياسية والاعلامية امس بالكامل. ولم يستطع احد تجاهله.

يذكر ان عمليات الاجتياح شملت منطقتي بيت حانون وبيت لاهيا شمال قطاع غزة، ودير البلح في جنوبه. وشاركت فيها وحدات قتالية مختارة من الالوية الاساسية: «جولاني» و«حيعاتي» والمدرعات والهندسة القتالية ووحدة كلاب الاثر، والمستعربين والاستخبارات، اضافة الى الغطاء الجوي، وقامت باقتحام مئات المحال والمخازن والبيوت الفلسطينية بحثا عن اسلحة وصواريخ وبطاريات اطلاق وعن مجموعة كبرى من عناصر حماس والجهاد الاسلامي وفتح، الذين تنسب اليهم العمليات العسكرية والانتحارية. وخرجت من كل هذه العملية، وبعد ان اصطدمت مع قوات الامن وقتلت وجرحت العديد منهم، باعتقال 18 مواطنا فلسطينيا، اضطرت الى اطلاق سراحهم جميعا امس بعد ان اتضح ان لا علاقة لهم بالعمليات.

وعليه شنت المصادر العسكرية المذكورة حملتها ضد هذه الهجمة. والوصف المعتدل لها كان «غير ناجحة»، لكن كان هناك من قال انها كانت فاشلة فشلا ذريعا وخطيرا، لانه يمس بسمعة الجيش الاسرائيلي وبقدراته الحربية، ويعطي رسالة سلبية الى الفلسطينيين.

واكد بعض المراقبين المطلعين، انه ليس صدفة ان انسحبت اسرائيل بسرعة من قطاع غزة، بعد ان كانت خططت للبقاء فترة طويلة، وان هذا الانسحاب لم يكن رضوخا لطلب اميركي، كما بدا من كلام وزير الدفاع، بن اليعزر، انما جاء الطلب الاميركي حبل نجاة لاسرائيل اخرجها من مأزق الفشل.

من جهة ثانية، لقي موقف هؤلاء العسكريين تأييدا لدى بعض الوزراء في الحكومة مثل وزراء الخارجية، شيمعون بيريس، والمواصلات، افرايم سنيه (وهو عقيد في جيش الاحتياط)، ووزير العلوم والرياضة، متان فلنائي (وهو ميجر جنرال في جيش الاحتياط) ووزير الزراعة، شاؤول سمحون، وحتى وزير القضاء مئير شطريت من الليكود.

ودعا كل هؤلاء الى التركيز على المبادرة السياسية في هذه المرحلة، وعدم ترك الساحة للجيش. وحاول وزراء الليكود الرد على هذه الاجواء بالاشارة الى ان رئيس الوزراء، ارييل شارون، فتح قناة اتصال مباشر مع الفلسطينيين والتقى محمود عباس (ابو مازن امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وابو علاء (احمد قريع) رئيس المجلس التشريعي وسيلتقيهما مرة اخرى خلال بضعة ايام. وان هذه اللقاءات تمت بمعرفة وبرضى عرفات. وان شارون اتصل شخصيا هاتفيا بعرفات وشكره على الموافقة على الاجتماع.

الا ان ابو علاء وجه لهم صفعة قوية، امس، حين اعلن وزير الخارجية البريطاني جاك سترو وفي ختام لقاءتهما امس في رام الله انه لن يوافق بعد على لقاء شارون، طالما انه يتخذ هذا الموقف العدائي المهين من الرئيس عرفات ويتحدث عن استبداله.

اما وزير الخارجية بيريس فقد عاد واكد ان افضل مخرج من المأزق الحالي هو في قبول اتفاقه مع ابو علاء، الذي يتحدث عن اقامة دولة فلسطينية خلال 8 اشهر وبدء مفاوضات لمدة سنة حول الحل النهائي. وقال ان هذا الاتفاق يحظى بكامل التأييد من اوروبا، وان غالبية نواب حزب العمل تؤيده، والفلسطينيون جميعا يقبلون به، ولم يبق سوى ان يوافق عليه اصحاب القرار الاسرائيلي. وسئل مرة اخرى عن تصريح ابو علاء، بان هذا الاتفاق يتحدث عن حدود 1967 كأساس، فاجاب بيريس: هم يطلبون ذلك. ونحن نقول قراري مجلس الامن الدولي 242 و338. والمسافة بيننا ليست بعيدة. واوروبا تدعم رأيي في هذا المجال.

يذكر ان وزير الخارجية الالماني، يوشكا فيشر، وصل الى اسرائيل بعد ظهر امس قادما من مصر. واعلن انه قادم ليحاول البحث عن مفتاح يعيد الجانبين الى طاولة المفاوضات.

وقال فيشر: «انا لم ايأس من امكانية النجاح في مساعدة الجانبين على العودة الى المفاوضات، رغم ان الاوضاع صعبة جدا».

والتقى فيشر مع سترو، الذي انهى سلسلة لقاءات مع القادة الاسرائيليين والفلسطينيين. واثار غضب الفلسطينيين عندما حمل عرفات مسؤولية عدم وقف اطلاق النار، ولم يحقق اي تقدم.