واشنطن تسعى لتعزيز التعاون الأمني مع سورية و«تغض النظر» عن صادرات النفط العراقي عبرها

TT

احجمت ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش التي تسعى الى تطوير علاقات استخباراتية مع دمشق في اطار الحرب ضد الارهاب، عن الدخول في مواجهة دمشق في موضوع استيرادها للنفط العراقي رغم التقارير التي تتحدث عن زيادة كبيرة في كمياته.

وطبقا لما ذكره محللون صناعيون ومسؤولون في الادارة الاميركية، زادت سورية وارداتها من النفط العراقي اذ تتسلم سورية يوميا كميات تتراوح بين 150 و200 الف برميل من النفط العراقي عبر انبوب دشن العمل فيه في اواخر العام 2000 كما قال هؤلاء ان سورية تدفع للعراق سنويا ما قيمته مليار دولار اميركي لقاء كميات النفط المستوردة، مما يجعل سورية اكبر مصدر فردي لعائدات بغداد خارج اطار برنامج «النفط مقابل الغذاء» الذي يفرض قيودا متشددة على الانفاق العراقي لعائدات النفط.

وتفضل الولايات المتحدة من جانبها مبادرة بريطانية قدمت للامم المتحدة تقضي باخضاع انبوب النفط الذي ينقل النفط الخام العراقي الى سورية لنصوص العقوبات المفروضة على بغداد او اغلاقه كليا، فيما لم يمارس المسؤولون الاميركيون اية ضغوط مباشرة على دمشق بهذا الشأن.

وكان الرئيس جورج بوش قد اعلن ان سعي العراق لتطوير اسلحة الدمار الشامل يشكل واحدا من اكبر الاخطار التي تواجه الولايات المتحدة. رغم ذلك آثرت الادارة الاميركية الا تعمل على منع هذا الخرق لنظام العقوبات المفروض على بغداد، بحجة ان الوقت الآن غير مناسب لهذه الخطوة. واكد مسؤول اميركي ان مسألة انبوب النفط المشار اليه تعتبر «قضية خطيرة ومثيرة للاهتمام» لدى الادارة الاميركية، مستبعدا ان تقدم واشنطن على ما يمكن ان يؤثر على العلاقات بينها ودمشق في الوقت الراهن، مما دفعها للتعامل بصورة واقعية مع هذا الموضوع، على حد تعليقه. وكان جون نيغروبونتي، سفير واشنطن لدى منظمة الامم المتحدة، قد اكد مجددا معارضة الولايات المتحدة لمبيعات النفط العراقي خلال زيارة له الى دمشق الشهر الماضي، بيد ان دبلوماسيين قالوا انه تناول هذه القضية بصورة عارضة. واوضح مسؤولون ان جون بيرنز، مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الاوسط، كان قد اشار باقتضاب الى عدم ارتياح الادارة الاميركية لموضوع صادرات النفط العراقي الى سورية، اذ ان نقاشه تركز بصورة اساسية حول التعاون السوري ـ الاميركي في حرب الولايات المتحدة ضد الارهاب. ورغم ان سورية لا تزال مدرجة على قائمة وزارة الخارجية الاميركية للدول «الراعية للارهاب»، فقد طورت سورية تعاونها مع الولايات المتحدة في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية عن المنظمات المتشددة التي لها صلة باسامة بن لادن، زعيم منظمة «القاعدة». وقد سعت ادارة الرئيس بوش في مطلع توليها مسؤولياتها الى تعزيز العقوبات الاقتصادية المفروضة على بغداد، وهي العقوبات التي فرضت عقب غزو العراق للكويت عام 1990 واقترح وزير الخارجية كولن باول تفعيل القيود ذات الصلة بالعقوبات المفروضة على العراق والعمل مع الدول المجاورة له على تطبيق نظام لمراقبة الحدود لمنع تهريب النفط العراقي وتهريب البضائع الى العراق.

رغم ذلك لم يحقق التركيز على تشديد الرقابة على الحدود نجاحا يذكر، وتقدمت الولايات المتحدة باقتراح فرض عقوبات اكثر فعالية الغرض منها تخفيف القيود المفروضة على البضائع المدنية مع تشديد القيود على البضائع والمواد المحتمل استخدامها في برنامج العراق الخاص بالتسليح، غير ان هذا الاقتراح لم يحقق نجاحا كبيرا. واتجهت الادارة الاميركية عقب ذلك الى اعادة التركيز على الحصول على موافقة من مجلس الامن على اعداد قائمة جديدة ومنقحة بانواع البضائع التي يجب منع العراق من استيرادها بداعي احتمال استخدامها لاغراض عسكرية.

وكان باول قد توقف في دمشق الشهر الماضي والتقى الرئيس بشار الاسد خلال جولة له في عواصم شرق اوسطية في فبراير (شباط) الماضي بغرض دعم اقتراحه الخاص بالعقوبات. وابلغ باول الصحافيين بأن الرئيس الاسد اكد له التزام سورية باخضاع واردات نفطها المستورد من العراق وعائداته لنظام العقوبات الذي حددته الامم المتحدة، بيد ان باول لم يحدد ما اذا سيخضع انبوب النفط (552 ميلا)، الذي يربط العراق وميناء بانياس السوري على البحر المتوسط، لسيطرة الامم المتحدة فورا ام عند اعادة النظر في نظام العقوبات بغرض تجديدها في يونيو (حزيران) الماضي. الحكومة السورية من جانبها اوضحت بانها لم تتعهد بأية التزامات، كما نفت دمشق استيراد كميات كبيرة من النفط العراقي، اذ اكد مسؤولون سوريون ان ما حدث لا يعدو ان تكون عملية اختبار لخط الانابيب لذي ظل مغلقا على مدى19 عاما خلال الحرب العراقية ـ الايرانية. فقد اكد رستم زعبي، سفير سورية لدى الامم المتحدة، ان بلاده تسلمت «بعض الكميات» من النفط العراقي الخام بغرض اختبار خط انابيب نقل النفط، مؤكدا ان الغرض من ذلك كان مجرد تجربة وان سورية لم تدفع اموالا لقاء النفط. واضاف زعبي ان خط الانابيب عندما يصبح جاهزا للعمل، فإن سورية ستتقدم بطلب للامم المتحدة للسماح بتشغيله بموجب برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء والاحتياجات الانسانية الاخرى. واوضح زعبي كذلك ان سورية تعتزم بناء خط انابيب آخر اقل كلفة لنقل النفط العراقي وانها ستشغل هذا الخط طبقا لمتطلبات وشروط منظمة الامم المتحدة، رغم ان دمشق تؤيد رفع العقوبات المفروضة على العراق لتخفيف المعاناة عن الشعب العراقي. واكد زعبي ان سورية ظلت باستمرار ملتزمة بقرارات مجلس الامن وان تجارتها مع العراق قائمة على اساس برنامج «النفط مقابل الغذاء».

من الصعب قياس كميات النفط التي تعبر الحدود العراقية، ولكن بوسع المحللين تقدير حجم النفط العراقي الذي يدخل سورية من خلال ملاحظة الزيادة في صادرات سورية نفسها، ذلك ان النفط العراقي يستخدم للاستهلاك المحلي فيما يصدر النفط السوري العالي الجودة الى الاسواق العالمية. لم يتأكد المحللون كذلك من قيمة ما تدفعه سورية لقاء حصولها على النفط العراقي، بيد ان ثمة تكهنات تقول ان العراق يعرض تخفيضا يتراوح بين دولارين وثلاثة دولارات على البرميل لاغراء دمشق على خرق نظام العقوبات.

ولا تعتبر سورية الدولة الوحيدة التي تخرق هذا النظام، اذا يقول المحللون ان الاردن يستورد يوميا 82 الف برميل على الاقل من النفط العراقي الى جانب منتجات نفطية اخرى خارج اطار برنامج «النفط مقابل الغذاء»، كما تتسلم تركيا يوميا عددا يتراوح ما بين 10 و40 الف برميل يوميا من الديزل العراقي ونفط الوقود الذي يباع في السوق السوداء. وبخلاف سورية، تعتبر كل من الاردن وتركيا دولتين حليفتين للولايات المتحدة ولم يتعرضا سوى لانتقادات اميركية محدودة فقط. لم تحاول الادارة الاميركية وقف النفط العراقي الى سورية بصورة متشددة، فقد قال هنري باركي، الخبير في شؤون العراق بجامعة ليهاي، ان«اولويات الولايات المتحدة تغيرت منذ 11 سبتمبر الماضي».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»