دبلوماسيون غربيون: بوش دمر جهود خاتمي بخطاب «محور الشر»

TT

قال محللون سياسيون ودبلوماسيون غربيون ان ادعاءات الولايات المتحدة بأن ايران تعتبر جزءا من «محور الشر» الداعم للارهاب الدولي، ألحق الضرر بحركة الاصلاح الديمقراطي الفتية في البلاد، مشيرين الى انه موقف يتجاهل المعركة المعقدة التي يخوضها الاصلاحيون ضد المتشددين.

وذكر مراقبون سياسيون ان الاتهام، الذي وجهه الرئيس بوش في خطابه عن «حالة الاتحاد»، وضع المسؤولين الايرانيين الذين تابعوا دراساتهم الجامعية في الغرب في موقف دفاعي وارغمهم على ضم اصواتهم الى رجال الدين المحافظين في ادانة الولايات المتحدة والدفاع عن حكومتهم.

وفي رد فعل لافت للنظر على تعليقات بوش، قاطع عشرات الألوف من المتظاهرين خطابا ألقاه، الاثنين الماضي، الرئيس الايراني محمد خاتمي بهتافات «الموت لاميركا». وعادة ما يطلق ذلك الشعار اثناء الخطابات التي يلقيها رجال الدين المتشددون، وليس بمناسبة خطاب يلقيه الاصلاحي الايراني البارز والمدافع الرئيسي عن تعزيز العلاقات مع الغرب.

ويهيمن خاتمي وحلفاؤه على الاجنحة الادارية المنتخبة للدولة الايرانية، وقد وضع نهجهم التوفيقي المعتدل في القضايا السياسية في السنوات الاخيرة، حداً لعقود من عزلة ايران الدبلوماسية، واصلح من صورتهم السلبية في الخارج. ولكنهم ظلوا محاصرين في معركة يائسة ضد رجال الدين المحافظين، الذين يهيمنون على معظم مواقع السلطة الفعلية، ويعيقون جهود خاتمي لاجراء اصلاحات سياسية واجتماعية ودينية.

ويقول محللون ان رفض ايران الاسبوع الماضي اقتراحاً بريطانياً لتعيين سفير جديد لها في طهران جاء في اعقاب خطاب بوش في التاسع والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي، وبسببه، الى حد ما، واصلت العلاقات بين البلدين الى ادنى مستوى لها منذ ان استأنفا العلاقات الرسمية عام 1998. وجاء الرفض على الرغم من ان المسؤولين البريطانيين ابعدوا انفسهم عن صيغة «محور الشر» التي اطلقها بوش، ليشير الى ان المحافظين الايرانيين يتفوقون، في الوقت الحالي، على الاصلاحيين حتى في الميدان الدولي وفقاً للمحللين الذين اضافوا ان الخطاب شكل حافزا قويا ايضا لجهود ايران والعراق الاخيرة لمعالجة علاقاتهما التي تتسم بعدم الاستقرار.

وقال دبلوماسي غربي في طهران، متحدثا بالهاتف، ان «هذا يلحق ضررا فادحا. انه يضعف خاتمي من دون ريب»، مضيفا ان «ايران شاركت في دبلوماسية بناءة منذ الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) الماضي، شأن آخرين. اما الآن فإن المحافظين يقولون: انظروا، لقد ابلغناكم بأنهم سيلتفون حولكم في نهاية المطاف».

وكانت التوترات بين الاصلاحيين والمحافظين قد بلغت ذرى جديدة حتى قبل خطاب بوش. وقد فسر بعض المحللين ملاحظات بوش باعتبارها اشارة الى ان ادارته تنظر الى خاتمي وحركته الاصلاحية باعتبارها قوة منهكة.

وقال محلل سياسي في طهران طلب عدم الاشارة الى اسمه ان «هذا يقلب، في الواقع، مجرى ما كان يجري بين المحافظين والاصلاحيين» الذين بدا انهم ينتقلون باتجاه مواقف حاسمة بشأن عدد من القضايا، مشيرا الى انه «كانت هناك كل هذه الاشياء المثيرة متواصلة، وجاء جورج بوش وحولها الى حطام. فهم، الآن، جميعا يقفون كتفاً الى كتف».

وقال دبلوماسيون في طهران ان سياسات الولايات المتحدة تجاه ايران تعاني من افتقار الى فهم البلد، وفورة في المعلومات الموثوقة حول المجتمع الايراني وقضاياه السياسية. وكانت الصلات بين البلدين قد انقطعت خلال الثورة الايرانية عام 1979.

ورفض المسؤولون الايرانيون، غاضبين، اتهامات بوش وتحدوا الولايات المتحدة في تقديم دليل يدعم مزاعمها. وعلى الرغم من هذا الانكار يسلم كثير من المحللين الاجانب بأن ايران تسعى الى تطوير اسلحة نووية، ولديها مخزونات احتياطية من الاسلحة الكيماوية.

ويجادل منتقدو مزاعم الولايات المتحدة بأن ايران تقف وراء الارهاب الدولي لصالح التمييز بين الحكومة الايرانية والمتشددين الذين يتصرفون، بجلاء، من دون موافقة او حتى معرفة المسؤولين المنتخبين. وفضلا عن ذلك فإن كثيرا من الدول الاسلامية وبعض حلفاء الولايات المتحدة يقولون ان السبب الرئيسي وراء تحميل ايران مسؤولية دعم الارهاب يعود الى دعمها الجماعات الفلسطينية التي تقاتل اسرائيل. وترى ايران ودول اخرى هذا الدعم باعتباره دعما مشروعا لحركة تحرر وطنية.

ويقول محللون انه من المحتمل ان تكون اية مشاركة رسمية من جانب ايران في الارهاب مقرة، سراً، من قبل مؤسسات تخضع، في النهاية، لهيمنة المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي. فرجال الدين المحافظون يهيمنون، في ظل سلطة خامنئي، على المؤسسات العسكرية والاستخباراتية، والقضاء، ومؤسسات الاذاعة والتلفزيون الحكومية، وهيئات الرقابة الدينية التي غالبا ما تفرض الفيتو على الاصلاحات التي تقرها الحكومة المنتخبة. ويعارض المحافظون، بتصلب، تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.

وبدا ان بوش كان يشير الى المحافظين في خطابه عندما قال «ان ايران تسعى الى هذه الاسلحة، وتصدر الارهاب، بينما تقمع قلة غير منتخبة آمال الشعب الايراني في الحرية».

ويقول بعض المحللين ان هذا التمييز قد يفسر اتهامات الولايات المتحدة الاخيرة بأن ايران ساعدت قادة شبكة «القاعدة» التي يتزعمها اسامة بن لادن على الهروب من افغانستان المجاورة، وانها تغذي المعارضة لحكومة افغانستان المؤقتة عبر دعم الزعماء الاقليميين المستقلين، وانها حاولت شحن 50 طناً من الاسلحة، جرى اعتراض سبيلها الشهر الماضي، الى جماعات فلسطينية تقاتل اسرائيل.

وقال دبلوماسي آخر في طهران انه «قد تكون زمرة او خلية معينة تملك صلات داخل الجناح المتشدد هي التي اخذت على عاتقها القيام بهذا العمل، ولكن بدون موافقة الحكومة او النظام».

وقال سعيد ليلاز، المحرر في صحيفة «نوروز» التي تعتبر الناطق بلسان الحركة الاصلاحية، «لا انكر ان ايران يمكن ان تكون وراء بعض هذه المشاكل، لكنني واثق انه ليس القطاع الرسمي».

واضاف ان «هذا النظام منقسم الى كثير من الاجزاء المستقلة عن بعضها. وكان هذا الانقسام مصدر صراعاتنا خلال السنوات الخمس او الست الاخيرة. ان اغلبية الشعب، والحكومة، والقطاع الرسمي للدولة لا يريدون خلق مشاكل لبقية دول العالم».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»