مواجهة أميركية ـ أفغانية في فندق وسط كابل

TT

حتى الاسبوع الماضي كانت اكبر مشكلة تواجه سليمان فائزي هي التأكد من عدم اشتعال النيران في فندقه الجديد من جراء استخدام النزلاء لمواقدهم التي تعمل بغاز البروبين وتجنب الضغط الزائد على اسلاك الكهرباء الضعيفة اصلا. عقب مواجهة لا تبعث على الارتياح ازاء واقع خلافات الثأر والعدالة في ظل الاوضاع التي اعقبت سقوط نظام طالبان السابق، فكر فائزي مجددا في صواب قراره بمغادرة نيوجيرزي في الاساس بغرض اعادة فتح الفندق الذي تملكه اسرته بالعاصمة كابل التي يعتبر الغدر فيها ممارسة يومية. واحد من اشقاء فائزي لا يزال في سجن كابل المركزي ويعاني من آثار الضرب الذي تعرض له من قبل بعض الجنود، فيما خرج شقيق آخر له من المستشفى لتوه بعد ان خضع فيها للعلاج من آثار ارتجاج في الرأس وكدمات في الوجه والكلى سببها له افراد في القوات الحكومية. اما والدهم الطاعن في السن، فيشعر بالقلق ازاء احتمال حدوث ما هو اسوأ من ذلك.

هذا، للاسف، ما يحدث عندما يجد اشخاص مثل افراد اسرة فائزي انفسهم امام مكائد مجموعة من التجار الافغان الذين تربط بينهم صلات وثيقة.

يواجه الاميركيون من اصل افغاني الذين ينتمون لاسرة فائزي معركة امام تجار كابل لتحديد الطرف الذي بوسعه ابراز عضلاته واثبات فعالية علاقته السياسية مع مختلف الدوائر. طرفا هذه المعركة هم تاجيك اميركا وتاجيك وادي بانشير الواقع تحت سيطرة «تحالف الشمال» شمال العاصمة كابل. قال فائزي وهو يتحدث في قاعة الاستقبال بالطابق الثاني فوق المحلات التجارية المغلقة، انهم ليسوا في الولايات المتحدة الآن وانما في كابل حيث تكمن محددات القوة والنفوذ في العشيرة التي يعرفها الشخص وقوة علاقاته بمختلف الجهات لا سيما تلك التي تمارس سلطة حقيقية. واندلعت المشكلة بعد ظهر أحد ايام الاسبوع الماضي عندما ارسل فائزي شقيقه الاكبر مصطفي، المعروف بانفعاله السريع، لمواجهة اربعة تجار يشغلون محلات تقع في الطابق الارضي من فندق الاسرة الذي اعيد فتحه في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لاول مرة منذ عام .1979 قال مصطفى ان التجار مدينون لهم بايجار اربع سنوات سابقة لم يجر تحصيلها ابان فترة حكم طالبان السابق. اختلف مصطفى مع المستأجرين الذين هاجموه، وتحت تأثير الغضب والانفعال استخدم مصطفى مضرب هوكي يعود لواحد من شقيقيه الذين كانا في نيوجيرزي وهشم زجاج المحلات المؤجرة للتجار على اعتبار ان زجاج هذه المتاجر ملك لاسرته. ويقول اشقاؤه ان مصطفى سلم نفسه للشرطة بعد ان هدأت اعصابه، غير ان التجار من جانبهم استعانوا بشقيق زميل لهم يعمل في وزارة الداخلية التي يسيطر عليها تاجيك قوات «تحالف الشمال» المتحدرين من منطقة وادي بانجشير. وسرعان ما وصلت الى الفندق قوة من جنود التحالف الذين يعملون في وزارة الداخلية التي تفصل بينها والفندق عمارتان فقط. وتقول اسرة فائزي ان الجنود والتجار اقتحموا الفندق وحاولوا اقتياد الأب (72 عاما) الذي كان تحت حماية ابنه واعظ، الذي كان يعمل مديرا للمبيعات في معرض لبيع سيارات نيسان بمقاطعة بيرجين بولاية نيوجيرزي. قال واعظ لافراد الشرطة والتجار الذين اقتحموا الفندق انه لن يسمح لهم باقتياد والده حتى اذا ادى ذلك لموته.

وواجه الابن مجموعة المهاجمين متحدثا معهم بلغة الدراي بطلاقة مستخدما في نفس الوقت سيلا من اللعنات بنفس الطلاقة. ربما يكون واعظ (31 عاما) اميركيا أفغاني الاصل، لكنه واجه المجموعة ويعرف جيدا كيف يواجه مثل هذه المواقف. وافق افراد المجموعة على عدم اقتياد الوالد الطاعن في السن، لكنهم ابلغوا واعظ بأنهم سيقتادونه بدلا عن والده ووصلوا بالفعل الى الشارع في الوقت الذي عاد فيه شقيقه مصطفى من قسم الشرطة المجاور. واندلعت مشاجرة عنيفة زعم ان مصطفى طعن خلالها ثلاثة اشخاص، ويقول ابناء فائزي انهم كانوا في حالة دفاع عن النفس مؤكدين ان الاصابات التي وقعت لم تكن سوى جروح سطحية. وطبقا لما ذكره افراد الاسرة، فإن مصطفى تعرض للصفع والركل كما تعرض للضرب بعقب بندقية كان يحملها واحد من الجنود ثم اقتيد بعد ذلك الى مبنى وزارة الداخلية حيث تعرض للمزيد من الضرب، حسب تأكيد افراد اسرته.

ليس هناك مجال لأدنى خلاف أو مغالطة لأن ما حدث عقب ذلك، لسوء حظ الجنود، جرى امام عدد من الصحافيين الذين كانوا نزلاء بالفندق من بينهم دان آليكس مراسل «راديو اوروبا الحر» الذي كان يقف في احدى الشرفات وفي يده كاميرا فيديو، اذ ظهر بوضوح في الفيلم الذي صوره آليكس الضرب الذي تعرض له واعظ وهو يغطي وجهه بيديه. فقد تعرض للضرب على رأسه بعقب بندقية قبل ان يواجه سيلا من الصفع والركل والجنود يقتادونه الى سيارة متوقفة نقل بها. خلال عملية الضرب والركل التي تعرض لها واعظ، ظهرت في شريط الفيديو شاحنة تقل عددا من الافراد التابعين للقوات الدولية المعنية بالمساعدة في حفظ الامن وهي تسير ببطء على بعد بضعة ياردات فقط من الجنود، بيد ان الشاحنة لم تتوقف مطلقا. قال واعظ انه تعرض للمزيد من الصفع بواسطة واحد من القادة المسؤولين بوزارة الداخلية. عض المسؤول كذلك اصبع واعظ ثم دخلت بصورة مفاجئة مجموعة تضم اكثر من عشرة جنود اشبعت واعظ ضربا وركلا. اطلق سراح واعظ مساء ذلك اليوم وقد ظهرت على وجهه آثار الضرب المبرح كما كان يعاني من ورم في جبهته وآلام في الكلى. يقول واعظ انه كان يشعر وكأنه خاض عشر جولات ملاكمة مع مايك تايسون. ويقول افراد الاسرة ان الجنود دخلوا في مواجهة مجددا مع سليمان فائزي (34 عاما)، الذي هب لحماية والده، عندما كان شقيقاه في الحبس، وقال سليمان انه طعن في يده عندما كان وافراد الطاقم العامل في الفندق يحاولون صد الجنود والتجار المهاجمين. وفي نهاية الامر غادر الجنود دون ان ينجحوا في اصطحاب فائزي الأب.

زادت المشكلة تعقيدا بالابقاء على مصطفى فائزي (39 عاما)، الذي نشأ في افغانستان، رهن الحبس فيما اطلق سراح شقيقيه واعظ وسليمان، اللذين نشآ في الولايات المتحدة واصبحا مواطنين اميركيين. اتصل سليمان وواعظ هاتفيا في تلك الليلة باقارب لهم في الولايات المتحدة وذكرا ان لهم صلات بوزارة الخارجية الاميركية ومنظمة الامم المتحدة وعلاقات مع شقيق رئيس الحكومة الافغانية المؤقتة حميد كرزاي. واتجه واعظ وسليمان صباح اليوم التالي الى سفارة الولايات المتحدة بكابل، بيد ان مسؤولي الامن في السفارة ابلغوهما بأن تحذيرا رسميا صدر للاميركيين بعدم الحضور الى افغانستان.

وقال متحدث باسم السفارة الاميركية في العاصمة كابل، طلب عدم الكشف عن هويته، ان وزارة الخارجية الاميركية اصدرت تحذيرا للاميركيين بتجنب السفر الى افغانستان، واضاف ان المواطنين الاميركيين «اذا قرروا العمل في المجال التجاري في منطقة تكثر فيها المخاطر ولا تزال تعتبر منطقة حرب، كما هو الحال في افغانستان، فإن امكانيات الولايات المتحدة في مساعدتهم محدودة للغاية في حال تعرض هؤلاء المواطنين الى اية مشاكل».

وقال المتحدث ان حادثة مماثلة اذا وقعت في باريس، على سبيل المثال، فإن السفارة الاميركية ستوجه المواطن الاميركي فيما يتعلق بكتابة شكوى رسمية «الجهات المحلية المناسبة»، الا ان «الجهات المحلية المناسبة» في حالة واعظ كانت لسوء الحظ وزارة الداخلية الافغانية.

لم يكتف واعظ وسليمان بذلك بل اعتمدا على العلاقات الواسعة التي كونها والدهما، الذي يملك الكثير من العقارات المحلية، ونجحا في ترتيب مقابلة مع حامد كرزاي، رئيس الحكومة الافغانية المؤقتة، الذي لا يعتبر طرفا، من ناحية نظرية على الاقل، في الصراع داخل اوساط التاجيك بحكم اصله البشتوني. وطبقا لما ذكره واعظ وسليمان فائزي، فإن كرزاي اعتذر لهما واعدا اياهما بعزل مسؤول وزارة الداخلية الذي قاد مجموعة الجنود. فرغم المحنة والمعاناة التي تعرض لها، تمكن واعظ من كتابة اسم المسؤول على راحة يده. وقال الشقيقان ان كرزاي ارسلهما للحديث مع مسؤولي وزارة الداخلية بشأن اطلاق سراح شقيقهما مصطفى. كان تعامل المسؤولين في بادئ الامر استرضائيا، لكنهم اقتادوا الشقيقين الى ذات الغرف التي قال واعظ انه تعرض فيها للكم والركل. وذكر كل من واعظ وسليمان كذلك ان مسؤولي وزارة الداخلية انتقدوهما بعنف على رفع الشكوى للسفارة الاميركية ورئيس الوزراء، لأن هذه، حسبما ابلغهما المسؤولون، «طريقة خاطئة للتعامل مع مثل هذه الاشياء». يقول سليمان، الذي كان يعمل مديرا عاما لواحد من فروع توزيع سيارات نيسان بجيرزي، ان طريقة التعامل الصحيحة في هذه الحالة حسب المنطق السائد في كابل هي «السكوت على ما حدث والرشوة لحصول الشخص على ما يريد». فحتى الوقت الذي كان يتحدث فيه سليمان لم يجر عزل قائد المجموعة التي اقتحمت فندق فائزي مع عدد من التجار، كما لم يطلق سراح مصطفى بل جرى تحويله الى سجن المدينة المعروف برطوبته الشديدة. ويعتقد سليمان ان ما حدث يعتبر دليلا على ان كرزاي لا يسيطر على حكومته وان وزارة الداخلية يديرها التاجيك المنتمون لمنطقة بانشير وهؤلاء، طبقا لوجهة نظره، «ليسوا مسؤولين امام احد».

يضاف الى ما سبق ان طلبا مكتوبا حول التعليق على ادعاءات اسرة فائزي سلم لمسؤولي وزارة الداخلية في كابل الاسبوع الماضي، ولكن لم يجر الرد عليه حتى يوم الاربعاء الماضي. وعندما حاول صحافي اجراء لقاء مع مسؤولي وزارة الداخلية ابلغ بأن احدا لن يوافق على اجراء أي لقاء معه، أما السبب فهو ان الصحافي المذكور من نزلاء فندق مصطفى.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط» =