النيابة الأردنية تحقق في أكبر فضيحة مالية بطلها الأول رجل أعمال والمتهمون مسؤولون وضباط استخبارات

الملك عبد الله يتدخل لإحالة قضية الشمايلة المختفي بـ113 مليون دولار إلى محكمة أمن الدول بعد تزويره أختام ووثائق المخابرات

TT

منذ 3 أسابيع، والقطاع المصرفي بالأردن في حالة قلق من أزمة تنبئ بتوابع متنوعة، وجاءت من شاب، بالكاد يبلغ عمره 31 سنة، متهم بأنه استطاع القيام باحدى أكبر عمليات الاحتيال المالي في المملكة الهاشمية، الى درجة شغلت بال العاهل الأردني، الملك عبد الله، وحملته على التدخل شخصيا منذ يومين، فأوعز الى رئيس وزرائه، علي أبو الراغب، ليتعاون مع مدير المخابرات العامة ومع حاكم البنك المركزي، الدكتور أمية طوقان، لاحتواء ما فعله رجل الأعمال الشاب، مجد سامي الشمايلة، عبر تحويل قضيته بدءا من اليوم الى النائب العام لدى محكمة أمن الدولة.

وتشمل القضية التي تضم 23 اسما التحقيق مع عضو مجلس الأعيان الحالي ومستشار الملك عبد الله ومدير المخابرات السابق، الفريق أول المتقاعد سميح البطيخي، وكذلك زهير زنونة، وزير الزراعة السابق، بالاضافة الى لواء سابق بجهاز المخابرات ومجهول الهوية حاليا، وكذلك 3 من كبار ضباط المخابرات، الى جانب رئيس بنك الأردن والخليج، نبيل بركات، ورئيس بنك الصادرات والتمويل، علي الحصري، ومعهم نجل النائب السابق لرئيس وزراء سابق، المحامي ناصر سالم مساعدة، الفار مع مجد الشمايلة، وكانت انباء هذه القضية ادت الى اثارة القلق بين أصحاب الودائع في البنوك وأدت في الأسابيع الأخيرة الى هبوط أسهم البنوك المخدوعة حتى 20 بالمائة تقريبا، بسبب التأخر الرسمي عن نفي أو تأكيد ما حدث، وهددت سمعة 21 مصرفا يتكون منها القطاع.

وكان الشمايلة حصل على تسهيلات مصرفية وقروض من 4 بنوك طوال أكثر من 3 سنوات مضت، ومن بينها البنك الأهلي الأردني، المسؤول عن ادارته التنفيذية المصرفي واصف عازار، مستخدما في طلبات الائتمان والقروض وثائق تعود للمخابرات الأردنية، بعد أن قام بتزويرها وتزوير الأختام المفترض أن تكون عليها، بحيث اقتنع القيّمون على المصارف المخدوعة بأنه يقوم بأكثر المشاريع ربحية لشركة «غلوبال بزنس» التي يملكها، وصاحبة وكالتي شركتي «آي.بي.إم» و«إيه.دي.آي» لأنظمة وبرامج الكومبيوترات التي أسسها مع آخرين، وهو اقامة نظام معلوماتية للمقر العام للمخابرات الأردنية. الا أنه ما أن استكمل الحصول على القروض وما تأتيه به التسهيلات الائتمانية، التي دفع بعضها عند الاستحقاق، حتى لاذ بالفرار مع اثنين آخرين بما لم يستحق دفعه بعد، وقيمته بين 70 و80 مليون دينار، أي ما معدله 113 مليونا من الدولارات، ويعتقد ان هؤلاء الآن في أستراليا أو روسيا أو كوبا أو فنزويلا، ويتنقلون من إحداها بسرعة في عدد من عواصم دول الجوار، ليتجنبوا اتخاذ اجراءات قضائية ضدهم في الخارج، وفق ما قالته وكالة الأنباء الأردنية أمس في أول خبر واضح عما ظل 3 أسابيع غامضا.

والخطوة الحيوية الوحيدة التي أفادت منها البنوك المبتلاة بالعملية حتى الآن، هي حصولها على أحكام قضائية سريعة بالحجز التحفظي على أموال الشمايلة، المنقولة وغير المنقولة، ومنها أراض يملكها وعقارات في الأردن، غير معروفة القيمة تماما. كما طلبت هيئة الأوراق المالية من بورصة عمان، بناء على حكم قضائي أيضا، تنفيذ حجوزات تحفظية على ما لديه من أسهم متنوعة، وتقدر نسبتها الى ما اقترضه بما يساوي من الجمل أذنه، أي تقريبا مليونين و200 ألف دولار، علما بأن أكثر من23 شخصا، مجهولي الهوية، الا لقلة من المسؤولين الأمنيين والمصرفيين في الأردن، سيتم التحقيق معهم.

وكانت البنوك منحت القروض والتسهيلات الى مجموعة رجال أعمال تكاتفوا على تأسيس كونسورسيوم محلي، على رأسهم الشمايلة، الذي حصل على القروض، مستخدما علاقات نافذين سابقين في جهاز المخابرات العامة، ومنهم البطيخي، المعتبر أهم من يشملهم التحقيق.

ويذكر ان البطيخي تولى منصب مدير المخابرات في عام 1996، خلفا لسلفه في المنصب، مصطفى القيسي، الى أن أحاله الملك عبد الله الى التقاعد منذ عام ونصف العام، وأبقى على مسؤوليته كمستشار له، ليقوم بتعيينه بعدها بأشهر عضوا في مجلس الأعيان.

وقال مصدر إن نقاشات حادة عصفت الأسبوع الماضي خلال جلسة ضمت مسؤولين سياسيين واقتصاديين كبارا في الأردن، مع اثنين من المسؤولين في جهاز المخابرات وآخر من البنك المركزي بمقر بورصة عمان، ووصل صداها الى الملك عبد الله فيما بعد، وتطرقت الى الوضع الذي يعيشه القطاع المصرفي من قلق أصاب أصحاب الودائع في البنوك وحملة الأسهم في البورصة، بسبب التلكؤ في الاعلان عن عملية الاحتيال وتفاصيلها، مما أشاع الكثير من الأنباء التي أدت الى المزيد من البلبلة «وكانت هناك ضغوطات على المسؤولين في المخابرات بأن لا يقفوا حجر عثرة أمام ذلك (...) وبعدها رست النقاشات والمشاورات على تسريب التفاصيل على مراحل لوسائل الاعلام المحلية» كما قال المصدر.

وقد اتصلت «الشرق الأوسط» أمس بسفارتين للأردن، إحداهما في موسكو، للتأكد من معلومات بثتها وكالة الصحافة الفرنسية عن امكانية وجود الشمايلة وزميليه في العاصمة الروسية. الا أن من تحدثت اليه في السفارة أكد عدم معرفته بوجوده هناك.

وتعهدت الحكومة الأردنية أمس بأن يطال التحقيق والمساءلة أي مسؤول حكومي يتضح أن له علاقة بالقضية. وكان رئيس الوزراء الأردني، علي ابو الراغب، أبلغ «الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي أن حجم الديون المتعثرة هو تحت سيطرة ورقابة وتحقيق البنك المركزي منذ أكثر من 4 أشهر، وأن تأثيراتها تنحصر في حقوق المساهمين في البنوك المشتركة فيها، من دون المساس بحقوق المودعين، في وقت قدر مصرفي أردني، من أحد البنوك الأربعة، ممن لن يشملهم التحقيق، حجم التعاملات التي قام بها الشمايلة في السنوات الماضية بين 250 و300 مليون دينار، مضيفا أنه سدد 68 في المائة من اجمالي التسهيلات التي حصل عليها من البنك، والمقدرة بحوالي 100 مليون دولار، وأن الشمايلة يملك أكثر من 100 قطعة متنوعة المساحات والقيم، بالاضافة الى عقارات.

كما ذكر الخبير المصرفي المعروف، زياد الباشا، لـ «الشرق الأوسط» أمس أن ما قام به الملك عبد الله والحكومة في احالة المشتبه فيهم الى محكمة أمن الدولة «فاق التوقعات وشكل بداية لنهج نأمل أن يستمر» على حد تعبيره.

=