الحريري: إلغاء الحماية للاحتكار لم يطلبه السوريون والخطوة التالية الخلاص من إيجارات الأبنية الحكومية

TT

قال رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري لزواره امس انه كان يرغب بقوة في ان يأخذ النقاش في موضوع الغاء الحماية القانونية للوكالات التجارية الحصرية وقته في مختلف الاوساط قبل عرضه واقراره في جلسة مجلس الوزراء مساء اول من امس، لكن الطريقة التي تعاطى بها بعض السياسيين والاقتصاديين مع هذا الموضوع التي ذهبت بهم الى حد الاثارة الطائفية والمذهبية وتصوير الامر وكأنه استهداف لفئة من اللبنانيين، هو الذي شجعه على استعجال اقراره وارساله الى مجلس النواب.

ولفت الحريري الى ان بعض هؤلاء راح يغمز من قناته ويتهمه شخصياً بأنه يريد ان يستهدف من خلاله طائفة او فريقاً من اللبنانيين، وهذا ما شجعه اكثر على طرح الموضوع في مجلس الوزراء. واكد ان «ليس صحيحاً ان الوكالات الحصرية مقتصرة على فئة من اللبنانيين بل على العكس فانها تشمل تجاراً من المسلمين والمسيحيين». واشار الى حديث البعض عن ان اقرار هذا المشروع انما كان بطلب من سورية والاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي، وقال «ان هذا الكلام غير صحيح على الاطلاق، وان ما فعلناه في شأن الغاء الحماية القانونية للوكالات التجارية الحصرية وتحرير سوق النفط وكذلك تحرير استيراد الدواء انما فعلناه لمصلحة البلد وليس لمصلحة اي فريق او طائفة او جهة دولية ومن العيب تصوير الامر على عكس ذلك».

ونقل زوار الحريري عنه تفاؤله بهذه الخطوات الاقتصادية لجهة ما يمكن ان تحققه من فوائد للبنانيين لانها تفتح خيارات كثيرة امامهم في المجال الاستهلاكي، واكد ان حكومته ستتخذ مزيداً من الخطوات، منها اتاحة استخدام الاسماء التجارية للادوية امام جميع المعنيين من تجار ادوية ومؤسسات رسمية وغير رسمية بما يساعد على انخفاض اسعار الادوية علماً ان مجلس الوزراء قرر في جلسته مساء اول من امس فتح باب استيراد الادوية، امام الجميع، وقرر تعديل المادة 80 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة لجهة السماح للصيدلي ببيع الادوية بأدنى من السعر الذي تحدده وزارة الصحة اللبنانية، مما يؤدي الى منافسة بين الصيادلة لجهة بيع الادوية للمرضى بأسعار رخيصة.

وكشف الحريري لزواره ان حكومته ستعمل في اطار الخطوات التي تتخذها لضبط الانفاق وبالتالي تخفيض عجز الموازنة، وتفكر في تأسيس هيئة تتولى شؤون الاستملاكات وشؤون الاملاك العامة من اجل تشييد ابنية حكومية بغية التخلص من العبء المالي الكبير الذي تعاني منه الدولة من جراء الايجارات التي تدفعها مقابل اشغال ادارات رسمية كثيرة ابنية مستأجرة.

الى ذلك قالت مصادر وزارية لـ«الشرق الاوسط» ان قلة من الوزراء عارضت مشروع قانون الغاء الحماية القانونية للوكالات الحصرية، لكن معارضتهما لم تكن سلبية في المطلق وانما جاءت في جانب منها مراعية لمشاعر معينة اثارتها مجموعة من الاقتصاديين.

واعترف احد الوزراء بأن بعض زملائه ارتكبوا اخطاء في تسويق المشروع، اذ سوقوه على انه مشروع يرمي الى الغاء الوكالات التجارية الحصرية، بينما هو مشروع لالغاء الحماية القانونية التي تؤمنها الدولة لاصحاب هذه الوكالات والتي تجعل منها شرطياً مهمته فقط منع اي تاجر من استيراد او تهريب سلع من الخارج الى لبنان يتولى وكيل حصري معتمد لدى الشركة التي تصنع هذه السلعة ادخالها وتسويقها على الاراضي اللبنانية، وعندما تلغى الحماية القانونية للوكيل، يصبح وكيلاً معتمداً وليس حصرياً، وفي هذه الحال تصبح الشركة التي اعتمدته هي الحامي له وليس الدولة التي ينتمي اليها.

وساهمت مداخلة قانونية قدمها وزير الدولة بهيج طبارة (الذي عمل وزيراً للعدل في الحكومات التي شكلها الرئيس الحريري بين خريف العام 1992 والعام 1998) في توضيح بعض الجوانب الغامضة في المشروع، مما خفف من اعتراضات الوزراء المعترضين وهم وزير الاصلاح الاداري فؤاد السعد ووزراء الدولة بيار حلو وميشال فرعون وطلال ارسلان ووزير الصناعة جورج افرام، في حين أيّد نائب رئيس مجلس الوزراء عصام فارس المشروع لكنه شدد على وجوب تعديل المرسوم الاشتراعي الرقم 35 الصادر عام 1967 الذي ينظم الوكالات التجارية الحصرية. وقال انه «اذ يعارض الغاء التمثيل التجاري، فانه يدعو في المقابل الى الغاء الحماية القانونية لكل الوكالات الحصرية في كل القطاعات حتى لا يكون هناك اي احتكار في اي قطاع». ثم كانت كلمة للحريري شرح فيها كيف انه التزم الصمت ازاء الحملة التي تعرض لها شخصياً لدى طرح المشروع واستغرب ما قيل من كلام من ان هذا المشروع «طلبته منه سورية واوروبا التي وقّع اتفاق شراكة معها وصندوق النقد الدولي». وفي هذا المجال اكد الحريري لزواره ان هذا الكلام ليس صحيحاً اطلاقاً، وتساءل عما تستفيد منه سورية او الاتحاد الاوروبي او صندوق النقد الدولي من خطوة اقتصادية هي محض لبنانية، غايتها توسيع الاقتصاد اللبناني وجعل لبنان مركزاً للتسوق في المنطقة، مما يتيح مزيداً من فرص العمل ويعزز قطاع الاستثمار. واكد «ان هذا المشروع طلبه الشعب اللبناني وغايته خدمة مصلحة هذا الشعب اولاً واخيراً».

وذهب وزراء ونواب الى تشبيه القرارات الحكومية المتعلقة بالغاء الحماية القانونية للاحتكارات بأنه مثابة تصفية لتركة النظام السابق الذي كان قائماً قبل التوصل الى وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ «اتفاق الطائف» والتي انبثق منها دستور الجمهورية اللبنانية الثانية الحالية. وأكد هؤلاء ان «الحصرية كانت عنصراً اساسياً من عناصر قوة ذلك النظام في مواجهة كل الذين عملوا على اصلاحه».

واشاروا الى ان كسر الاحتكار كان مطلباً دائماً لكثير من القوى السياسية اللبنانية الحزبية اليسارية وغير الحزبية التي انضوت في اطار ما سمي الحركة الوطنية وفي خارجها، وان اول من طرح هذا الموضوع كان وزير العمل الراحل اللواء جميل لحود والد الرئيس اللبناني اميل لحود عام 1964.

وقد لفت الرئيس لحود الى هذه الواقعة في المداخلة التي ختم النقاش في هذا المشروع خلال جلسة مجلس الوزراء مساء اول من امس، فقال ان والده لُقبَ على اثر موقفه هذا بـ «الجنرال الاحمر».

غير ان مداخلة الرئيس لحود التي ايد فيها المشروع تأكيداً على التزامه نهج والده الراحل، تميزت بأنها كرست التوجه الحكومي الى تحقيق هذه الخطوة. فإلى تأكيده «ان احداً لا يمكنه ان يعارض منع الاحتكار» شدد على وضع مشروع متكامل في هذا الصدد يلغي التمثيل التجاري وينظم عملية المنافسة ويمنع الاحتكار ويحدد ضوابط تحمي المستهلك وتحول دون اعتماد سياسة اغراق الاسواق بسلع لا تتوافر فيها مواصفات النوعية والجودة. ودعا لحود الوزراء المعنيين الى اعداد مشاريع قوانين بهذا المعنى، وتفعيل عمل مصلحة حماية المستهلك واشراك المنظمات الاهلية غير الحكومية في هذ المضمار، لان هذه المنظمات تستطيع مساعدة الدولة واجهزتها المختصة في ضبط الغش ومنعه.

في اي حال فان مشروع القانون القاضي بالغاء الحماية القانونية للوكالات الحصرية سيبدأ تنفيذه بعد ثلاثة اشهر من تاريخ اقراره قريباً في مجلس النواب وهو يلحظ تعويضاً للتجار الذين ستلغى الحماية القانونية لوكالاتهم الحصرية، مقداره خمسة في المائة من ارباح مبيعات التجار الذين سيتاح لهم استيراد بضائع مماثلة للبضائع التي يستوردونها بموجب وكالاتهم هذه.

ومن جهة اخرى سافر الحريري امس الى الرياض، وكان في استقباله بمطار الملك خالد الدولي وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء ورئيس المؤسسة العامة للموانئ الدكتور عبد العزيز بن ابراهيم المانع ومندوب عن المراسيم الملكية.

وقد علم ان زيارته تتمحور حول الاستعدادات للقمة العربية التي ستعقد في اواخر مارس (اذار) المقبل في بيروت، كما ذكر الوفد المرافق.