شبان روس يفوزون مؤقتا بخدمة بديلة للخدمة العسكرية

TT

نيجني نوفغورود (روسيا) ـ رويترز: في غرفة رطبة بأحد مستشفيات نيجني نوفغورود الروسية يمسح فلاديمير كوروتشكين (24 سنة) مشمع الارضية الاحمر المتهالك بحماس وتفان... وفي الطابق الاسفل مباشرة ينقل اليكسي ليبيديف (23 سنة) وايفان متلاكوف (20 سنة) بحرص نقالة حديدية ثقيلة في عنبر مكتظ وسط مقاعد متحركة وامتعة المرضى.

الشبان الثلاثة كانوا قد تلقوا اوراق استدعائهم للخدمة العسكرية من مكتب التجنيد في العام الماضي. لكنه سمح لهم و17 اخرين من نيجني نوفغورود (غوركي سابقاً)، التي تقع على نهر الفولغا على بعد 500 كيلومتر شرقي موسكو، باداء واجبهم الوطني في مستشفى بدلا من الجيش خلافا لاقرانهم من الاجيال السابقة.

فقد اصبحت نيجني نوفغورود، ثالث كبرى مدن روسيا، ومعقل الليبرالية فيها اليوم، اول مدينة روسية تسمح لشبان يرفضون الخدمة العسكرية بسبب معتقدات دينية او متعلقة بالسلام باختيار بدائل. وكانت تقارير لا حصر لها عن وفيات حدثت لاسباب غير قتالية في القوات المسلحة بعد الحقبة السوفياتية قد حوّلت الاهتمام السياسي للتركيز على مسألة التجنيد الاجباري والسبل البديلة لاداء «الواجب الوطني».

المجند متلاكوف قال عن وضعه «لا اريد ان احمل السلاح. وعندما قلت ذلك لمكتب التجنيد دعوني لأن اخدم في وزارة الطوارئ ...لكنني رفضت. ففي وزارة الطوارئ سانقذ ارواحاً في مرة وفي مرة تالية ساطلق النار على الناس». وتابع المحند «لا يمكن الثقة في قوانينا» مضيفا انه يخشى الا يحول حتى تجنيده في الكتيبة الطبية في الوزارة دون انجراره للقوات المسلحة في وقت لاحق.

الجدير بالذكر انه في حين يصون الدستور الروسي منذ عام 1993 حق الخدمة البديلة لا يوجد قانون يحدد شروط الخدمة الوطنية غير العسكرية، وهو ما يترك كثيرين من المجندين إجبارياً تحت رحمة احكام المحاكم التي تختلف من حالة لاخرى. وتصميم رئيس بلدية نيجني نوفغورود، وحده، على السماح للشبان العشرين باداء خدمتهم في المستشفى هو الذي عوّض غياب القواعد القانونية.

ففي هذه المدينة، بفضل قانون محلي يؤدي الشبان منذ يناير (كانون الثاني) الماضي باداء اي عمل شاق لا تستطيع الممرضات القيام به مقابل راتب شهري مقداره 500 روبل (16 دولارا) تدفعها ادارة المستشفى. ولكن في ظل غياب اطار قانوني يحدد طول مدة الخدمة ليس للمجندين في مهام غير عسكرية فكرة واضحة عن مدة خدمتهم ولا عن التزاماتهم في اطارها. وكل ما يعرفونه هو انه لن يتوجب عليهم الالتحاق بصفوف الجيش او المخاطرة بارسالهم الى الشيشان حيث قتل لتاريخه الاف المجندين غير المدربين.

اما فسيفولود كيوربين (24 سنة)، من القسم الذي يتعامل مع مرضى الغنغرينا بالمستشفى حيث يعمل، فقال «لا اخشى (الجيش) لكنني لا اريد ان احمل سلاحا وحسب... ولقد ابلغت (مكتب التجنيد) بانني لا ارغب في ان اخدم في الجيش لكنني ما زلت ارغب في خدمة بلدي». واردف «...ساذهب لموسكو للدفاع عن قضيتنا» آملاً في تغيير اراء البرلمانيين قبل ان يصل مشروع قانون تدعمه الحكومة للبرلمان من المتوقع ان يكون «حلاً وسطاً» بين مشروع وزارة الدفاع ومشاريع قوانين اكثر تحرراً.

وحول المخاوف من حصول تراجع، قالت ناتاليا زكوفا من «لجنة امهات المجندين في نيجني نوفغورود»، وهي شبكة نسائية تضغط على الحكومة للاسراع بخطط إلغاء التجنيد الاجباري ان «خدمة بديلة مدتها اربع سنوات لن تتيح للشبان حرية الاختيار».

مع الاشارة الى انه منذ اقرار اعلان حقوق الانسان في روسيا عام 1991 وقضية وضع خدمة إجبارية او إلزامية بديلة للخدمة العسكرية في روسيا موضع سجال لا ينتهي.

اذ اعتبرت حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحالية الموضوع خطوة حقيقية نحو صراع عسكري واسع النطاق، فضغطت على مجلس النواب (الدوما) لسن قانون قبل فتح باب التجنيد في الربيع. غير ان «الدوما» مازال يزال ينتظر مشروع قانون الحكومة رغم تسليط الضوء على تجربة نيجني نوفغورود. ولا تقتصر نقاط الخلاف الرئيسية بين مشروع الجيش ومقترحات النواب الليبراليين فقط على طول مدة الخدمة البديلة وانما ايضا تشمل مكان الخدمة وتمويل المجندين. لكن من المرجح ان تستمر الصعوبات التي تواجه ادارة المستشفى في نيجني نوفغورود بينما يقف الجيش الذي يخشى فقدان المجندين في طريق اي اصلاحات مقترحة.

والسيناريو الاسوأ بالنسبة لكيوربين وزملائه المجندين الرافضين الانخراط في الخدمة العسكرية الفعلية هو تطبيق قانون يستند الى مشروع قانون تجنيد اعدته وزارة الدفاع يقترح «خدمة بديلة» مدتها اربع سنوات اي ضعف مدة الخدمة العسكرية العادية.