أموال «القاعدة» وطالبان تحولت إلى سبائك ذهب بعد سقوط المدن الأفغانية ثم نشرت في العالم

ملايين الدولارات نقلت بواسطة مسافرين او بحوالات من كراتشي إلى دبي ثم إلى بقية العالم بما في ذلك أميركا

TT

مع اقتحام الولايات المتحدة وحلفائها لأهم المدن الأفغانية خلال الخريف الماضي، تمكنت حركة طالبان وتنظيم القاعدة الذي يتزعمه اسامة بن لادن من تهريب كميات من الذهب ومبالغ من الدولارات الأميركية عبر الحدود باتجاه باكستان.

ووفقاً لمصادر مطلعة فان الذهب والمال، الذي تم سحبه من المصارف والصناديق المالية الأفغانية، وكان موضوعاً في محلات تجارية صغيرة على طول الحدود، نقل بواسطة رجال تثق فيهم طالبان والقاعدة الى مدينة كراتشي الباكستانية. وفيما بعد تم تحويل هذه المبالغ بواسطة مسافرين ومن خلال نظام الحوالات، وبطريقة لا يمكن رصدها الى دبي في دولة الامارات العربية، حيث تم تحويلها جميعاً الى سبائك ذهبية. وفيما بعد تم نشر اموال طالبان والقاعدة في انحاء من العالم ـ بما فيها بعض المبالغ التي ذهبت الى الولايات المتحدة ـ عبر بنية مالية لم تتأثر كثيراً بالجهود الدولية المتعلقة بتجميد اموال من يشتبه في علاقتهم بالارهاب.

وقد أجمعت مصادر عديدة في باكستان والامارات العربية المتحدة وأوروبا والولايات المتحدة، على صحة هذه الرواية بشأن تهريب اموال طالبان والقاعدة. كما أكدت مصادر استخبارية وأمنية وأخرى تتاجر في الذهب او مطلعة على بعض العمليات المالية للقاعدة، علمها بعملية تهريب كميات الذهب التي تمت تحت اشراف جهات لا علاقة لها بطالبان او بالقاعدة.

وهذه المعلومات كما أشارت مصادر استخبارية، توفر مؤشراً غامضاً على الدور الغامض والحيوي الذي لعبه الذهب في تمويل أنشطة القاعدة سواء قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) أو بعد ذلك التاريخ حيث اعتمدت طالبان وتنظيم القاعدة على الذهب للاحتفاظ بمواردهم المالية، رغم الهجوم العسكري الذي دمر قواهم البشرية.

وقد استخدم تنظيم القاعدة مشتروات الماس من سيراليون وجمورية الكونغو الديمقراطية، ومشتروات الأحجار الكريمة من تنزانيا وغيرها من المواد الخام الثمينة لتوفير المال واخفاء الأصول. على ان الذهب شكل عنصراً هاماً فريداً في بنية القاعدة المالية، كما أضافت المصادر الاستخبارية، لأنه يمثل عملة نقدية عالمية. وقال مصدر امني اميركي بارز يتولى التحقيق في تحويلات الذهب: «يعد الذهب عنصراً رئيسياً في تحريك اموال الارهابيين، لأنك تستطيع تذويبه او صهره او وضعه في حساب بدون الاجابة على أسئلة ما.

ولما كان معفياً من بعض الشروط الدولية المفروضة على التحويلات المالية، فان الذهب يعد سلعة مفضلة في عمليات غسيل اموال تجارة المخدرات، واموال جماعات الجريمة المنظمة والأنشطة الارهابية. كما أوضح مسؤولون اميركيون، وبالاضافة الى ذلك فان دبي، لديها واحد من أقل اسواق الذهب العالمية قيوداً، الأمر الذي يجعلها مكاناً مثالياً لاخفاء الذهب.

مسافرون وبحوزتهم المال عندما بدأت الولايات المتحدة بشن حملة القصف التي استهدفت طالبان والقاعدة خلال الخريف الماضي، تسارعت وتيرة عمليات نقل المال والذهب بعيداً عن أفغانستان.

وقد قالت السلطات المالية في باكستان، ان ما يقرب من مليونين الى ثلاثة ملايين من الدولارات الأميركية كانت تنقل يدوياً مع مسافرين يومياً من كراتشي في باكستان الى دبي، وان معظمها كان لغرض شراء الذهب. وخلال العام ارتفعت المبالغ بشكل بارز مع اخراج الأموال من أفغانستان، كما أضافت تلك السلطات.

ويقدر مسؤولون من باكستان والولايات المتحدة انه تم اخراج قرابة 10 ملايين دولار من أفغانستان خلال أسابيع ثلاثة بين اواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وأوائل ديسمبر (كانون الأول). وكانت طالبان قد فرت من العاصمة كابل اواخر يوم 12 نوفمبر وتخلت عن مدينة قندهار في يوم 7 ديسمبر.

وكان القنصل العام لطالبان في كراتشي كاكازادا، واحداً من أهم المسافرين الذين نقلوا المال الى دبي، حيث اصطحب معه ذات يوم 600 ألف دولار الى دبي خلال الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر، كما أكد مصدران باكستانيان قالا انهما شاهداه يحمل النقود.

وبالاضافة الى ذلك قال مسؤولون اميركيون وغير اميركيين ان الملايين أرسلت بواسطة نظام الحوالات، المستخدم بشكل واسع في انحاء الشرق الأوسط وشمال افريقيا وآسيا، حيث تعتمد عليه المناطق الخارجة عن المدن الرئيسية، كوسيلة وحيدة لاتمام التحويلات المصرفية او النقدية. وبدلاً من تحويل الأموال عن طريق آلية يمكن رصدها وتعقبها كالتحويلات البرقية، يقوم وسطاء الحوالات باستلام الأموال من المرسل، ثم الاتصال ببعضهم عبر الهاتف او البريد الالكتروني، ليتسنى للمستقبل استلام النقود. وعندما تنتهي العملية يتم اتلاف الوثائق او السجلات المتعلقة بالحوالة.

وعادة ما يستخدم وسطاء الحوالات الذهب لضبط حساباتهم وأرصدتهم، وكثيراً ما يحتفظ هؤلاء بالذهب بدلاً من الأوراق النقدية، ويضعونه في اماكن مختلفة من العالم. وقال باتريك غوست «لا توجد أنظمة مصرفية تقليدية في افغانستان او الصومال.. فكل شيء يتم من خلال الحوالات، والذهب يعد المصدر الرئيسي الذي تعتمد عليه».

وقد بدأ محققون اميركيون تحت اشراف هيئة الجمارك، التدقيق في تحويلات بعض من اكبر تجار الذهب المحترفين في دبي، بحثاً عن امكانية وجود علاقة مع حركة اموال القاعدة وطالبان، وتبين لهم ان هناك كميات غير اعتيادية من الذهب تم نقلها الى الولايات المتحدة عقب الحادي عشر من سبتمبر. وقال مسؤول في الجمارك ان الهيئة وضمن المساعي التي تبذلها «للتحقق من انشطة مالية لها علاقة بالارهاب» «تفحص عمليات نقل الذهب التي تقوم بها العديد من الشركات بما فيها احدى شركات تجارة سبائك الذهب والمجوهرات في دبي».

ونفى (ع. ر) المالك الباكستاني في الشركة المذكورة ان يكون قد أجرى معاملات تجارية مع طالبان او القاعدة. وأضاف «انا شخص يخشى الله، وكنت طوال حياتي أخشى الأصوليين أمثال طالبان. ولم أكن لأتعامل مع أناس من طالبان، كما اننا لا نحب أصحاب طالبان». وقال (ع. ر): «اذا ما أردت على سبيل المثال ان تشتري مائة كيلو غرام من الذهب، استطيع ان اوفرها لك في أي مكان ترغب فيه خلال 12 ساعة، اما بعد ذلك وما ستفعل به، فذلك شيء يخصك».

وأضاف انه يستورد ويصدر الذهب بشكل قانوني، مع العلم انه لا توجد في دبي أية قيود على العمليتين. وقال ان منافسيه يقومون بتسريب الأكاذيب حول شركته لغيرتهم منه.

خلال مقابلتين صحافيتين، كان (ع. ر) يجلس في مكتبه الذي يفصله عن قاعة يعمل فيها وسطاء سوق الذهب وهم يراقبون العديد من شاشات الكومبيوتر، حاجز زجاجي، وفي جدران المكتب تتدلى شهادات التقدير التي حصل عليها لأعماله الخيرية.

التهريب من أجل الربح وبالاضافة الى استخدام الذهب لاخفاء الموارد المالية، هناك دليل على ان القاعدة قامت بتهريب الذهب الى باكستان والهند من اجل تحقيق الربح. وهذه العملية مربحة لأن هناك اقبالاً شديداً في هذين البلدين على الذهب وهناك ضرائب على الذهب المستورد بشكل قانوني.

وقد احتوت احدى الوثائق التي عثرت عليها القوات البريطانية في افغانستان اواخر العام الماضي، ليس فقط على ارشادات متعلقة بانتاج المتفجرات وتنظيف الأسلحة، ولكن ايضاً على ارشادات بشأن تهريب الذهب في قوارب صغيرة او اخفائه في جسم الانسان، كما أشارت الى ذلك مصادر بريطانية وأميركية.

وأضافت هذه المصادر ان طالبان والقاعدة نقلت كميات هائلة من الذهب الى افغانستان بعد سيطرة طالبان على السلطة خلال اواسط التسعينات، لأن معظم الناس في المنطقة، الى حد ما، كانوا قد اعتادوا على الذهب اكثر من العملات النقدية الأجنبية.

وقال المسؤولون ان طالبان جمعت الضرائب ذهباً من زعماء شبكات النقل الباكستانية والهندية الذين اعتادوا نقل شحناتهم عبر أفغانستان.

كما جرت العادة ان يتم تحويل التبرعات التي حصلت عليها القاعدة وطالبان من الأثرياء المؤيدين، الى الذهب، وفقاً للمسؤولين، وان الضرائب المفروضة على منتجات الأفيون، التي مثلت مصدر دخل للجماعتين، كانت ايضاً تدفع ذهباً، كما قال مسؤولون اميركيون وبريطانيون، وقد تم نقل سبائك الذهب مباشرة الى معقل طالبان في قندهار على متن رحلات الخطوط الجوية الأفغانية «اريانا»، كما قالت المصادر.

وقال باتريك غوست، الذي أجرى بحثاً عن استخدام الجماعات الارهابية للذهب: «نقلت طالبان الذهب الى أفغانستان لأنه لم يكن ثمة شيء غيره يمكن نقله.. فالعملة المحلية كانت بلا قيمة والنقود الأجنبية تجلب الشكوك، لكن اذا ما عرضت الذهب، فان الناس يعرفون قيمة ذلك».

لكن محققين وأوروبيين قالوا انه بالنسبة للقاعدة ومن أجل ان تتمكن من ممارسة أنشطتها، كان لا بد من تحويل الذهب الى اموال نقدية، وان تكون متوفرة في انحاء العالم. ولذلك يعتقد ان التنظيم اعتمد على شبكة من الأموال المخفية في انحاء منطقة الشرق الأوسط وباكستان وأوروبا. وقال ويليام ويشلر المسؤول عن الأنشطة المالية التابعة لأسامة بن لادن في مجلس الأمن القومي إبان العامين الأخيرين من فترة رئاسة بيل كلينتون، للكونغرس خلال شهر سبتمبر الماضي: ان نجم بن لادن سطع لنجاحه في بناء «اساس مالي دعم المجاهدين في أفغانستان ضد الروس»، وأضاف: «لقد تواصلت معه الموهبة المالية عندما اتجه نحو الارهاب، كما ان البناء المالي بات يمثل الأساس الذي يوضح كيفية حصول القاعدة على ما تحتاجه من الأموال».

وطبقاً لما أورده محققون فرنسيون وباكستانيون واميركيون، فان معظم تلك البنية المالية تمثلت في بنك الاعتماد والتجارة الدولي (بي. سي. سي. اي) ذلك المصرف الذي أسسه الباكستانيون. وخلال الثمانينات من القرن الماضي استخدم في غسيل أموال المخدرات، ولحفظ اموال الارهابيين، ولشراء أسلحة غير قانونية، وكان انهياره خلال عام 1991 فضيحة مالية كبرى عالمية.

واستخدمت وكالة المخابرات المركزية «سي. آي. ايه» ذلك المصرف لتوفير الملايين من الدولارات لأولئك المقاتلين الذين حاربوا الاحتلال السوفياتي لأفغانستان. كما ان المصرف تخصص ايضاً في التعامل مع سلع ثمينة مثل الماس والذهب.

نموذج بي. سي. سي. آي:

لقد حدد تقرير اعدته المخابرات الفرنسية، وقدمته للبرلمان خلال شهر اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، حصلت جريدة «واشنطن بوست» على نسخة منه، بعض التفاصيل المتعلقة بالشبكة المالية لأسامة بن لادن، حيث جاء فيه «ان الشبكة المالية لأسامة بن لادن، اضافة الى شبكة استثماراته، تعد مشابهة للشبكة التي تم العمل وفقا لها خلال الثمانينات في بنك الاعتماد والتجارة الدولي، للتستر على عمليات المصرف المشبوه فيها، وربما بنفس الاشخاص. وجاء في التقرير ايضا: «والميزة المهيمنة لعمليات بن لادن تظهر في كونها شبكة ارهابية مدعومة ببناء مالي هائل».

قال محقق اميركي بارز ان اجهزة الولايات المتحدة تفحص هذه الاشياء لانها «تعني الكثير، والقليل فقط ممن عملوا في ذلك المصرف ذهبوا الى السجن. لقد كان بي. سي. سي آي راعي تمويل العمليات الارهابية».

ويحدد التقرير الفرنسي العشرات من الشركات والاشخاص الذين كانوا على علاقة ببنك الاعتماد والتجارة الدولي، وتبين انهم كانوا يتعاملون مع أسامة بن لادن بعد انهيار المصرف. فقد حصل العديد منهم على وظائف في مصارف ومؤسسات خيرية اعتبرتها الولايات المتحدة وآخرون مؤيدة للقاعدة.

وقال محققون اميركيون واوروبيون ان مقدرة «القاعدة» على الوصول الى سلع ثمينة مثل الذهب، وعلى تحريك الموارد عبر نظام الحوالات والانظمة المصرفية، كانت وراء صعوبة عرقلة العملية.

وقال ثلاثة موظفين سابقين في ادارة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، ان وفدين اميركيين رفيعي المستوى ذهبا الى الامارات، احدهما خلال شهر يوليو (تموز) عام 1999، والآخر خلال شهر يناير (كانون الثاني) عام 2000.

وقال متحدث باسم وزارة الاعلام في دولة الامارات العربية المتحدة ان «الزيارات والطلبات التي قدمتها الولايات المتحدة خلال عامي 1999 و2000 مثلت جزءا من عملية تبادل المعلومات الاعتيادية.. التي هدفت لتعزيز التعاون والتعامل مع قضايا الاهتمام المشترك».

وقال مسؤولون ان الامارات العربية المتحدة ومنذ الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) باتت اكثر تعاونا فيما يتعلق بتعقب الانشطة المالية المشتبه فيها. وخلال الشهر الماضي اقرت اشهر القوانين الصارمة، في ما يتعلق بغسيل الاموال بالمنطقة.

واعترف محققون اميركيون بأنهم لم يحققوا التقدم المطلوب بشأن التركيز على عمليات تهريب الذهب وعلى شبكة الحوالات.

وبينما يطرح عدد محدود من المحققين اهمية التركيز على تلك المسائل، لم تلق مقترحاتهم اهتماما يذكر، لانها مسائل غير مألوفة بالنسبة للطريقة الغربية في المعاملات التجارية».

وقال ويشلر، الموظف السابق في مجلس الامن القومي، ان جهات الضبط الامني والقضائي والاستخبارات في الولايات المتحدة تعلم «لا شيء تقريبا» بخصوص اسلوب عمل نظام الحوالات وعلاقته بالذهب، مضيفا: «لا نعرف اماكن وجود الحوالات، وليست لدينا حتى أنظمة لتحديد كمية الاموال التي حركتها. كل ما استطيع قوله، هو ان ذلك يساوي الملايين والملايين من الدولارات».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»