الملك فهد والأمير عبد الله يخاطبان الحجاج والمسلمين من منى: الإرهاب إفساد في الأرض وندعو للتفريق بينه وبين المقاومة

وجها دعوة للعالم لكي يدرك مسؤوليته ويضع حدا للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني

TT

أكد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز والامير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني السعودي أمس، أن موقف السعودية من الارهاب ينطلق من تعاليم الدين الاسلامي التي تملي مواقفها من قضايا المسلمين وشؤونهم وتحكم علاقاتها مع غير المسلمين وهي المرجع. وقالا في كلمة وجهاها إلى حجاج بيت الله الحرام والمسلمين من مشعر منى «إن الله جعلنا امة وسطا لنكون شهداء على الناس، وديننا يأمرنا بالاحسان والقسط معهم، ومن هذا ننطلق في علاقاتنا الدولية واليه نحتكم وعليه نعول فهو العنصر الاساس في ثبات العلاقات واستقرارها على مر السنين». وشددا في الكلمة على أن الموقف السعودي الثابت من الارهاب يتمثل بأن الارهاب افساد في الارض وسعي في خرابها، وأوضحا أن آيات القرآن الكريم والاحاديث النبوية تنهى عن الفساد وتنفر منه وتذم المفسدين أيا كانوا واينما كانوا وتدعو إلى الاصلاح والبناء وتحذر من الافساد والخراب.

ودعا الملك فهد والامير عبد الله الى تأصيل قضية الارهاب تأصيلا عالميا لا يفرق بين فئة وفئة، أو دولة ودولة مع الاخذ في الاعتبار حق الشعوب المحتلة أراضيها في المقاومة المشروعة لتقرير مصيرها وتحرير اراضيها وأنه أمر مشروع، بينما الارهاب افساد في الارض محظور تجب معاقبة مرتكبيه.

واوضح خادم الحرمين الشريفين والامير عبد الله بن عبد العزيز أن الخطاب العالمي للمسلمين ينبغي أن يقوم على الدعوة إلى الله بالتي هي احسن، هادفا إلى الخير ساعيا إلى اظهار الحق ونشره وكشف الباطل وازالته بالحكمة والموعظة الحسنة.

وفي ما يلي نص الكلمة التي بثتها وكالة الانباء السعودية:

الحمد لله رب العالمين القائل فى محكم التنزيل «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج». والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى اله وصحبه اجمعين.

ايها المسلمون في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمن صعيد منى المبارك حيث يقضي الحجاج ايام التشريق ومن جوار بيت الله الحرام، نرحب بكم أجمل ترحيب ونحييكم اطيب تحية سائلين الله عز وجل ان يمن على حجاج بيته الحرام بالقبول فيعودوا الى ديارهم بحج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور فتتحقق لهم بشارة المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه»، رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن. ايها الاخوة حجاج بيت الله الحرام: لقد وقفتم جميعا في التاسع من هذا الشهر الفضيل على صعيد عرفات واديتم صلاتي الظهر والعصر قصرا وجمعا اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وأنتم ترتدون ملابس الاحرام في منظر مهيب وموقف عظيم ليس له في هذا العالم مثيل، تجمعكم العقيدة الاسلامية، اخوة في الله متحابين، وبلسان واحد مهللين ومكبرين، شعاركم جميعا لا اله الا الله محمد رسول الله، يسودكم الوئام والاخاء وتجمعكم المحبة والصفاء وتظللكم الرحمة وتغشاكم السكينة ويذكركم الله فيمن عنده فتحققت بذلك الوحدة الاسلامية في صورتها المثلى، وتجلت المساواة بين البشر في اكمل هيئة فلا فضل لاحد على احد الا بالتقوى.

قال تعالى «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم». ولقد اديتم تلك المناسك في امن وطمأنينة وفي اجواء روحانية ايمانية فتيسر لكم اكمال النسك بيسر وسهولة فلله الحمد وله الشكر.

حجاج بيت الله الحرام:

لقد شرفت المملكة العربية السعودية بخدمة مقدسات المسلمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة فنذرت نفسها للقيام بهذا الواجب، راجية بذلك رضى الله عز وجل ثم تحقيق ما يوفر للحجاج اداء نسكهم بكل يسر وسهولة، وبذلت قصارى الجهد في انشاء مشاريع عملاقة هدفها خدمة حجاج بيت الله الحرام ومعتمريه وزوار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومرتاديه، وما زالت السعودية سائرة على هذا المنوال مثابرة عليه امتثالا لامر الله عز وجل واقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعا لهدى خلفائه الراشدين.

أيها المسلمون فى كل مكان، أيها الاخوة حجاج بيت الله الحرام:

ان الله عز وجل قد استخلف الانسان في الارض وامره بعمارتها ونهاه عن الافساد فيها والسعي في خرابها، وقد جعل الله المسلمين امة وسطا ليكونوا شهداء على الناس، واختصهم بقوله عز وجل «كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله». وان للمسلم في هذا الكون دورا ايجابيا يسعى كل السعي للقيام به، وان هدف هذا الدور هو العمل لخير البشرية، وغايته حفظ ضرورات الحياة وتحقيق الاستقرار واداء الحقوق ودرء الشر وازالة الظلم واسعاد الناس، فهذا الدين دين رحمة جاء للناس كافة، لقوله تعالى «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، وان الافساد في الارض والسعي في خرابها من امقت الاشياء، فالله عز وجل لا يحب الفساد، قال تعالى «ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد».

وتلكم ايها الاخوة اهم المرتكزات التي تقوم عليها علاقة الانسان المسلم بهذه الارض ويعمل بهدى منها في جميع اعماله الخاصة والعامة وتحكم علاقاته بكل الناس بغض النظر عن دياناتهم ومذاهبهم واتجاهاتهم.

ونحن في المملكة العربية السعودية، ايها الاخوة المسلمون، نحمد الله عز وجل ان هدانا الى التمسك بشرعه الحكيم وجعلنا مطبقين لهذا الشرع في كل شؤون الحياة وامورها الداخلية والخارجية، وان ثوابت هذا الدين وقواعده واحكامه هي المرجع لنا في كل التصرفات، اليها نحتكم ومنها نصدر وعنها نرد، وان هذا هو مبنى عزتنا واساس فخرنا وعليه قامت سياستنا الثابتة منذ ارسى دعائم هذه الدولة مؤسسها الملك عبد العزيز، تغمده الله برحمته.. فكتاب الله وسنة رسوله هما الحاكمان بهذا البلد على كل الامور وان الخير كل الخير في التمسك بهما والعمل بما جاء فيهما والدعوة اليهما بالتي هي احسن والرجوع الى احكامهما في كل الامور، والشر كل الشر في بعدنا عنهما وتعطيل احكامهما والتحاكم الى غيرهما، فنحث جميع اخواننا المسلمين على تبني هذا الاتجاه، عملا بقوله تعالى «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما»، وقوله جل وعلا «وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا»، وقوله سبحانه «واطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون». وغير ذلك من الايات الكريمة والاحاديث الشريفة التي تحث على التمسك بهذا الدين وتطبيق احكامه والعمل بأوامره واجتناب نواهيه.

* التمسك بالوسطية

* أيها الاخوة المسلمون حجاج بيت الله الحرام:

ان المملكة العربية السعودية في تناولها للامور وتعاطيها لجميع الشؤون متمسكة بثوابت معروفة لم تحد عنها، فمواقفها لم تتغير سواء في علاقاتها أو في نظرتها الى شتى القضايا ومختلف الاحداث، وما هذا الا لأن سياستها مبنية على قواعد دينية ثابتة ومستلهمة من تعاليم سماوية لا يأتيها الباطل تسعى الى معرفة الحق والتمسك به وادراك الباطل والبعد عنه. فعلاقاتنا باخواننا المسلمين تنطلق من أساس الاخوة في الدين عملا بقوله تعالى «إنما المؤمنون أخوة»، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم «المسلم أخو المسلم»، وفي تعاملنا معهم في هذا الشأن نطبق قوله صلى الله عليه وسلم «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما» رواه البخاري، وذلك بالوقوف معه ان كان مظلوما حتى يسترد حقه وينتصر ممن ظلمه ويستقيم له الامر ومنعه من أن يكون مصدر ظلم للاخرين ورده الى جادة الصواب قدر الامكان عندما يحيد عنها وردعه عن ارتكاب الظلم حتى يستقيم نهجه ويكون مصدر خير وبناء لا أداة هدم وشقاء.

ونؤمن كل الايمان بأن مصدر قوة المسلمين وأساس تفوقهم قائم على تحقيق عوامل عدة، أولها الرجوع الى هذا الدين والتمسك به ونبذ الخلافات بينهم وحلها بالاحتكام الى شرع الله وتوحيد المواقف، عملا بقوله تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»، وقوله عز وجل «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»، ثم الادراك بأن الاسلام دين ينهى عن البغي والعدوان ويخاطب العقل ويناهض التخلف ويدعو الى الاخذ بأسباب التطور في منهج حكيم بعيد عن الغلو والشطط خال من الافراط والتساهل، تحقيقا لقوله تعالى «وكذلك جعلناكم أمة وسطا». وأن هذه الوسطية هي السبيل الوحيد للحياة حياة كريمة في هذا الكون وأنها مصدر الاستقرار والسلام وأن البعد عنها سبب الشقاء والفتن، وأخيرا أن يكون العدل في كل الامور ومع كل الناس أيا كانوا هو المنهج والمبدأ المتبع في كل الاحوال، قال تعالى «وإذا قلتم فاعدلوا»، وقال سبحانه «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، فالله عز وجل أمر بالقسط مطلقا فقال عز من قائل «يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى».

* الموقف من القضية الفلسطينية

* أيها الاخوة المسلمون:

من هذه المنطلقات الواضحة يأتي تفاعل المملكة العربية السعودية مع قضايا المسلمين وتناولها لجميع شؤونهم واهتمامها بمشاكلهم وعملها الدؤوب لحلها وسعيها الدائم لأخذ الحق لهم والذود عنهم اينما كانوا وتبني الطرح الاسلامي في كل المحافل في مواقف ثابتة لم تتغير منذ تأسيس هذه الدولة حتى الآن ولن تتغير بحول الله وقوته لانها، وكما قلنا سابقا، مستقاة من مبادئ دينية ثابتة ومستلهمة من قواعد اخلاقية راسخة، ومن هنا فان تناولنا للشأن الاسلامي على وجه الخصوص او لقضايا العالم على وجه العموم لم يتبدل مع الايام.

ولعل ابرز الادلة على ثبات هذا الموقف واستمراره هو موقفنا المعلن والمعروف من قضية فلسطين حيث ندعو الى احقاق الحق وتطبيق القرارات الدولية الصادرة بهذا الشأن، فقد مرت هذه القضية بمراحل وفي كل مرحلة تزداد اسرائيل تسلطا وتسوم اخواننا هناك مختلف انواع الظلم والقهر والاستبداد امام سمع العالم وبصره ضاربة بكل قرارات الشرعية الدولية عرض الحائط غير عابئة بابسط الحقوق الانسانية، ومن العجب انه رغم كل القرارات التي صدرت بحقها لم ينفذ بعد قرار واحد ولم تجبر على الالتزام بأي منها.

واننا من هذا المكان العظيم لندعو العالم اجمع الى ان يعي مسؤوليته وان يعمل من اجل مصلحة الانسانية جمعاء على ايقاف العدوان الاسرائيلي عند حده وتطبيق ما صدر من قرارات ذات شرعية دولية بشأن هذه القضية ليكون ذلك انطلاقة لتحقيق سلام عالمي قائم على العدل والمساواة.

* الإرهاب إفساد في الأرض

* أيها الاخوة المسلمون حجاج بيت الله الحرام:

فكما ان تعاليم ديننا تملي علينا مواقفنا من قضايا المسلمين وشؤونهم، فإن تعاليم الاسلام ومبادئه تحكم علاقتنا مع غير المسلمين فهي المرجع لنا وعنها نصدر في تعاملنا معهم في كل الشؤون، فالله عز وجل جعلنا امة وسطا لنكون شهداء على الناس وديننا يأمرنا بالاحسان اليهم والقسط معهم، قال تعالى «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فاولئك هم الظالمون».

من هذا ننطلق في جميع علاقاتنا الدولية واليه نحتكم وعليه نعول فهو العنصر الاساس في ثبات هذه العلاقات واستقرارها على مر السنين وعدم تغير موقفنا من القضايا العالمية مع الايام، فموقفنا من قضايا العالم وشؤونه ايا كانت مستمد من هاتين الايتين الكريمتين وغيرهما من الايات والاحاديث التي وضعت للمسلم أطرا واضحة في كل الامور يتبعها في مختلف العصور.

وما موقفنا الثابت من الارهاب الا من هذا القبيل فهو في نظرنا افساد في الارض وسعي في خرابها، ولو تدبرنا القرآن وتتبعنا الايات التي تنهى عن الفساد وتنفر منه وتذم المفسدين أيا كانوا وأينما كانوا وتدعو الى الاصلاح والبناء وتحذر من الافساد والخراب لوجدنا الشيء الكثير، فالله لا يحب الفساد، والمفسدون في الارض هم الخاسرون، ويقول في محكم التنزيل «ولا تعثوا في الأرض مفسدين»، والآيات والاحاديث الواردة في هذا الشأن كثيرة معروفة وهي منطلقنا الاساس في جميع المواقف التي تبنيناها في السابق وما زلنا نتبناها حول مسألة الارهاب، داعين الى تأصيل هذه المسألة تأصيلا عالميا لا يفرق فيه بين فئة وفئة أو بين دولة ودولة مع الاخذ بالاعتبار حق الشعوب المحتلة أراضيها في المقاومة المشروعة لتقرير مصيرها وتحرير اراضيها وأنه أمر مشروع، بينما الارهاب افساد في الارض محظور تجب معاقبة مرتكبيه أيا كانوا وأينما كانوا.

وفي الخطاب العالمي فإن ديننا أيها الاخوة يحث على الدعوة الى الله بالتي هي أحسن وأن يكون خطابنا مع الاخرين هادفا الى الخير ساعيا الى اظهار الحق ونشره وكشف الباطل وازالته وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»، وقال «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن».

فهل نجد أفضل من هذا الاسلوب في التعامل مع الآخرين وهل هناك أجدى عند التخاطب مع الناس من هذه الوسيلة. ان هذه المنطلقات الرئيسة متى تم الاخذ بها وتبنيها خالية من الاهواء والتأويلات بعيدة عن التحريف والتغيير في المدلولات كفيلة بأن ترسي قواعد السلوك الراشد وتهدي البشرية الى ما فيه الصلاح وتعدل كثيرا من المواقف الحائدة عن جادة الصواب والمنحرفة عن الطريق المستقيم فتضعها على طريق الحق ومنهج الخير، وتقوم ما فيها من اعوجاج وتقود البشرية الى تبني سياسة عادلة في كل الاحوال تحفظ فيها للانسان حقوقه وتصان كرامته، عملا بقوله تعالى «ولقد كرمنا بني آدم»، وتنتهي معها كل أشكال العنف والتسلط والاستبداد وينتقل معها العالم من مرحلة الصراع ومنطق الاعتداء والثأر الى مرحلة يسودها الاستقرار ويحكمها العدل والمساواة، شعارها الحوار الهادف والجدل بالتي هي أحسن «قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة».

وختاما نكرر ترحيبنا بكم ونأمل أن تتموا نسككم على أكمل وجه وتعودوا سالمين غانمين مقبولين ان شاء الله، واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.