كابل أصبحت فارغة من سكانها العرب السابقين وطالبان طمأنتهم ثم تركتهم ليواجهوا مصيرهم

TT

يقابل زائر افغانستان العربي هذه الأيام ببعض التحفظ، مع انه كان موضع ترحيب قبل احداث 11 سبتمبر (ايلول) الماضي. ولئن كان تاريخ وقوع الاعتداءات على مركز التجارة العالمي ومبنى وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) يمثل المنعطف الحاسم بالنسبة لحظوظ العرب في افغانستان، بدأت صورتهم تتشوه بشكل ملحوظ مع اغتيال زعيم حزب «الجماعة الاسلامية» احمد شاه مسعود على يد عربيين قبل يومين من الهجمات على نيويورك وواشنطن.

وربما كان لهذا العداء للعرب ما يبرره في شمال شرق البلاد، حيث الاغلبية من اثنية التاجيك التي يتحدر منها مسعود. بيد ان ابرياء عرباً، من صحافيين او عاملي اغاثة، دفعوا ثمن هذا الموقف غالياً، اذ تعرضوا للاعتقال خلال الأشهر القليلة الماضية، لدى اعضاء وأنصار «التحالف الشمالي» الذي يُعد الطرف الأقوى بين الفصائل الأفغانية.

ومع ان الأمور عموماً بدأت تميل الى التحسن، فقد فرغت كابل تماماً، او تكاد، من سكانها العرب الذين كانوا سابقاً كثرة لا يستهان بها، كما قال لـ«الشرق الأوسط» البائع حمد احمد. واحمد، الذي اشتهرت محلاته، الكائنة في سوق الدجاج وسط العاصمة كابل، ببيع مواد غذائية مصنعة في الغرب، اعتبر ان «موجة الكره العارمة للعرب تعود اساساً الى الجهل والغيرة لأنهم تمتعوا بامتيازات كبيرة في ظل طالبان». واضاف ان «هذه الكراهية بدأت تنحسر تدريجياً»، فقد تغيرت المرحلة وانتهى عهد طالبان.

واوضح التاجر المعروف ان العرب كانوا يفضلون اغذيته المستوردة من الغرب «على البضائع القادمة من ايران وباكستان». ووصف زبائنه العرب السابقين بأن معظمهم «بدا ميسور الحال، وكانوا يأتون بسيارات الدفع الرباعي مع مرافقيهم من الافغان او العرب ويتسوقون من دون ان تشكل الأسعار المرتفعة عائقاً امامهم». واكد احمد ان التعامل معهم كان سهلاً وان علاقته بهم كانت دائما جيدة. وأردف «لكن مع كثرة الحديث عن العلاقة العضوية بين طالبان و«القاعدة»، وبدء تطبيق العقوبات، صار الناس يحملونهم مسؤولية ما يجري لأفغانستان».

وهذا الرأي منسجم مع وجهات نظر معظم الاطراف الأفغانية التي استوضحتها «الشرق الأوسط» عن الموقف من «الضيوف» العرب الذين حلّوا على البلاد يوماً، وكيفية تأثيره على الموقف الافغاني حيال العرب بصورة عامة. وحسب السيد جليلي، المسؤول الامني في وزارة الداخلية الافغانية، فان اولئك الذين اقاموا في افغانستان في السنوات الاخيرة ، لم يشوهوا صورة العرب وحدها، بل اساءوا ايضاً الى الدين الاسلامي اساءة بالغة. وقال ان جميع هؤلاء «الضيوف» قد «ارتبطوا من قريب او بعيد بالقاعدة والتيار المتشدد الذي اساء الى سمعة الاسلام والمسلمين في العالم». ونفى المسؤول الامني بقاء اي من هؤلاء او عائلاتهم في المناطق التي تسيطر عليها الادارة المؤقتة. واذ لم يستبعد «وجود افراد، وليس عائلات بأكملها، لم يستطيعوا مغادرة البلاد بسرعة بعد اندحار طالبان»، اكد الجليلي ان السلطة المركزية تعمل على ملاحقة العرب الذي لا يزالون في حماية قادة محليين او امراء حرب افغان.

ولم يستغرب شاهد عيان عربي عدم بقاء العرب في كثير من اجزاء البلاد، فهو يعتقد أن الكثيرين منهم قد لقوا حتفهم اثر هزيمة طالبان. وقال لـ«الشرق الأوسط» الرجل الذي يعمل في جمعية اغاثة خيرية وكان في كابل قبل سقوطها بفترة غير قصيرة، ان «مسؤولي طالبان واصلوا طمأنة العرب، مؤكدين لهم ان لا ضرورة للرحيل عن العاصمة لأن النظام سيصمد». وزاد ان «كثيرين فضلوا المغادرة، لكن الذين بقوا فوجئوا بخلو الشوارع من عناصر طالبان وقادتهم الذين فروا تاركين للمتطوعين الأجانب من باكستانيين وعرب امر حماية العاصمة لوحدهم». واضاف الشاهد، الذي طلب عدم ذكر اسمه، ان «القتل والتنكيل كان مصير العشرات وربما المئات ممن ظلوا في كابل». واشار الى ان «الاوضاع عادت لتستقر بعد ايام، اذ وفرت السلطات الافغانية الجديدة الحماية للعرب العاملين في الجمعيات الخيرية». وذكر ان «الامور حالياً على ما يرام والعرب الذين ينشطون في اطار العمل الاغاثي لا يواجهون اخطاراً كبيرة وهم يتمتعون بحماية السلطات».

من جهته، شدد السفير السعودي في اسلام اباد علي بن عواض عسيري، على حرص بلاده على متابعة اوضاع رعاياها الذين يقال انهم لا يزالون في افغانستان. وقال السفير عسيري لـ«الشرق الأوسط» انه بحث مع المسؤولين الأفغان الذين التقاهم في كابل اثناء زيارته الاخيرة اعادة افتتاح السفارة السعودية هناك والقضايا المتعلقة «بمصير العائلات والرعايا السعوديين الموجودين حتى الآن في افغانستان». واضاف انه تلقى وعوداً من اقطاب الادارة المؤقتة «ببذل اقصى الجهود للبحث عن اي مواطنين او مواطنات او اطفال سعوديين وموافاتنا بالمعلومات المتوفرة لديهم».

اما الدكتور عبد الله عبد الله وزير الخارجية الأفغاني، فقد ابدى تفاؤله بمستقبل العلاقات بين بلاده والدول العربية، خصوصاً ان سفارتي السعودية والامارات في كابل قد فتحت ابوابها من جديد. واوضح لـ«الشرق الأوسط» ان عودة اكثر من سفارة عربية الى افغانستان، والبدء بتجديد نمط العلاقات العربية ـ الأفغانية وتوسيع آفاقها عبر مساهمة العرب في اعادة اعمار البلاد، من شأنها ان تعوض عما حصل في الماضي وتجعل الفرصة مهيأة لعودة العرب الى افغانستان وسط الاحترام الذي يستحقونه». ومع انه اعترف بوجود «مشاعر التحفظ ازاء العلاقة مع العرب لدى بعد الأفغان»، فقد اكد الوزير ان «معظم الناس عندنا يميزون بين مجموعة صغيرة اضرت بمصالح افغانستان وبين دول عربية صديقة تربطنا بها علاقات اخوّة».

ولفت سائق التاكسي حجي روح الله (50 عاماً) الى ان «هذه المجموعة الصغيرة التي شذت لا تمثل العرب او الاسلام». وقد خلص الى هذه النتيجة من تجربته في السعودية حيث عاش قبل حوالي 16 عاماً ولمس «مدى ايمان السعوديين الذين كانت بلادهم في طليعة الدول التي ساعدت الافغان على دحر الشيوعية». وقال السائق ان ما فعله العرب الذين التحقوا بـ«القاعدة» وطالبان «لن يشوه صورة الاسلام والعرب عموماً، لأنهم لا يمثلون سوى مجموعة ضئيلة شذت لمساهمتها في قتل الابرياء من مسلمين او مسيحيين خلافاً لتعاليم الاسلام الذي يعتبر البشر جميعاً عبيد الله».