مسؤولون أميركيون يعلنون تعطيل أكبر شبكة تهريب سلاح في العالم موّلت طالبان و«القاعدة» وأبو سياف

TT

يقول المسؤولون عن تطبيق القانون في اميركا انهم سجلوا تقدما هاما في جهودهم لتعطيل عمليات اكبر شبكة لتهريب السلاح في العالم. ويقول بعض المسؤولين ان هذه الشبكة هي التي كانت تمول بالسلاح حركة طالبان والمنظمات الاخرى، من «القاعدة» في افغانستان الى جماعة ابو سياف في الفلبين والتنظيمات المتمردة في افريقيا. وقد كانت وكالات الاستخبارات الاميركية خلال السنوات الثلاث الماضية تعمل دون كلل لاختراق وتخريب الامبراطورية المترامية الاطراف التي اسسها فيكتور باوت، الضابط السابق في الجيش السوفياتي، الذي يتخذ من الامارات العربية المتحدة قاعدة تنطلق منها عملياته. ويقول المسؤولون الاميركيون والبريطانيون وخبراء الامم المتحدة، ان امبراطورية باوت فريدة من نوعها لانها تستطيع تسليم اكثر الاسلحة تطورا في أي مكان في العالم. ويقال ان واحدا من اكبر المساعدين لباوت معتقل الان في بلجيكا، وانه يقدم معلومات جديدة وفي غاية الأهمية حول كيفية عمل الشبكة.

ومع ان باوت كان مشتبها فيه كمورد للأسلحة الى طالبان، الا ان المسؤولين الاميركيين والاوروبيين يقولون ان هذه المعلومات الاستخبارية التي ظهرت حديثا في افغانستان اوردت تفاصيل جديدة حول رحلاته الجوية وشحنات الاسلحة التي ارسلها قبل اشهر من هجمات 11 سبتمبر (ايلول). وتشير هذه المعلومات الى انه كان يرسل الاسلحة الى افغانستان حتى وقت اقرب مما كان متصورا.

واتفقت اربعة تقارير قدمت لمجلس الامن حول تجارة السلاح في الفترة بين ديسمبر (كانون الاول) 2000 والشهر الماضي، على ان باوت تخصص في كسر اطواق الحظر الدولي على تهريب السلاح. وقد تعرضت لنشاطاته كذلك تقارير المحققين من الولايات المتحدة وبريطانيا والامم المتحدة. وتقتصر تجارته، حصريا تقريبا، على الاسلحة المنتجة في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وخاصة في بلغاريا ورومانيا.

وقال لي وولسكي، العضو السابق في مجلس الامن القومي الاميركي، الذي كان على رأس جهد مشترك بين جميع الوكالات لتعطيل عمليات باوت خلال العامين الاخيرين من حكم الرئيس بيل كلينتون: «هناك اشخاص كثيرون يمكن ان يوفروا الاسلحة لافريقيا وافغانستان، ولكن قلة تعد على اصابع اليد الواحدة يمكن ان تنقل نظما كاملة من الاسلحة المتقدمة وبسرعة كبيرة. ولا شك ان فيكتور باوت على رأس تلك القلة».

ويقول المسؤولون الاميركيون والاوروبيون ان سانجيفان روبراه، المتهم بأنه واحد من اكبر المساعدين لباوت، اعتقل في بلجيكا بداية هذا الشهر بتهمة النشاط الاجرامي واستخدام جواز سفر مزور. ويقول المسؤولون الاميركيون ومحامو روبراه، الكيني الجنسية، انه كان على اتصال مع المسؤولين الاميركيين خلال الشهور الماضية، وكان يزودهم سرا بمعلومات عن باوت. وقال هؤلاء المسؤولون انهم لم يكونوا على علم مسبق بأن روبراه كان على وشك الوقوع في قبضة الشرطة البلجيكية.

ويقول المسؤولون الاميركيون كذلك انهم لم يعقدوا اية صفقة مع روبراه. وقالوا ان روبراه كشف بعد اعتقاله، مزيدا من المعلومات الهامة عن توريدات الاسلحة التي نقلها باوت الى حركة طالبان ومنظمة «القاعدة». وقال مسؤول اميركي كبير: «نحن مهتمون اهتماما فائقا بهذه القضية، وذلك لان روبراه يتحدث عن امدادات الاسلحة الى «القاعدة» وطالبان. وكان يقول لنا انه قام ببعض الاعمال السيئة ولكنه لم يتعامل مع «القاعدة»، وهو يفهم تماما ان علاقته بتلك الحركة ستكون عملا سيئا الى اقصى حد».

اهمية روبراه بالنسبة لباوت، حسب تقارير المحققين الاميركيين والمحققين التابعين للامم المتحدة، هي ان الاول كان على صلة بتجارة تهريب الماس بغرب افريقيا، وانه كان يشرف على جمع الاموال المستحقة لباوت والتي كانت تدفعها سيراليون والكونغو وانغولا كقطع من الماس. وكانت «القاعدة» قد اقامت شبكة عبر افريقيا للمتاجرة في الماس والسلاح وغير ذلك من السلع القيمة. وفي العام الماضي اضيف اسما باوت وروبراه الى قائمة المحظورين من السفر من قبل الامم المتحدة وذلك لعلاقتهما بليبيريا وحركة التمرد في سيراليون المعروفة بالجبهة الثورية الموحدة. ويقول جوهان بيليمان، خبير الاسلحة البلجيكي الذي ظل يحقق في عمليات باوت لمدة سنوات بتكليف من الامم المتحدة والذي اجرى محادثات عديدة مع روبراه في الشهور الاخيرة، ان الأخير كان على علم بالعمليات المالية لباوت، وخاصة في تجارة الماس. وينبع اهتمام بلجيكا بالموضوع من ان قاعدة روبراه كانت في انتويرب، مركز تجارة الماس في العالم. وفي مذكرة كتبها لوك دي تيمرمان، محامي روبراه، قال ان موكله يمارس نشاطا قانونيا في تجارته الافريقية. ومع انه يعترف ان باوت وروبراه يعرفان بعضهما البعض، الا انه قال انهما لم يكونا شريكين تجاريين. واضاف دي تيمرمان ان روبراه اتصل اخيرا بمكتب المباحث الفيدرالي الاميركي ووكالة الاستخبارات المركزية، وبالامم المتحدة والاستخبارات البريطانية، لتزويدهم بالمعلومات، سعيا منه لرفع الحظر الذي فرضته الامم المتحدة على سفره. ونفى ان يكون روبراه على علم بشحنات السلاح الى «القاعدة» وطالبان.

وتقول تقارير الامم المتحدة ان باوت اقام مركز عملياته في البداية في مدينة اوستند ببلجيكا عام 1995، ولكنه انتقل الى الامارات عام 1997 عندما بدأ المحققون البلجيكيون يحققون في شحناته الجوية. وتشير هذه التقارير الى ان باوت قام بشحن مئات الاطنان من الاسلحة الى متمردي يونيتا في انغولا، والى حكومة الرئيس تشارلز تيلور في سيراليون والى عدة فصائل مشاركة في الحرب الاهلية في الكونغو. وتمثل كل هذه العمليات خرقا لاوامر الامم المتحدة بحظر السلاح عن هذه الجهات.

وتصف تقارير الامم المتحدة روبراه بانه حلقة وصل اساسية بين باوت والرئيس تيلور. وتقول التقارير ان روبراه زود بجواز سفر دبلوماسي باسم سمير نصر، باعتباره نائب المفتش الليبيري لشؤون الملاحة البحرية. ويقول التقرير الصادر في ديسمبر (كانون الاول) ان روبراه نظم ثلاث رحلات جوية الى ليبيريا في يوليو (تموز) واخرى في اغسطس (آب) 2000 وانه ارسل في تلك الرحلات مروحيتين مقاتلتين وصواريخ ارض جو، وشاحنات عسكرية مصفحة ومدافع وملايين القطع من الذخيرة. وقد جاءت كل هذه الاسلحة من بلغاريا. ويعتقد المحققون التابعون للامم المتحدة والمحققون الاميركيون ان باوت نقل اسلحة الى جماعة «ابو سياف» بالفلبين.

وقال وولسكي: «يعتبر فيكتور باوت، وهو اكبر المشاركين في تجارة الامدادات السرية المحظورة في العالم، مساعدا لا غنى عنه للمنظمات الارهابية والاجرامية ولرؤساء الدول المارقة، ولكل من يستطيع ان يدفع».

وبناء على تقرير صدر عن الامم المتحدة في ابريل (نيسان) 2001 ، فان باوت يبلغ من العمر 35 سنة. وقد ولد في دوشنبه، تاجيكستان، وتخرج في المعهد العسكري للغات الاجنبية بموسكو. ويقول التقرير انه يتحدث بطلاقة ست لغات. وتقول التقارير ان باوت كان ضابطا سابقا بسلاح الطيران، ويحمل خمسة جوازات. ويقول المحققون انه معروف باسم «الذئب المستوحش» لانه يعمل وحده. ويقولون انه قصير القامة وممتلئ وله على الدوام شارب كث.

ولا يرد مكتب باوت بالامارات على الاتصالات الهاتفية. وقال احد مساعديه ان كل الموظفين التابعين له سافروا. وقال انه لا يعرف اين ذهبوا. ولم يرد شقيقه سيرجي، الذي يقيم باسلام اباد (باكستان) على الاتصالات الهاتفية. وقد رفض باوت الحديث الى محققي الامم المتحدة او الصحافيين. ويقول هؤلاء المحققون انه يملك 60 طائرة، بما فيها طائرات النقل الروسية الضخمة. وترتبط اجزاء عملياته بشبكة معقدة من خطوط الطيران والطائرات الخاصة وعمليات النقل التي تجعله يصل الى كل ركن في العالم. والشركة الاساسية التي يعمل تحت اسمها هي «اير سيس».

ولان باوت كان مهتما على الدوام بتضليل المحققين فانه كان يسجل طائراته باستمرار في اقطار افريقية جديدة، ولكنه كان يحتفظ بمقره في الشارقة.

وتخضع تعاملات باوت مع طالبان و«القاعدة» لتحقيقات اميركية سرية منذ اوائل عام .2000 ويقول مسؤولو الامم المتحدة واميركا ان باوت ابرم اول صفقة مع طالبان عام 1996، في الامارات العربية المتحدة. ونصت تلك الصفقة على ان تقوم شركة «اير سيس» التابعة لباوت بامداد وصيانة طائرات شركة ايريانا للطيران وسلاح الطيران الافغاني، وكلاهما يستخدمان طائرات سوفياتية قديمة. وكانت هناك شركة اخرى يملك باوت بعض اسهمها، وتسمى «فلاينغ دولفين»، تقوم برحلات جوية من دبي الى افغانستان، كما بدأت بعد ذلك بقليل سفريات منتظمة بين دبي ومدينة قندهار مركز نفوذ طالبان.

ويقول المحققون الاميركيون انهم يعتقدون الان أن كل تلك الرحلات كانت محملة بالاسلحة. وعندما ادى الحظر الذي فرضته الامم المتحدة الى ايقاف شركة ايريانا عن العمل في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2000، حصلت «فلاينغ دولفين» على اذن خاص مجهول الاسباب، واستمرت في عملياتها الجوية بين دبي وقندهار حتى يناير (كانون الثاني) عام .2001 وقال بيتر هين، الوزير البريطاني للشؤون الاوروبية واحد كبار المحققين في تجارة السلاح العالمية التابعة لباوت: «لا شك ان باوت امد القاعدة وطالبان بالسلاح». وقد كشفت الاستخبارات البلجيكية في تقرير لها ان باوت حصل على 50 مليون دولار من افغانستان، وذلك من عائدات مبيعات اسلحته الثقيلة الى طالبان. ويبدو ان باوت كان يرسل امدادات في نفس الوقت الى اعداء طالبان الذين كان بعضهم اصدقاء شخصيين له.

وحاولت الولايات المتحدة محاصرة باوت عن طريق تجميد ارصدته وعن طريق الضغط على الدول الاخرى، وخاصة الامارات، لتطرده. لكن المسؤولين الاميركيين يقولون ان ما يمكن ان يقوموا به ضد باوت محدود لانه لم يخرق القوانين الاميركية. وقد جمدت احدى شركات باوت العاملة في الولايات المتحدة، بولاية ميامي، في 19 سبتمبر (ايلول). وفي عام 2000 طلبت ادارة كلينتون «على مستوى عال جدا» من الامارات اغلاق عمليات باوت. ولكن المسؤولين الاماراتيين قالوا انهم لا يملكون ادلة على وجود نشاط اجرامي من قبل باوت. وقال مصدر اميركي: «كنا نفضل ان يغلقوا عملياته بصورة كاملة، ولكنهم مع ذلك اتخذوا خطوات متدرجة ادت في مجملها الى تعطيل عملياته». وقد كان من ضمن الاجراءات التي فرضوها مطالبته بمعدات متقدمة وباهظة الثمن لطائراته. ولكن قضية باوت تراجعت من حيث الاهمية عندما تولى الرئيس جورج بوش الرئاسة. ثم جاءت هجمات 11 سبتمبر (ايلول)، وتغير الوضع بالنسبة لباوت. وقال احد المسؤولين: «فجاة عاد باوت الى شاشات اجهزة راداراتنا بصورة مكثفة. وظهر فجأة ان الاهتمام به يعد امرا بالغ الاهمية».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»