كيف تتعامل أميركا مع أرقام الهواتف والوثائق المصادرة من مواقع «القاعدة» في أفغانستان

TT

القاء نظرة على العالم الجديد لاجهزة جمع المعلومات الاستخبارية لا يتطلب منذ هجمات 11 سبتمبر (ايلول) اكثر من متابعة الطريق الذي يمر به رقم هاتف بسيط.

فرقم الهاتف الافتراضي الذي عثر عليه في مواقع «القاعدة» في افغانستان ـ سواء في اجندة او جهاز كومبيوتر او مكتوب على ورقة ـ يذهب اولا الى مكتب وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع في قاعدة بغرام الجوية شمال كابل، لفحصه.

ومن هناك يذهب الرقم الى القاعدة الجوية الاميركية في خان اباد في اوزبكستان، حيث يتم اضافته في قواعد المعلومات الكومبيوترية ويقارن بارقام اخرى عثر عليها في افغانستان، واوروبا او اي مكان اخر في اطار تحقيقات الحكومة الاميركية ضد الارهاب.

وربما سيؤدي الرقم الى سجين في القاعدة الاميركية في غوانتنامو بكوبا، الذي استخدم الرقم او يعلم من استخدمه. او ربما، وفي مثال حقيقي حدث في الشهور الاخير، يكتشف ان الرقم هو «مقسم» للقاعدة استخدمه واحد من الخاطفين في هجمات 11 سبتمبر.

ان ارقام الهواتف هي واحدة من مجموعة متزايدة من الادلة يبذل المسؤولون الاميركيون جهدا كبيرا لتحليلها من ضمن الاف الصفحات من الوثائق الاليكترونية والعادية، بالاضافة الى المئات من اشرطة الفيديو وملايين من الاتصالات الصوتية والمعلومات حصلت عليها القوات الاميركية منذ دخولها افغانستان. واذا اضفنا الى ذلك نصوص ساعات طويلة من التحقيقات مع المشتبه فيهم من اعضاء القاعدة وطالبان، فمن المرجح ان ذلك يعتبر من اكبر تحقيقات واكثر العمليات الاستخبارية تعقيدا في الولايات المتحدة.

ان هذه الوسائل التي تم تجميعها بسرعة منذ هجمات 11 سبتمبر اصبحت حجر الزاوية في جهود الولايات المتحدة لافشال اية هجمات مستقبلية وملاحقة اعضاء القاعدة. كما ان تجميع محللين من القوات المسلحة ووكالة الاستخبارات الاميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالية، يعكس تعاونا لم يسبق له مثيل بين الوكالات التي كانت تجد صعوبة تاريخية في مشاركة المعلومات الهامة. ويأمل العديد من المسؤولين الاميركيين في ان يصبح مثل هذا النظام نموذجا للمستقبل.

وفي الوقت الذي يتردد فيه المسؤولون في اجهزة الاستخبارات في تقديم معلومات تفصيلية، فإنهم يقولون ان النظام الجديد كان حيويا في ردع مؤامرات ارهابية اخرى منذ 11 سبتمبر، وتحسين الفهم الاميركي، بصورة كبيرة، لشبكة القاعدة وزعيمها اسامة بن لادن المسؤول عن الهجمات على نيويورك ووزارة الدفاع.

ويعترف العديد من المسؤولين الاميركيين الذين لديهم معرفة بالنظام الجديد انه لايزال يواجه العديد من المشاكل ويعرقله التشكيل المتنوع، وندرة المترجمين لترجمة وتفسير المعلومات. فليس لدى الوكالات، في افغانستان كل المعدات والمحللين الذين يحتاجونهم لفك شفرة العديد من اجهزة الكومبيوتر، التي ترسل عادة الى الولايات المتحدة لفك شفرتها.

وذكر مسؤول اميركي كبير «هل هناك خطر في احتمال ان تفلت منا بعض المعلومات؟ بالطبع. ولكن الكثير من المعلومات كانت مفيدة.... لقد دهشنا من حجم وقيمة الوثائق. لقد احتفظوا، نسبيا، بسجلات جيدة».

ان المعلومات القادمة من افغانستان، وبصورة متزايدة من باكستان، تتعرض لعملية غربلة سريعة، كما ذكر المسؤولون في الادارة والاستخبارات.

الاولوية الاولى هي تعريف المعلومات التي يمكن ان تدخل ضمن المعلومات الاستخبارية التكتيكية، وايها يمكن ان تساعد القوات الاميركية في العثور على مخابئ القاعدة او طالبان، او تحذيرهم من تهديدات متوقعة. وفي كل الاحوال، فإن وكالة استخبارات الدفاع تتعامل مع الوثيقة، بينما تفحص وكالة الاستخبارات المركزية ملفات الكومبيوتر، طبقا لما ذكره مصدر.

وذكرت مصادر ان ضباط وكالة الدفاع والاستخبارات المركزية والقيادة المركزية التي تدير الحرب، يقدمون المعلومات التي تعتبر ذات اهمية كبرى للعمليات العسكرية الجارية الى الضباط في افغانستان فورا.

اما باقي المواد فيتم تقسيمها الى معلومات استخبارية، تلقى فحصا خاصا من وكالة الاستخبارات، والى معلومات تطبيق القانون التي يتعامل معها مكتب التحقيات الفيدرالي.

واحدى المشاكل الملحة خلال عمليات الفحص المبدئية للوثائق وغيرها من المواد المكتوبة في بغرام هي اللغة. فلدى وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية مجموعة محدودة من الاسئلة التكتيكية والاستراتيجية التي يجب الاجابة عليها ـ الاماكن المحتملة لاختباء وحدات طالبان و«القاعدة»، على سبيل المثال ـ ولكن توجد فجوات في المستوى الاول للترجمة. فالمواد مكتوبة باللغة العربية والباشتونية والاوردية والصينية والروسية.

ففي بغرام على بعد 35 ميلا شمال كابل تقدم المواد التي ربما تكون ذات اهمية فورية الى مجموعة تعد على اصابع اليد من الموظفين المحليين لترجمتها. اما الباقي فتذهب الى القاعدة في اوزباكستان، حيث يوجد المزيد من المترجمين والمحللين. وحيث يمكن نقل نسخ عبر الكومبيوتر الى اجهزة استخبارات القوات المتحالفة.

ويوجد مسؤولون من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الخزانة وغيرها من الوكالات في بغرام وخان اباد وهي قاعدة جوية سوفياتية سابقة، للاشراف على توزيع المواد المتعلقة بتمويل الارهاب والقضايا الاجرامية.

وتضم معظم المواد المعدة للاستخدام في مجلدات في اطار التحقيقات الجارية في عضوية «القاعدة» وطالبان في افغانستان وغوانتانامو. وتجرى التحقيقات في البلدين تحت اشراف القوات المسلحة الاميركية، بالاضافة الى مشاركة مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية، طبقا للمعلومات التي ذكرتها المصادر.

واضافت تلك المصادر ان المحققين في افغانستان يعملون على مستويين. فالاستجواب المبدئي للسجناء يتم عن طريق القوات الافغانية. ويحاول المحققون تحديد من هو الفرد ومعلوماته، وهو السؤال الذي يتكرر كثيرا منذ ان تبين ان العديد من المشتبه في عضويتهم للقاعدة قدموا اسماء مستعارة والبعض منهم تدربوا على ما يجب قوله والقيام به عندما يتم اسرهم.

واوضح مسؤول في وزارة الدفاع «اذا قالوا ان موظف اغاثة انسانية حوصر في المعارك، فمن المحتمل انهم تلقوا تدريبات. فهذه هي الاجابة التي صدرت لهم الاوامر بقولها. ويتم وضع هؤلاء الافراد جانبا لاجراء مزيد من التحقيقات، بينما يتم ارسال عدد قليل من المشتبه فيهم الى بغرام او قندهار في جنوب افغانستان.

اما بالنسبة للافراد الذين يتم ارسالهم الى غوانتانامو حيث يوجد 300 شخص، فهم الذين يعتقد المحققون ان لديهم ما يقولونه، والذين سيتعاونون مع مرور الوقت.

وفي غوانتانامو كما في بغرام يتم الحصول على التقارير الاستخبارية من الاسئلة والنتائج التي تمت اضافتها الى قواعد المعلومات. ويسأل المعتقلون قائمة محددة من الاسئلة، تتبعها اسئلة متكررة حول عدد من الموضوعات المحددة.

وأوضح مسؤول دفاعي «ان كل تحقيق يبحث عن معلومات محددة. كما حصل المسؤولون الاميركيون على عينات من الدماء من كل المحتجزين في غوانتانامو في اطار خطة لوزارة العدل الاميركية لانشاء قاعدة معلومات للحمض النووي للارهابيين المشتبه فيهم.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»