العاهل المغربي يوجه رسالة إلى المشاركين في ندوة دولية حول الحضارة الإسلامية في الأندلس ومظاهر التسامح

TT

أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس أن الواقع مرير تسوده أزمات وتحديات شتى، وتطبعه ظواهر تطرف المرجعيات، ورفض الاختلاف، والغلو في الاعتداد بالرأي والموقف، مما أفضى إلى مواجهات عنيفة وأحداث أليمة، ذهب ويذهب ضحيتها كل يوم عدد من الأبرياء، مشيرا الى أنها مآس «تؤكد مدى التردي الذي آل إليه السلوك الفردي والجماعي، في غيبة القيم الإنسانية النبيلة التي حلت مكانها نزعات عدمية عابثة».

وقال العاهل المغربي، في رسالة وجهها الى المشاركين في أشغال ندوة دولية حول «الحضارة الاسلامية في الأندلس ومظاهر التسامح»، وتلاها المستشار عباس الجيراري صباح أمس في جلسة الافتتاح، إن الظرفية الحالية في حاجة ملحة إلى مراجعة تعيد الأمور إلى نصابها، بحكمة وتعقل، من أجل تخليق الحياة العامة، وجعل العلاقات بين الشعوب قائمة على مبادئ الوسطية والاعتدال والتعايش.

وأضاف أن «المغرب الذي كان له اسهام كبير في بناء الأندلس، وتشييد حضارتها وثقافتها منذ الفتح وعلى مدى ثمانية قرون، والذي كان أهم ملاذ آوى المهاجرين المسلمين واليهود، الذين اضطروا بسبب الاضطهاد إلى الخروج منها بعد الاسترداد، ليعتز بأن يكون المحتضن لكثير من المظاهر الحضارية والثقافية الأندلسية المتجلية على الخصوص في الموسيقى وفنون العمارة والزخرفة والفسيفساء وفي بعض جوانب الحياة الاجتماعية».

وذكر العاهل المغربي أن الحضارة الإسلامية في الأندلس تميزت بتعايش الأعراق والمعتقدات والثقافات تحت مظلة الإسلام بتسامحه الذي لم يلبث أن انعكس على النفوس والأفكار، مضيفا أن هذه الحضارة تعتبر من خلال النمط الحضاري المتميز الذي أبدعه الأندلسيون، بما كان له من تأثير على مسيرة الحضارة العربية الإسلامية في مختلف الأقطار وفي النهضة الأوروبية صلة وصل بين التراث الحضاري القديم وما أنتجته العهود الحديثة والمعاصرة.

وأشار إلى أن «جميع هذه المظاهر انصهرت في بوتقة الوحدة التي كان الأندلسيون حريصين عليها بالرغم من إكراهات التاريخ والتي أقاموها وفق منظومة تتسم بمراعاة التنوع والتعدد والحفاظ على التوافق والتكامل».

ونوه بمبادرة نخبة من الجامعيين السعوديين والمغاربة بمساندة من الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز لإقامة مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات الذي «ينهج في ممارساته وأنشطته العلمية أسلوب الحوار الحضاري بتسامح وتفتح يتجاوزان الذات إلى الآخر».

وأكد خالد العنقري، رئيس مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، أن المركز وضع خطة عمل ترمي إلى تشجيع الدراسات والأبحاث الخاصة بالحضارة الاسلامية بالأندلس، وإنشاء مكتبة متخصصة، وموقع خاص على شبكة الإنترنت، وإصدار موسوعة أندلسية تقدم مواد متنوعة وتعطي فكرة عامة عن كل ما يتعلق بالأندلس تاريخيا وجغرافيا وحضاريا.

كما أشار الى أن هذه الخطة تكمن في إصدار مجلة متخصصة في الدراسات الأندلسية وحوار الحضارات وتشجيع الحوار بين الثقافات وعقد ندوات ولقاءات ومهرجانات علمية بمشاركة كبار الباحثين المتخصصين وإنشاء متحف دائم بمقر المركز يعرف بالميراث الفني والثقافي الأندلسي.

وتجري أشغال الندوة على مدى ثلاثة أيام، تستعرض خلالها «التسامح الديني» و«التواصل الحضاري» و«التفاعل الثقافي» و«المظاهر الفنية» و«المظاهر الاجتماعية» و«المظاهر العلمية» و«المظاهر الفكرية» و«أعلام ورحالة أندلسيون» و«حوار الحضارات».

يذكر أن «مركز دراسات الاندلس وحوار الحضارات» الذي اختيرت مدينة الرباط لاحتضان مقره، أحدث أخيرا بمباركة من الملك محمد السادس والامير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز، وبمبادرة من لفيف من الباحثين والجامعيين السعوديين والمغاربة.