عشية الحكم في استئناف لوكربي: جدل في واشنطن حول تقييم العلاقات مع ليبيا

TT

تعكف ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش على تقييم سياستها ازاء الزعيم الليبي معمر القذافي بعدما قامت ليبيا بمبادرات تجاه واشنطن في الفترة الاخيرة املا في الغاء قرار الولايات المتحدة بمنع شركات النفط الاميركية من العمل في ليبيا. وحسب مصادر اميركية فان ليبيا قدمت معلومات استخباراتية حول المنظمات الارهابية منذ هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، فيما تحدث دبلوماسيون وقانونيون حول احراز تقدم باتجاه التوصل الى تسوية مالية واعلان مسؤولية ليبيا في ما يتعلق بتفجير طائرة «بان اميركان» فوق بلدة لوكربي باسكوتلندا في ديسمبر (كانون الاول) .1988 وقال مسؤولون في الادارة الاميركية ان الولايات المتحدة لا تعتزم تغييرا وشيكا في سياستها ازاء ليبيا، لكن مؤيدين للانفتاح في العلاقات قالوا ان فتح صفحة جديدة مع ليبيا سيكون بمثابة رسالة الى دول اخرى تتهمها واشنطن بالارهاب، يدل على انها ستكافأ ان غيرت سلوكها. كما من شأن هذا التوجه ان يظهر للدول العربية ان سياسة الابعاد والعزل الاميركية ليست دائمة بالضرورة. كما انه سيلبي رغبات الشركات النفطية الاميركية التي تطالب بالسماح لها بالعودة الى السوق الليبية. غير ان المتشككين طرحوا تساؤلات حول الحكمة وراء رد الاعتبار لليبيا خصوصا في ظل حملة الولايات المتحدة على الارهاب. فقد قال مسؤول في ادارة بوش ان «بين واشنطن وطرابلس الكثير من القضايا العالقة»، مؤكدا ان ليبيا مطالبة ببذل الكثير من الجهد لاثبات مصداقيتها.

الجدير بالذكر ان محكمة الاستئناف الاسكوتلندية ستنطق غدا بحكمها في الطعن الذي قدمه المواطن الليبي عبد الباسط المقرحي الذي ادين بتفجير طائرة «بان اميركان» فوق لوكربي عام .1988 فإذا ايدت المحكمة الحكم السابق، يأمل مفاوضون من ليبيا وبريطانيا والولايات المتحدة في التوصل الى شروط لرفع العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة على ليبيا، اذ تعبر هذه خطوة اولية لاجراء أي تغيير على الحظر الذي تفرضه عليها الولايات المتحدة من جانب واحد. وقال مسؤول اميركي مهتم بالشؤون الليبية، ان ثمة «ضوءا في نهاية النفق اذا تصرفت ليبيا على نحو صحيح». كما اوضح مسؤولون بارزون في ادارة بوش ان أي قرار خاص برفع قرار حظر الشركات الاميركية عن العمل في ليبيا سيستغرق زمنا طويلا، مؤكدين ان القرار النهائي غير معروف حتى الآن. اما وزير الخارجية الاميركي كولن باول، فقد ابدى من جانبه قلقا ازاء ما وصفه بـ«اهتمام» ليبيا باسلحة الدمار الشامل، كما اشار كذلك الى ان تقريرا صدر عن وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) ذكر ان ليبيا لا تزال تسعى للحصول على تكنولوجيا للصواريخ واسلحة كيماوية.

تجدر الاشارة الى ان 11 من اعضاء مجلس الشيوخ الاميركي كانوا قد كتبوا خطابا الى باول الشهر الماضي مؤكدين على ضرورة «الا تتبع الادارة الاميركية اية طرق مختصرة لاعفاء ليبيا من العقوبات التي فرضتها عليها منظمة الامم المتحدة». وطالب هؤلاء النواب بأن تصدر الحكومة الليبية بيانا واضحا حول قبولها المسؤولية عن تفجير طائرة «بان اميركان». كما اوردوا في رسالتهم ان الادارة الاميركية اذا ارادت ان تلبي المتطلبات التي اعلنتها منظمة الامم المتحدة في هذا الشأن، عليها «ان تكون مقتنعة تماما دون ادنى شك بأن ليبيا قد تخلت عن دعم الارهاب، وان تبلغ الولايات المتحدة بكل ما تعرف». ووقعت على الخطاب مجموعة تضم ليبراليين ومحافظين على حد سواء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، مثل ادوارد كنيدي وهيلاري كلينتون ودايان فينشتاين، بالاضافة الى مجموعة اخرى معروفة بانتمائها الى التيار المحافظ مثل جيسي هيلمز وسام براونباك. ورد باول بأن الادارة الاميركية ابلغت ليبيا بأن «لا طرق قصيرة... ولا صفقات»، فقد كتب باول: «اصبح من المهم الآن اكثر من أي وقت مضى ان تضع ليبيا ماضيها الارهابي وراء ظهرها نهائيا بما في ذلك التعامل مع قضية لوكربي حسب ما يطلب المجتمع الدولي».

وكانت شركات النفط الاميركية التي خرجت من ليبيا عام 1986، وهي «ماراثون» و«كونكو» و«آميرادا» و«هيس» و«اوكسيدنتال»، قد رفعت قضيتها الى الكونغرس والبيت الابيض، لكنها كانت تدرك انه لن يكون هناك قرار حول عملياتها في ليبيا مرة اخرى الا بعد البت في قضية لوكربي. وقال احد المشاركين في الحملة المطالبة بعودة شركات النفط الاميركية الى ليبيا، ان اسر ضحايا لوكربي يجب ان تتلقى تعويضات ويجب كذلك التوصل الى نهاية في القضية نفسها. واضاف ان هدفهم الاساسي هو حماية ارصدة هذه الشركات حتى تصبح قادرة على العودة الى ليبيا بمجرد استئناف علاقات طبيعية مع ليبيا. ويتوقع المراقبون ان يلعب قرار محكمة الاستئناف دورا في المسألة برمتها. فالتفكير الحالي تجاه هذه القضية يتركز على فرضية تأييد القضاء الاسكوتلندي الحكم الصادر ضد عبد الباسط علي المقرحي. كما ان بعض الليبيين، بمن في ذلك نجل القذافي سيف الاسلام، قال الحكومة الليبية ستدفع في الغالب تعويضات حتى في حال اسقاط التهمة عن المقرحي.

من جهتها، تعتقد سوزان كوهن، والدة احد ضحايا تحطم طائرة «بان اميركان»، بان على القذافي ان يعترف بصورة مباشرة بمسؤولية ليبيا، وان يكشف كل المعلومات، في الوقت الذي يعتقد فيه الكثير من مسؤولي الادارة الاميركية ان القذافي لن يتحمل في الغالب أية مسؤولية شخصية في ما يتعلق بهذه القضية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»