انتقادات في أميركا لنشر نتائج «خاطئة» عن استطلاع في 9 دول إسلامية حول السياسة الأميركية وهجمات سبتمبر

عدم الأخذ في الاعتبار فروق عدد السكان أدى إلى الاستخلاص بأن نسبة كبيرة من المسلمين تبرر الهجمات الإرهابية

TT

لا يزال استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة «غالوب» في دول اسلامية وصدر الشهر الماضي مصدرا مهماً للأنباء، الا ان الامر ليس جيدا بالنسبة لمؤسسة «غالوب» نفسها ولا لصحيفة «يو. إس. ايه. توداي» ولا لشبكة «سي. إن. إن» التلفزيونية.

فقد شن المجلس الوطني للاستطلاعات العامة، وهو عبارة عن هيئة مراقبة لمؤسسات استطلاع الرأي، هجوما عنيفا على «يو. إس. ايه. توداي» وعلى «سي. إن. إن» للطريقة التي نشرتا بها نتائج الاستطلاع الذي اجري في تسع دول اسلامية. لكن يبدو الآن ان «غالوب» نفسها هي التي امدت الصحافيين بالنقاط المثيرة في الاستطلاع والتي كانت هدفا لانتقادات المجلس الوطني للاستطلاعات العامة.

كما بدا واضحا ان الاثارة لم تكن ضرورية، وانها اساءت الى مشروع استطلاعي مميز وهام، طبقا لما ذكره الخبراء. لكن الامر الاساسي هو ان الاستطلاع اثار ضجة كبيرة حول العالم، اذ عبر الرئيس الأميركي جورج بوش عن قلقه بخصوص النتائج، كما كان الحال مع عدد من الدبلوماسيين والمسؤوليين الأميركيين.

فطبقا لم نشرته «سي. إن. إن» و«يو. إس. ايه. توداي»، كشف الاستطلاع ان 53 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع كانت لديهم آراء معادية للولايات المتحدة، و9 في المائة اعتقدوا ان العمليات العسكرية في أفغانستان غير مبررة، بينما اعتقد 18 في المائة في ست دول ان العرب هم الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الماضي. يذكر ان ثلاث دول اسلامية رفضت لمؤسسة «غالوب» بطرح هذا السؤال الاخير على المستطلعين.

غير ان هذه النتائج لا يمكن العثور عليها في موقع «غالوب» على شبكة الانترنت. ويرجع السبب الى مشكلة كبيرة اكتشفها المجلس الوطني، ومفادها، ان هذه النتائج المثيرة كانت «متوسط الاجابات في الدول التي اجري فيها الاستطلاع بغض النظر عن عدد السكان. فالكويت التي يقل عدد سكانها عن مليوني مسلم عوملت بنفس الطريقة التي عوملت بها اندونيسيا التي يزيد عدد سكانها عن 200 مليون مسلم».

والقضية المثيرة تكمن في بروز فروق كبيرة في النتائج عبر الدول التسع. فعلى سبيل المثال، قال 36 في المائة من الذين استطلعت آراؤهم في دولة الكويت الصغيرة، ان هجمات 11 سبتمبر كانت مبررة اخلاقية مقارنة بـ 4 في المائة فقط في اندونيسيا. واذا اخذ متوسط النتائج في الدولتين، وهو ما فعلته مؤسسة «غالوب» طبقا لما ذكره المجلس الوطني للاستطلاعات، فان النتائج تشير الى ان 20 في المائة من المسلمين يبررون الهجمات. ولكن اذا تم تعديل النتائج طبقا لعدد السكان، فإن النتيجة تكون مختلفة تماما، وهي ان 5 في المائة من المسلمين في الكويت واندونيسيا يعتقدون ان الهجمات مبررة اخلاقيا.

والسؤال المطروح هو كيف حصل الصحافيون على الارقام المتوسطة المزورة. واكد اندريه ستون، الصحافي الذي كتب الموضوع ونشرته صحيفة «يو. إس. ايه توداي» في صفحتها الاولى متضمناً تلك المتوسطات الملتوية، انه حصل على الارقام من «غالوب».

ويتضح المتوسط من الفاكس الأول الذي بعثت به «غالوب» الى الصحيفة والى شبكة «سي. إن. إن» ما مفاده «لست مسؤولا عن الحسابات». واعترف فرانك نيوبورت رئيس تحرير «غالوب» ان المتوسط دخل في المواد التي ارسلت الى المؤسسات الاعلامية. فهل يعني هذا ان «غالوب» نفسها مسؤولة ضمنا عن التلاعب؟ يجيب نيوبورت قائلا «لا أدري». واوضح نيوبورت ان المحللين في «غالوب» حذروا مرارا من استخدام الارقام المتوسطة عندما تمت اذاعة النتائج في ندوة عقدت في واشنطن. ولكن لم يظهر مثل هذا التحذير في الفاكس التي ارسل الى «يو. إس. ايه توداي» او الى «سي. ن. إن»، وكان هذا الفاكس هو الذي استخدمه المحررون لصياغة تقاريرهم.

وتجاهلت «غالوب» الاشارة الى متوسطات الارقام في تحليلها لنتائج الاستطلاع. وبدلا من ذلك اشارت الى نتائج في دول منفردة، وحثت الآخرين على القيام بنفس الامر. وقال نيوبورت «انظروا الى نتائج كل دولة على حدة، وانظروا الى الفرق في التوجهات بين الدول. هذه هي الطريقة التي اخترناها للنظر الى النتائج».

وتجدر الاشارة الى ان نيوبورت هو نائب رئيس المجلس الوطني للاستطلاعات، الذي يضم العديد من هيئات الاستطلاعات المحترمة في الولايات المتحدة. وقد رفض القول عما اذا كان اقر تقرير المجلس ام لا. و«غالوب» تشترك عادة مع «سي. ان. ان» و«يو. اس. ايه. توداي» في الاستطلاعات الوطنية، الا ان المؤسسات المعنية لم تشترك في إجراء الاستطلاع الذي اجري في الدول الاسلامية التسع.

غير ان كل ذلك لا يشير الى ان العناوين المستقاة من استطلاع «غالوب» في الدول الاسلامية كان يمكن ان تكون مختلفة كثيرا اذا ما اجريت تعديلات مناسبة او استخدمت النتائج في كل دولة على حدة. وتبقى الحقائق نفسها، وهي ان العديد من المسلمين في الدول المعنية يعادون السياسة الأميركية.

وبالطبع، فانه من السهل الاشارة الى متوسط عام واحد بدلاً من الاشارة الى 9 نتائج منفصلة. ولكن في حالة الاستطلاع الاخير، كان الامر خطأ وغير ضروري.

وذكر وارن ميتوفسكي وهو عضو في مكتب المراجعة في المجلس الوطني «كان يمكن نشر هذا الموضوع بدون المتوسط العام». واضاف انه بغض النظر عن أي شيء، كان من الممكن ان يتحسن هذا الموضوع «لأن المتوسط العام ليس له معنى».

ويبقى ان استطلاع «غالوب» في الدول الاسلامية، على الرغم من نقاط الضعف الذي احتواها، يحاول تقديم افكار حول آراء المسلمين في العالم تجاه الولايات المتحدة. وقد وصفه المجلس بأنه «دراسة هامة ومثيرة»، وذكر همفري تايلور عضو مكتب المراقبة في المجلس الوطني ورئيس مؤسسة «هاريس انتراكتيف» ان المكتب لم يكن على علم بأن «غالوب» هي مصدر الارقام المتوسطية.

كما ان المجلس الوطني اوضح في تقريره خطأ «سي. ان. ان» و«يو. إس. ايه. توداي» في تكرار الادعاء بأن المشروع هو استطلاع «العالم الاسلامي»، اذ ان الدول التسع التي اجري فيها الاستطلاع لا تضم الا 40 في المائة فقط من المسلمين في جميع انحاء العالم. وهذه الدول هي: اندونيسيا وايران والأردن والكويت ولبنان والمغرب وباكستان والسعودية وتركيا. وتغيب عن هذا الاستطلاع المسلمون في الهند ومصر وبنغلاديش ونيجيريا. ورغم ذلك، فان «غالوب» لم تدع ان نتائج الاستطلاع تمثل آراء جميع المسلمين في العالم.

وعلى الرغم من أن الاستطلاع جرى في عدد محدود من الدول الاسلامية، فان العدد الاكبر ممن استطلعت آراؤهم كان في دولتين اثنتين. وقال المجلس الوطني «ان ثلثي المسلمين في الدول التسع يعيشون في اندونيسيا وباكستان».

كما تبين انه ليس كل من استطلعت اراؤهم من المسلمين. فقد اوضح بيان المجلس ان «الاستطلاع ضم نماذج من سكان الدول، وليس المسلمين فقط». وربما تمثل هذه القضية مشكلة بسيطة، اذ ان حوالي 500 فقط من بين 9924 من الذين شاركوا في الاستطلاع هم من غير المسلمين طبقا لـ «غالوب».

واثيرت كذلك قضية المواطنة لمن تم استطلاع آرائهم. فعلى سبيل المثال، كان اقل من نصف الذين استطلعت آراؤهم في الكويت ليسوا من المواطنين. وقال نيوبورت ان منظمته سترى ما اذا كانت هناك تغييرات مطلوبة لتقليل فرص اساءة تفسير المعلومات، او اساءة استخدامها.

غير ان نيوبورت امتنع عن انتقاد «يو. إس. ايه. توداي» و«سي. ان. ان» للطريقة التي استخدمتا بها النتائج في موضوعاتهما. واوضح «ان جوهر ما تحدثتا عنه في موضوعاتهما كان اشارة دقيقة لما كشفت عنه المعلومات».

وعلى الرغم من ذلك، فان تلك المتوسطات غير الصحيحة لا تزال تنتشر في الولايات المتحدة وانحاء العالم. واشار اليها تيم روسرت في البرنامج التلفزيوني الأميركي «لقاء الصحافة»، كما اشارت اليها هيئة الاذاعة البريطانية «بي. بي. سي» ووكالة الصحافة الفرنسية وصحيفة «الغارديان» البريطانية، وغيرها من الصحف.

ولا ينوي المجلس الوطني تعديل بيانه لتوجيه بعض الانتقاد لـ «غالوب» لاصدار متوسطات للنتائج. واوضح تايلور «لقد انتهى الامر».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»