جدل حول الكتب المدرسية الأفغانية لإلغاء «ثقافة الحرب» التي روجتها أميركا ضد السوفيات

خبراء أميركيون وأفغان يبذلون مساعي لإحلال صور الرمان والبرتقال مكان الأسلحة

TT

انفقت الولايات المتحدة اثناء الحرب الباردة ملايين الدولارت لامداد اطفال المدارس الافغان بكتب دراسية تنتشر فيها صور العنف والتعاليم الاصولية في إطار دعم المقاومة ضد الاحتلال السوفياتي.

وقد استخدمت تلك الكتب المدرسية التي تشتمل على تعاليم تحث على «الجهاد» وعلى صور مثل البنادق والرصاص والجنود والالغام، كأساس للنظام المدرسي الافغاني. وحتى حركة طالبان استخدمت تلك الكتب الاميركية، وإن كانت قد حذفت منها وجوه البشر لاعتبارها ان ذلك مخالف للشريعة الاسلامية.

ومع اعادة فتح المدارس الافغانية، امس، عادت الولايات المتحدة مرة اخرى الى امداد المدارس بالكتب الدراسية. ولكنها تصارع الآن النتائج غير المقصودة لاستراتيجيتها التي نجحت سابقاً في استثارة الحماس الديني بهدف مقاتلة الشيوعية. وما كان يبدو كفكرة جيدة في اطار الحرب الباردة يتعرض الآن الى انتقادات من جانب العاملين في مجال الاغاثة الانسانية باعتباره وسيلة فجة دفعت جيلا بأكمله نحو العنف والتطرف.

وذكر مسؤول اميركي يعمل في مجال المساعدات الخارجية الشهر الماضي ان الولايات المتحدة تشن حملة «تنظيف» في باكستان لتطهير الكتب من كل اشارة الى المسدسات والقتل.

وقد أرسلت الولايات المتحدة نحو 4 ملايين كتاب مدرسي إضافة الى ملايين اخرى لا تزال في طريقها الى هناك، وكلها تحتوي على آيات قرآنية وتعاليم دينية اسلامية. ودافع البيت الابيض عن المحتوى الديني الذي تشتمله الكتب قائلاً ان المبادئ الاسلامية تنتشر في الثقافة الافغانية وان الكتب «ملتزمة بالكامل مع القوانين والسياسات الاميركية». غير ان خبراء قانونيين في الولايات المتحدة يتساؤلون ما اذا كان إرسال هذه الكتب ينتهك حظرا دستوريا على استخدام اموال دافعي الضرائب الاميركيين للترويج للدين. ويشار الى ان على المنظمات التي تتلقى تمويلا من وكالة التنمية الدولية الاميركية ان تؤكد ان اموال دافعي الضرائب الاميركيين لن تستخدم للترويج الديني. وتشير الوكالة الى انها «تمول فقط البرامج ذات الاهداف العلمانية، ولا يمكن للنشاطات الممولة من الوكالة ان تؤدي الى التلقين الديني للمستفيد الاخير».

وقد اثيرت قضية محتويات الكتب المدرسية وسط قلق متزايد بين صانعي القرار في الولايات المتحدة بخصوص التعاليم المدرسية في بعض الدول الاسلامية التي تتصاعد فيها الأصولية ومعاداة الولايات المتحدة. وتدرس مجموعة من الاجهزة الحكومية الاميركية ما يمكن القيام به لمواجهة هذه الاتجاهات.

وكان الرئيس الاميركي جورج بوش والسيدة الاميركية الاولى لورا بوش قد لفتا الانظار الى قضية الكتب المدرسية الافغانية في الاسابيع الاخيرة. فيوم الاحد الماضي، اعلن بوش خلال خطابه الاذاعي الاسبوعي ان 10 ملايين كتاب من الولايات المتحدة في طريقها الى المدارس الافغانية ستعلم «احترام الكرامة الانسانية، بدلا من غسل مخ الطلبة بالتعصب والكراهية». وكانت السيدة الاولى تقف بجوار رئيس الحكومة الافغانية المؤقتة حميد كرزاي في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي للاعلان ان وكالة المساعدات الدولية ستمنح جامعة نبراسكا 6.5 مليون دولار لاعداد نصوص مدرسية ووسائل تدريب للمدرسين.

وذكر المسؤولون في وكالة المساعدات الدولية في مقابلات صحافية، انهم تركوا المواد الاسلامية كما هي، بسبب خشيتهم من رفض المسؤولين الافغان في قطاع التعليم للتعديلات المحتملة في الكتب. واوضحت كاثرين ستراتو المتحدثة باسم الوكالة ان الوكالة ازالت شعارها وأي اشارة الى الحكومة الاميركية من النصوص الدينية.

والكتب المدرسية منشورة باللغتين الداري والبشتو، وكان قد تم تطويرها في اوائل الثمانينات في اطار منحة من وكالة التنمية الدولية الى فرع جامعة نبراسكا في اوماها ومركز الدراسات الافغانية التابع لها. وانفقت الوكالة 51 مليون دولار على البرامج الجامعية في افغانستان في الفترة من 1984 الى .1994 وخلال تلك الفترة من الاحتلال السوفياتي، ساعدت القيادات الاقليمية الافغانية الولايات المتحدة على تهريب الاسلحة في البلاد. وطالبت بضرورة اشتمال الكتب المدرسية على نصوص معادية للسوفيات. وتعلم الاطفال مبادئ الحساب بالاطلاع على صور تحتوي على دبابات وصواريخ والغام، طبقا للمعلومات التي اشار اليها المسؤولون في الوكالة. واعترفوا ان الامر آنذاك كان يناسب المصالح الاميركية ببث معاداة الغزاة الاجانب، في اشارة الى السوفيات.

واوضح كريس براون رئيس مراجعة الكتب في قوة العمل الخاصة بآسيا الوسطى في الوكالة «اعتقد اننا كنا في غاية السعادة لرؤية هذه الكتب وهي تساهم في التخلص من الاتحاد السوفياتي». وقد توقفت الوكالة عن تمويل البرامج الافغانية عام .1994 لكن الكتب المدرسية استمرت في الانتشار بأشكال مختلفة، حتى بعدما استولت حركة طالبان على السلطة عام .1996 وقال المسؤولون ان الجماعات الخيرية الخاصة دفعت تكلفة الاستمرار في اعادة طبع هذه الكتب خلال سنوات حكم طالبان. ولا تزال حتى اليوم هذه الكتب واسعة الانتشار في المدارس والمحلات، الامر الذي يضايق العاملين في هيئات المساعدات الدولية.

وقال خبير التعليم الافغاني احمد فهيم حكيم «ان الصور الموجودة في الكتب المدرسية فظيعة بالنسبة لطلبة المدارس، والنصوص اسوء بكثير». ويشغل حكيم منصب منسق البرامج للتعاون من اجل السلام والوحدة وهي منظمة باكستانية غير ربحية.

وقد اطلع موظف في منظمة اغاثية في المنطقة على كتاب من مائة صفحة واكتشف فيه وجود 43 صفحة تحتوي على فقرات او صور عنيفة.

واوضح يعقوب روشان من مركز افغانستان في جامعة نبراسكا ان الكتب المدرسية احتوت على النصوص العسكرية «لاثارة المقاومة ضد الغزو. وحتى في شهر يناير الماضي فإن الكتب لا تزال كما هي تحتوي على نفس صور الرصاص والكلاشينكوف وغيرهما».

وخلال حكم طالبان، حذف المراقبون الافغان صور البشر من هذه الكتب. ففي واحدة من النصوص، خلال تلك الفترة، يظهر مجاهد يضع السلاح على كتفه غير ان رأسه مفقودة. ومكتوب أعلى الصورة آية قرآنية وتحتها عبارة بالبشتو تحث على الجهاد.

وبعد بدء العمليات العسكرية الاميركية في أفغانستان في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي بدأت منظمة «يونيسيف» التخطيط لاعادة فتح المدارس الافغانية مستخدمة مجموعة جديدة من الكتب المدرسية اعدها 70 من خبراء التعليم في افغانستان. وفي اوائل يناير الماضي بدأت «يونيسيف» في طبع مجموعة جديدة من الكتب المدرسية في عدد من الموضوعات الدراسية.

وفي خلال ايام، اعلنت الحكومة الافغانية المؤقتة انها ستستخدم الكتب القديمة التي اعدتها وكالة المساعدات الدولية الاميركية، بينما ستستخدم الكتب التي اعدتها «يونيسيف» ككتب اضافية. وفي مطلع العام الجاري، دفعت الولايات المتحدة نفقات اعادة طبع الكتب القديمة من ميزانية المساعدة الاميركية لاعادة اعمار افغانستان والتي تصل قيمتها الى 296 مليون دولار. وازالت كل الاشارات الداعية للعنف. وفي 4 فبراير (شباط) الماضي، وصل كريس براون رئيس ادارة مراجعة الكتب في الوكالة الاميركية الى مدينة بيشاور الباكستانية حيث يتم طبع النصوص المدرسية بهدف الاشراف على مراجعة عاجلة على الكتب الجديدة. وبذل عشرة من خبراء التعليم الافغان جهدا كبيرا طوال الليل والنهار لاحلال صور للرمان والبرتقال محل صور الاسلحة. وقال براون «لقد حولناها من برنامج دراسي من زمن الحرب الى برنامج دراسي في زمن السلام».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»