قراءة في وثائق 1971 البريطانية (25) ـ أبا إيبان اقترح إلحاق غزة بالأردن مع قبول وجود رمزي في القدس

TT

مرة اخرى يستحق السفير البريطاني في تل ابيب ايه. جي. بيرنز التوقف امام مذكرته الضافية لوزير خارجيته السير دوغلاس هيوم. (السفير صاحب مذكرة اسرائيل العنيدة المتشددة والتي اقر فيها بان الاسرائيليين هم اسوأ اعداء لانفسهم. الحلقة 7، 30 يناير / كانون الثاني 2002).

في هذه المذكرة التي كتبها عشية اول زيارة لوزير الخارجية الاسرائيلي لبريطانيا قام بها ابا ايبان في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1971 قطع السفير بيرنز ايضا بآراء جريئة طالب فيها بابلاغ الاسرائيليين ان السادات هو افضل رئيس يمكن ان يحصلوا عليه وكيف ان اسرائيل ظلت تتشدد في مواقفها دوما للحصول على طائرات الفانتوم الاميركية، وذلك حسب الوثائق السرية البريطانية لعام 1971 والتي افرج عنها حديثا. في المقابل، وعلى صعيد محادثات هيوم وايبان كشف الاول ان ايبان ابلغه بامكانية تعديلات حدودية صغيرة تذهب بموجبها غزة للاردن مع اعادة رمزية للوجود الاردني بالقدس اذا تقبل ذلك العالم العربي. الوثيقة كشفت ايضا ان اسرائيل لا تريد سيادة أحادية او سيطرة مطلقة على المدينة القديمة. هذا الى جانب تسريب اسرائيل لنصوص استبيان وفد قادة منظمة الوحدة الافريقية الذي قام في مرحلة ما بالتوسط بين اسرائيل ومصر.

وثيقة رقم: 1 التاريخ: 18 نوفمبر 1971 الى: السير دوغلاس هيوم. وزير الخارجية.

من: السفير. تل ابيب.

الموضوع: قبل زيارة ابا ايبان للندن. سري للغاية.

سيدي.

1 ـ عشية اول زيارة رسمية لوزير الخارجية الاسرائيلي الى انجلترا كضيف على حكومة المملكة، ربما يكون من المفيد لك ان تمتلك حسابا مختصرا للوضع الحالي وآثاره على مصالحنا.

2 ـ حول الصراع العربي ـ الاسرائيلي وهو الخبز الذي تعيش عليه السياسة في هذا البلد، يكون اول طبق في قائمة الطعام حاليا هو الاتفاقية حول قناة السويس. الاسرائيليون ليسوا على استعداد لابتلاع الطبق الا اذا اضيفت اليه بعض التوابل بالمزيد من طائرات الفانتوم، ومع ذلك، فقد يكون عليهم الابتلاع صعبا. ومكونات الطبق مألوفة اميركياً. الامران الاكثر مشقة هما الربط بالتسوية الدائمة، او على الاقل بمشكلة الجبهة مع مصر، وقضية العبور المصري العسكري للقناة.

3 ـ رغم ان السياسيين، بمن فيهم ايبان نفسه، والعسكريين يعتقدون بامكانية حل المشكلة، واذا كان للانسحاب المحدود الذي يرونه بداية ضرورية للسلام ان يتحقق، فالمزاج العام السائد يظل اكثر قتامة.

وبالتاكيد، وفي داخل الحكومة الاسرائيلية، فالنظرة الغالبة تتجه الى عدم امكانية تقديم تنازلات دون طائرات فانتوم، ومع ذلك، فالمثير للشكوك هو الى اي حد هم راغبون حقا في الفانتوم. وربما يعتبرون ان الدعم الاميركي اكثر اهمية من الحصول على طائرات أكثر. والفانتوم هنا رمز لذلك الدعم، ولكن اذا قدم لهم الاميركيون بعض التاكيدات، وربما بشكل مشروط، فسيكون من الصعب عليهم ان لا يدفعوا الثمن، وعلى الاقل بالموافقة على فتح المفاوضات. ولكنهم جميعا، وبمن فيهم ايبان يرون المفاوضات عملية طويلة، فيما يتجه المتشددون، بينهم لجعلها كذلك. الجنرال ديان اقل رغبة في اتفاقية حول قناة السويس، واكثر من الطريقة التي ناقشها بها قبل عام. الرأي العام الاسرائيلي المستقل عن التوجيه الرسمي، اصبح اكثر تشددا ضدها مثلما بدت تعابير السادات ضد اسرائيل ذاتها اكثر تشددا. جولدا مائير مصنفة في عداد المتشددين سواء بحساب الحساسية او عدم احتمال ان يتفاداها ديان.

4 ـ منذ ذلك الوقت، ظهر الرؤساء الاربعة على المشهد، جاءوا، اذا لم يكن بالحب، فعلى الاقل بالتعاطف والموضوعية، وبأكثر مما توقع الاسرائيليون، وقد سعد الاسرائيليون بتشديد الرئيس سنغور على الحاجة لمفاوضات مباشرة اكثر. ولن يعرفوا بالطبع النتائج قبل عودة بعثة منظمة الوحدة الافريقية اواخر هذا الشهر، ربما قبيل وصول ايبان الى لندن. ويبدو الاسرائيليون كما لو انهم يفكرون في ان هذه المبادرة الافريقية، والتي رأوها في البداية كخطر، قد تجذب الانتباه، وليست مضيعة للوقت. وبأي نسبة، فقد يرغبون في الابقاء على خيار المفاوضات الافريقي مفتوحا اكثر من رغبتهم فيه من الاميركيين، وذلك كالطبق الثاني في المائدة، وفي الاعتبار هنا الضغوط التي قد يعرضها لهم الاميركيون.

5 ـ مع مثل هذه الظروف، فليس هناك أمل كبير يمكن ان يعقد على ان تقود مفاوضاتكم مع ابا ايبان الى تقابل كثير في العقول، او الى تقدم ايجابي. وسيرحب بلا شك بكل ما قلته حول ضرورة التقارب بين الاطراف... يبدو ان اقصى ما نستطيع تأميله هو ان نؤسس نقطتين اساسيتين. اولا بوسعنا ان نحاول اقناع الاسرائيليين، في ضوء قوة خبرتكم في القاهرة وتقارير سفير حكومة الملكة هناك، بان النظام المصري الحالي يريد ويحتاج بالحقيقة للتقدم تجاه السلام، وان الرئيس السادات هو افضل رئيس لمصر بالنسبة الى اسرائيل، وانه، واذا لم يستطع اظهار السلام، رغم انه قد لا يفي بتهديداته باللجوء للحرب، فانه ومن الممكن ان يسقط عن الحكم. اذا تم قبول هذا التحليل في صورته العريضة، وقد لا يكون ذلك بالامر السهل، فثانيا، بوسعنا ان نحاول اظهار حاجة اسرائيل لتنظيم المسرح للمفاوضات بصورة افضل مما فعلت في السابق. فهي لن تكشف يدها مقدما ولن يكون من الموضوعية في شيء ان نطلب منها فعل ذلك. في الحقيقة، وفي نهاية الامر، فمن المشكوك فيه عدوتها لجبهة مصر ما قبل الحرب من دون تعديلات هناك. ولكننا، من الممكن، ان نسعى جادين تجاه تأكيدات صريحة منهم بان اهتمامهم ينصب تجاه الامن فقط وانها لا ترغب في حيازة الارض مع التركيز على الكلمتين الاخيرتين ( يقصد على الارض.. «الشرق الاوسط») 6 ـ اذا كان الطبق الرئيسي في شريحة قائمتنا للطعام هو التسوية الدائمة للصراع، فمن الظاهر ان يأخذ ذلك وقتا طويلا في الطبخ، ولن يكون من العقل في شيء ان نبلل شهيتنا سريعا. فاتفاقية القناة، او شيء يشابهها، فاتح شهية ضروري حتى اذا كان الطبق الرئيسي يصرخ مطالبا بتناوله. اقصى الذي نأمله في هذه المرحلة تناول الوجبة هو ضمان التأكيدات القادمة بضرورة وجود طبق رئيسي على المائدة وان شهية اسرائيل لن تنسد بعد تناول الطبق الاول فقط.

7 ـ 8 ـ 9 عن المشاكل الاقتصادية داخليا وخارجيا.

10 ـ كما اشرت لك في رسائلي بتارخ 10 اغسطس (آب) و15 سبتمبر (ايلول) فبعض الامراض التي تعرضت لها المجتمعات الغربية، والتي سكنت جسد اسرائيل السياسي، قد بدأت في افراز اعراضها منذ وقف اطلاق النار في اغسطس 1970. ولا شك ان تلك الاعراض ستظهر اذا ما عادت الحرب، لكن ذلك القهر سيكون مثل جراحة قاسية، في هذه الاثناء يكون على اسرائيل ان تتواكب مع فجوة اجيال، ومشكلة اللون، والمخدرات، والفوارق بين الاصول العرقية، والتجليات التي تحييها مثل تلك التوترات. الفوارق الاجتماعية غالبا ما تتزامن مع الفوارق الاقتصادية وتفاقمها، وهما كذلك يفرضان ضغوطا اكثر على القادة الاسرائيليين.

11 ـ سيكون من الخطأ رسم صورة كثيرة السواد. فاسرائيل ابدت قدرة ملحوظة على تجاوز مشاكلها بشد رباط احذيتها وبطريق غير مباشر رباط احذية اليهودية العالمية. ولكن، ومع ذلك، وعلى الاقل فالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية تؤكد حاجة اسرائيل للسلام الذي يمكن به التعامل معهم والذي هو الشرط السابق لأي تناغم اجتماعي ومستويات معيشة اعلى. ولا يعني هذا القول ان اسرائيل ستلعب بسرعة وتفرط في امنها، كما لا يعني ذلك ان نتوقع ذلك منها. ففي نهاية المطاف ستكون مستعدة للاعتماد على نفسها، ولكنها تعرف انها تحتاج للاصدقاء ايضا، وليس فقط العم سام. ولا اعتقد انه سيكون من الخيالي، وفي اطار الحدود التي تراها وكما يفرضها عليها نمط دفاعها، ان اقول انها مستعدة للتجاوب مع ايماءات الصداقة. وبين تلك الايماءات، سيكون، وذلك أملي، موافقتكم العلنية على تحديد يوم ترد فيه على زيارة ايبان.

السفير البريطاني. تل ابيب.