3 أسباب على الأقل تدفع الفتيات الفلسطينيات إلى القيام بعمليات انتحارية مثل الشبان

TT

يوم الجمعة الماضي قتلت فتاة فلسطينية آيات الاخرس نفسها واثنين من الاسرائيليين في عملية انتحارية، ملتحقة باثنتين سبقتاها.

حجرة المعيشة في منزل عائلة عودة، بمقاعدها المزينة بالزهور المنقوشة، وطاولتها المصقولة وتماثيلها ونقوشها، ليست بالمكان الذي يمكن ان تلتقي فيه بـ«ارهابي» او «ارهابية»، واقعا او افتراضا. ولكن شيرين عودة (14 سنة)، التي تدلت سلسلة ذهبية من فوق ياقتها العالية، لا تتردد في القول: «اذا كان شارون يدعونا ارهابيين، فاننا يجب ان نريه الارهاب الحقيقي».

ولكن هل يمكن لها هي نفسها ان تصبح مهاجمة انتحارية؟

«بمشيئة الله. اذا كانت لدي الامكانيات، فانني كنت سأنفذ الهجوم يوم امس».

في هذا العالم الخاص بشيرين، أي في مخيم الدهيشة للاجئين في بيت لحم، ليس ثمة ظلال افتراضية حول هذا الجواب. ففي يوم الجمعة الماضي ذهبت آيات الاخرس (18 سنة)، وهي جارة وصديقة لآل عودة، الى سوبر ماركت في تل ابيب وفجرت عبوتها الناسفة، وقتلت نفسها واثنين من الاسرائيليين.

وتقوم اسرائيل حاليا بشن اكثر حملاتها اتساعا على الاراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن حصيلة الحملات السابقة، بما فيها غزو مخيم الدهيشة في بداية مارس (اذار) الماضي توضح المشاكل والعقبات امام الجهود الاسرائيلية لايقاف الهجمات الانتحارية وتدمير ما يسميه المسؤولون الاسرائيليون «البنية التحتية للارهاب».

ويقول المسؤولون الاسرائيليون ان احتلال الاراضي الفلسطينية يمكن ان يقلص النشاطات الارهابية ولكن الى حدود معينة فقط. ولا يمكن استمرار الحد من هذه النشاطات الا في ظل الوجود الدائم لهذه القوات الاسرائيلية. ولكن عندما تعود هذه القوات الى مواقعها فانها تترك الناس وهم اكثر تصميما على الحاق ضربات قاصمة باسرائيل.

قال مسؤول اسرائيلي لم يشأ الكشف عن اسمه: «تبذل الحكومة ويبذل المسؤولون مجهودات هائلة للمحافظة على التوازن بين الحاجة المطلقة لمحاربة الارهاب، والاصداء السلبية لاستخدام درجة مبالغ فيها من العنف. ولا يوجد من يخدع نفسه بأنه لا توجد اصداء سلبية».

قبل ثلاثة اسابيع استولت القوات الاسرائيلية على اسلحة في مخيم الدهيشة، ولكنها في نفس الوقت قتلت مدنيا اعزل يسمى عيسى فرج، عامل البناء الذي يقول جيرانه انه كان يلعب مع احد ابنائه. وقد ذهبت اسرة الاخرس لمساعدة جارها الجريح. ويقول والد آيات، سمير الاخرس، ان ابنته صرخت عندما رأت جارها مصاباً بجراحه القاتلة.

ويقول والد آيات وخطيبها شادي ابو لبن، انها لم تشر من قريب او من بعيد الى ما عزمت على تنفيذه. وقال خطيبها انها كانت مسلمة خالصة الاسلام، ولكنها لم تكن مسيسة بصورة واضحة. ولكن الرجلين اللذين صارا يعزيان احدهما الآخر وهما يستقبلان المعزين يذكران الصرخة المدوية ولا يدريان ان كانت الصدمة التي تعرضت لها آيات في تلك اللحظة هي التي دفعتها للاقدام على عملها الانتحاري.

على بعد دقيقتين مشيا من منزل عائلة الأخرس بدت عائلة عودة وهي تعبر عن حزنها على موت آيات. اما عودة، والد شيرين وست اطفال آخرين، فقد بدا مذهولا عندما وجد نفسه في موقف من يحاول إثناء بناته عن الاقدام على اقصى ما يمكن ان يقدمه الشخص كتضحية سياسية.

قضى عودة سنوات طويلة في مخيم الدهيشة، وهو مجموعة من الابنية الاسمنتية التي تؤوي اللاجئين الفلسطينيين بعد حرب 1948 التي اعقبت اقامة دولة اسرائيل، وتمكن من تحقيق المستوى المعيشي للطبقة الوسطى من خلال عمله في القسم المسؤول عن خدمة الزبائن في شركة تستورد غسالات «ويرلبول» ضمن اشياء اخرى. يقول عودة ان عبء الابوة هنا في المخيمات يعتبر الاكبر مقارنة بأي مكان آخر في العالم.

عندما لا تفكر ابنته شيرين حاليا في ان تصبح انتحارية تعمل بجد واجتهاد في دراستها وتعتبر الرياضيات مادتها المفضلة. وتقول شيرين ان خيارها الاحتياطي هو دراسة الطب اذا فشلت في ان تصبح «شهيدة». وبالنسبة لشيرين فإن العمل الذي اقدمت عليه آيات يعتبر عظيما ومثيرا للاعجاب في النفوس، كما انه جعلها تعتقد ان الكل يرغب في ان يكون مكانها.

تمشي شيرين بعرجة واضحة مما يعني استبعاد احتمال اختيارها لتنفيذ عملية انتحارية، ولكن من الواضح ان شيرين وشقيقتها شروق، اقرب صديقات آيات، فكرتا مليا في تنفيذ اعمال عنف.

تقول شروق، وهي تكبر شيرين بعامين واكثر ميلا للبكاء على آيات بدلا من حسدها على ما قامت به، ان تنفيذ عمليات انتحارية ظل على مدى فترة طويلة موضوعا للنقاش بين صديقاتها لمجموعة من الاسباب. فاولا، تعتبر هذه الاعمال انتقاما للفلسطينيين الذين يقتلهم الاسرائيليون. وثانيا، تعتبر الهجمات الانتحارية ضربة مؤلمة لاسرائيل لكي تنهي الاحتلال. واخيرا، «لا يمكن تحقيق امن اسرائيل على حساب دموع اطفال مخيمات اللاجئين».

ولكن الهجمات الانتحارية نادرا ما تضع نهاية للدموع، فخطيب آيات، ابو لبن، لم يتحمل سوى بضعة اسئلة فقط من الصحافيين ربما لأن آيات نفسها كانت تخطط لدراسة الصحافة بجامعة بيت لحم بعد انتهائها من المرحلة الثانوية.

كان ابو لبن يجلس على مقعد بلاستيكي في غرفة باردة وكانت عيناه محمرتين من البكاء. الذين يحزنون على الانتحاريين كثيرا ما يقولون انهم فخورون بتضحياتهم، غير ان ابو لبن تحدى هذا التقليد فيما يبدو، فقد قال: «اسأل الله ان يغفر لها ما فعلت»، قال ذلك بهدوء واستأذن. عبر ابو لبن الزقاق ودخل منزل اسرة آيات حيث كانت نساء الاسرة يستقبلن المعزين. كان العلم الفلسطيني يرفرف اعلى مقدمة البناية، اما الجدران فقد امتلأت بالرسومات والملصقات. وكما هو الحال في الاماكن الاخرى حيث الفقر والكثافة السكانية العالية، فإن ازقة وممرات المخيم تعتبر المساحات الأنسب للعب الاطفال. ولا شك في انهم سيرون وجه آيات في كل مكان.