الجزائر: الحكومة تفكر في تأجيل الانتخابات البرلمانية بسبب الاضطرابات في القبائل

TT

أفادت مصادر مطلعة، أمس، أن الحكومة الجزائرية «تفكر جديا» في تأجيل الانتخابات البرلمانية المقررة يوم 30 مايو (ايار) القادم إلى موعد لاحق «قد لا يتعدى نهاية العام»، على اعتبار أن بقاء حالة الفراغ يجب ألا تستمر طويلا.

وذكرت المصادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن مستشارين في الرئاسة تدارسوا خيار تأجيل موعد الانتخابات إلى حين «توفر ظروف سياسية أليق».

موازاة مع ذلك، يجري التفكير في «أسلم الطرق لإطفاء النار المشتعلة (منذ عام) في منطقة القبائل، وإيجاد مخرج يزيل الانسداد السياسي مع الحفاظ على السير العادي لمؤسسات الجمهورية».

ولم تخف ذات المصادر أن قرار جبهة القوى الاشتراكية، التي يتزعمها القائد التاريخي حسين آيت أحمد، رفض المشاركة في الاقتراع القادم «هز بقوة أركان الحكومة، وجعلها تعيد النظر في حساباتها بخصوص مستقبل الوضع في منطقة القبائل»، في ظل مقاطعة سكان تلك الجهة واستمرار الاحتجاجات الدامية فيها. ولم يكن موقف حزب آيت أحمد المعارض وحده الذي «أجبر الحكومة على إدراج احتمال تأجيل الانتخابات ضمن خياراتها»، بل هناك أيضا المواقف المتقاربة للطبقة السياسية وتردي الأوضاع بشكل مخيف في منطقة القبائل. وقد سارع حزب العمّال إلى مطالبة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتأجيل موعد الاقتراع، حيث أعلنت البرلمانية والمتحدثة باسم الحزب، لويزة حنّون، في مؤتمر صحافي عقدته أمس، أنها تفضل أن يتأجل موعد الانتخابات البرلمانية، لأن «تنظيم انتخابات وطنية من دون منطقة القبائل من شأنه أن يفتح الباب أمام دعاة الانفصال» من راديكاليي الحركة الاحتجاجية الذين يطالبون بمنح المنطقة نوعا من الاستقلال الذاتي. كما أكدت حنّون أن «التأجيل لا يعني مقاطعة الانتخابات»، إضافة إلا أن مطلب إعادة النظر في موعد الاقتراع يبقى، في نظر حزب العمّال، مجرد اقتراح لمساعدة السلطة على تخطي الأزمة التي أسقطتها فيها أحداث منطقة القبائل، أما إذا بقيت الحكومة مصرة على تنظيم الانتخابات في موعدها المقرر فإن الحزب سيكون حاضرا. وتساءلت حنون أيضا عن سر التصعيد الذي عرفته المنطقة منذ أن أعلن الرئيس بوتفليقة قراره جعل الأمازيغية لغة وطنية في الدستور بدون استفتاء الشعب، وكذا بداية انسحاب عناصر قوات الدرك من منطقة القبائل، وهي الإجراءات التي جاءت في الواقع تلبية لبعض مطالب الحركة الاحتجاجية في تلك المنطقة، غير أن ذلك، وخاصة قرار ترحيل الدرك ساهم، حسب مسؤولة حزب العمال، ليدفع الأمور «إلى مزيد من التعفن».

وكانت عدة شخصيات سياسية وطنية قد أعلنت في تصريحات لها أن السلطة مجبرة على إيجاد حل نهائي للأزمة في منطقة القبائل قبل إجراء الانتخابات، لأن ذلك من شأنه أن يحمي البلد من «السقوط في وضع أخطر لا سابق له ويصعب توقع عواقبه». ومن بين هذه الشخصيات رئيس الحكومة الأسبق مقداد سيفي الذي قدّر، في تصريح نشرته صحيفة «الفجر» المحلية أمس، أن إجراء الانتخابات التشريعية في ظل الانسداد السياسي الحاصل يعتبر مساسا بكرامة الشعب الجزائري ودفعا له نحو المجهول. وكان الجنرال المتقاعد رشيد بن يلّس قد دعا، قبل أيام، الجزائريين إلى مقاطعة انتخابات 30 مايو (أيار) وأكد أن ذلك يعد «واجبا وطنيا». وقبل إعلان قرار حزبه عدم المشاركة في هذا الموعد الانتخابي، كشف أحمد جدّاعي الأمين الأول لجبهة القوى الاشتراكية أن قيادة الحزب أجرت مشاورات واسعة مع عدد من السياسيين الفاعلين في الساحة الجزائرية، من بينهم رئيسا الحكومة السابقان سيد أحمد غزالي، ومقداد سيفي، والجنرال المتقاعد بن يلّس، والأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني عبد الحميد مهري، والأمين العام السابق للتجمع الوطني الديمقراطي (حزب الأغلبية) الطاهر بن بعيبش ووزير النقل السابق سعيد بن داكير. ويعترف المراقبون أن خبر مقاطعة «القوى الاشتراكية» موعد الاقتراع خلط أوراق السلطة التي كانت تراهن على مشاركته بعد جولات من الاتصالات التي تكون جرت بين الطرفين.

كما دفع هذا القرار الداعين لإجراء الانتخابات في موعدها إلى التوقف وإعادة التفكير من جديد في جدية مقاطعة منطقة القبائل، وكان مسؤولون حكوميون وحزبيون موالون للسلطة قد أكدوا أن الانتخابات يجب أن تجري في موعدها ولا يهم أن يقاطعها سكان منطقة القبائل. وهو ما دفع حركة مجتمع السلم، المشاركة في الائتلاف الحاكم، إلى تأجيل قرار مشاركتها أم لا في الاقتراع النيابي، إذ أن هذا التردد في موقف حزب محفوظ نحناح وحتى أحزاب أخرى يوحي بأن وراء «ورقة القبائل» رهانات أكبر لها علاقة بصراع أجنحة في السلطة والرئيس بوتفليقة محور أساسي فيها.

وينتظر أن تصدر عن الحكومة إشارات بخصوص ما تفكر فيه حول الموضوع، خلال اجتماع مجلس الوزراء الذي يرأسه بوتفليقة اليوم، ويخصص أصلا لدراسة الأمر الرئاسي المتعلق بإدراج الأمازيغية في الدستور، قبل اجتماع غرفتي البرلمان الأسبوع القادم للتصويت عليه.