عرب إسرائيل يلومون الحكومة الإسرائيلية رغم قتلاهم في تفجير مطعم حيفا

أسرة عدوي أحد ضحايا العملية الانتحارية تلف نعش ابنها في علم فلسطيني

TT

شهدت مدينة حيفا امس تشييع جنازة سهيل عدوي (32 عاما) الذي راح ضحية الانفجار الذي نفذه انتحاري في احد مطاعم مدينة حيفا، مما اسفر عن مقتل 15 شخصا من بينهم الانتحاري. وتختلف هذه العملية عن الهجمات الانتحارية السابقة في جانب واحد وهو ان احد ضحاياها، وهو سهيل عدوي، عربي يحمل الجنسية الاسرائيلية ويعيش في هذه المدينة الساحلية، اما منفذ العملية فهو ايضا عربي يحمل الجنسية الاسرائيلية ويعيش في الضفة الغربية.

مقتل عدوي ومنفذ العملية يشير الى بعد آخر للحرب المستمرة بين الاسرائيليين والفلسطينيين يتمثل في مليون عربي من مواطني اسرائيل يشكلون ما يزيد على 16 في المائة من سكان اسرائيل.

ورغم ان الغالبية تبدي تعاطفا مع الجانب الفلسطيني، فإن الكثيرين يدينون بالولاء لاسرائيل ولم يشاركوا في احداث العنف. الاسرائيليون من جانبهم ظلوا يشعرون بالقلق ازاء احتمال تطرف مواطني اسرائيل من العرب. كما ان عملية تفجير مطعم حيفا دفعت بهذه المشاعر الى السطح، فقد لف جثمان عدوي بعلمين فلسطينيين مما يشير الى تأييد اسرته للاسباب التي ادت الى الانفجار الذي راح عدوي ضحيته. علاوة على ذلك، معظم من حضروا تشييع جثمان عدوي لم يلقوا باللوم على المسؤول عن الانفجار الذي اودى بحياة عدوي بل يلومون الحكومة الاسرائيلية بسبب معاملتها للفلسطينيين.

وقد اعلن يوم الاحد عن منفذ الانفجار وهو شادي زكريا طوباسي (22 عاما) من مدينة جنين بالضفة الغربية، كما ذكرت وسائل الاعلام الاسرائيلية ان والد شادي فلسطيني متزوج من فلسطينية تحمل الجنسية الاسرائيلية. وقالت اسرته انه يحمل بطاقة هوية كمواطن اسرائيلي. ويعتبر طوباسي الانتحاري الخامس الذي ينفذ هجوما ضد اسرائيل خلال خمسة ايام. ويتحدر الكثير من الانتحاريين من مدن وقرى الضفة الغربية.

ويقول عزمي بشارة، عضو الكنيست الاسرائيلي، ان الكثيرين لا يتفقون مع عمليات الانتحاريين، لكنه اشار الى ان هناك من يشعر بالاحباط الذي يدفع الانتحاريين لتنفيذ مثل هذه العمليات. واضاف بشارة، الذي حضر تشييع جنازة عدوي، ان الناس لا ينظرون الى عدوي كونه ضحية للفلسطينيين وانما ضحية للاحتلال الاسرائيلي.

وقال حسن جبارين، وهو فلسطيني يحمل الجنسية الاسرائيلية ويترأس مجموعة حقوق مدنية تسمى «عدالة»، انه يشعر بالقلق ازاء المستقبل، كما قال انه يخشى من ان يؤدي الوضع الى المزيد من المآسي.

وساعد جبارين في تنظيم اعتصام في حيفا امس حضره 200 شخص، اذ وجه المعتصمون، ثلاثة ارباعهم من العرب، احتجاجاتهم الى الحكومة الاسرائيلية. وفيما حرص جبارين على التأكيد على انه ومؤيديه لا يقرون الهجوم على المدنيين، اوضح انه يتفهم الاحباط الذي يشعر به منفذو هذه العمليات.

وفي نفس الوقت يعترف جبارين بأن العرب الاسرائيليين يشعرون بنفس القلق الذي يشعر به اليهود. وكان جبارين قد اتصل عقب وقوع انفجار مطعم حيفا بوالدته لطمأنتها على انه بخير ولم يصب بأذى، اذ بات هذا النوع من الاتصال امرا مألوفا لدى الاسرائيليين هذه الايام. ويؤكد كذلك ان العرب الاسرائيليين يشعرون بنفس القلق والمخاوف وكما يقول انه لا بد من الحرص في اختيار الاماكن التي يذهب اليها.

ويذكر ان العلاقات بين العرب الاسرائيليين وجيرانهم اليهود ظلت مصدرا للتوتر المستمر، فقد ظل العرب يشكون باستمرار من انهم يعاملوا كمواطنين من الدرجة الثانية ويعانون من الفقر والعطالة في الغالب او يعملون في وظائف هامشية وهذا ما لا يحدث لجيرانهم اليهود. وازداد التوتر بصورة اكثر وضوحا منذ اندلاع الانتفاضة في الاراضي المحتلة، اذ تظاهر عرب اسرائيل عدة مرات منذ سبتمبر (ايلول) 2000 تأييدا للانتفاضة الفلسطينية. وفتحت الشرطة الاسرائيلية النار على متظاهرين في عدة مسيرات احتجاج مما ادى الى مقتل 13 من عرب اسرائيل. وقررت لجنة حكومية كلفت بالنظر في هذا الامر بأن الشرطة استخدمت عنفا زائدا، بيد ان الاستياء ظل داخل الكثيرين.

ورغم كل ذلك قال عرب اسرائيليون يسكنون في حيفا والمدن المحيطة بها ان ولاءهم لاسرائيل لم يضعف. يقول اشرف دياب (28 عاما)، وهو عربي اسرائيلي تعيش اسرته في مدينة شفا عمرو التي تبعد 12 ميلا الى الشرق من حيفا، انه يعيش في اسرائيل ويدفع ضرائب للدولة، مؤكدا ان كون الشخص مواطنا هنا يجعل ولاءه لاسرائيل. تملك اسرة دياب مطعم «تمارا غاردينز» الذي يقدم خدماته للعرب واليهود على السواء، غير ان عدد زبائنه شهد تراجعا واضحا في الآونة الاخيرة خوفا من ان يصبح هدفا لهجوم انتحاري محتمل. ويقول دياب نفسه ان امتلاك العرب للمطعم لا يعتبر بأية حال ضمانة لسلامة أي شخص. ويشير دياب الى الموائد التي تسع 750 زبونا في قاعة المطعم قائلا ان هذه المساحة من المحتمل ان تكون ممتلئة باليهود، كما اشار الى ان الانتحاري لن يلقي اهتماما الى ما اذا كان يملك المحل عربي او حتى اذا سيؤدي الانفجار الى قتل بضعة عرب. ويقول عوض حاج (45 عاما)، وهو عربي اسرائيلي يدير مطعما وقاعة لحفلات الزفاف، ان يهوديا اقتحم محله بعد ساعات على وقوع انفجار حيفا وشتم العرب وقلب الموائد وخرج. وقال حاج وهو يهز رأسه حزنا، انه يعتمد على الزبائن اليهود وانه يشعر بنفس الغضب الذي يشعرون به ازاء اوضاع العنف، كما اضاف انهم يشعرون بالخوف، شأنهم شأن غيرهم، وقال ان اطفاله طلبوا منه ان يأخذهم الى مركز للتسوق في حيفا لكنه رفض قائلا انه لا يثق هذه الايام الا في نفسه فقط.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»