«الشرق الأوسط» في كفرشوبا: التحركات الفلسطينية تقلق الأهالي وكثيرون منهم نزحوا من البلدة

TT

معظم ابناء منطقة كفرشوبا الحدودية اللبنانية يشعرون بالخوف على مصيرهم ومستقبل بلدتهم في ظل المواجهات الدائرة بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي، فالتطورات الميدانية المتلاحقة تنذر بتدهور الاوضاع ما لم تسفر مساعي التهدئة عن لجم سريع للتصعيد ويعيدة الامور الى طبيعتها.

ومن المعروف ان البلدة تقع في اقصى الجنوب اللبناني على السفح الغربي لجبل الشيخ وعند مثلث استراتيجي يربط لبنان بسورية وفلسطين المحتلة، وقد شهدت منذ اواخر الستينات اجتياحات اسرائيلية متعاقبة ومجازر متعددة ارتكبها الاسرائيليون بحجة القضاء على العمل الفدائي الفلسطيني في هذه المنطقة التي عرفت بمنطقة «فتح - لاند» (ارض «فتح») في الستينات والسبعينات بعد ان منح الفلسطينيون ـ وفقاً لاتفاقية القاهرة التي نظمت العلاقات بين الجيش اللبناني والثورة الفلسطينية عام 1969، حق التمركز في منطقة العرقوب (اي منطقة كفرشوبا وحاصبيا).

وما يزيد من قلق الاهالي وتخوفهم حالياً ليست العمليات التي ينفذها مقاومو «حزب الله» ـ التي يؤيدها الاهالي في ظل استمر الاحتلال الاسرائيلي لمزارع شبعا ـ بل العمليات» «المجهولة المصدر» التي كانت حصيلتها اطلاق صواريخ الكاتيوشا والغراد على مواقع اسرائيلية خارج منطقة مزارع شبعا.

وسط هذه الاجواء زارت «الشرق الاوسط» بلدة كفرشوبا فلاحظت ان السكون يلف احياءها والحركة في شوارعها شبه معدومة بعدما كانت تضج بالحياة قبل ايام. اما المنازل الواقعة عند الاطراف الشمالية لكفرشوبا فقد اصبحت شاهداً على الاعتداءات الاسرائيلية التي تعرضت لها البلدة ولا تزال. ويخرق السكون بين الحين دوي طلقات نارية متفرقة مصحوبة بقذائف يطلقها الجيش الاسرائيلي على كفرشوبا من مواقعه المشرفة على البلدة في مزارع شبعا المحتلة. كثيرون من الاهالي آثروا المغادرة في انتظار معرفة ما ستؤول اليه الامور، خصوصاً مع تراجع مقومات العيش في ظل الظروف العادية، فكيف الحال مع التصعيد واجواء الهلع؟ وقد انعكست هذه الاجواء على عمل المؤسسات التعليمية والاجتماعية والصحية فمدرسة البلدة، مثلاً، مقفلة لان العدد المتبقي من التلاميذ لا يبرر فتحها.

احدى المدرسات في البلدة، فاطمة اللقيس، وصفت الوضع بأنه «خطير جداً». وقالت: «نحن نعيش في ظروف مقلقة. ولا نعرف المصير الذي ينتظرنا. ونأمل بمعالجات للوضع تنهي حالة التوتر كي لا نبقى اسرى الهلع والخوف».

بدوره قال محمد العبد الله، وهو صاحب محل سمانة في البلدة: «افكر جدياً في المغادرة آملاً في ظروف عيش افضل، فمنذ اسبوع لم ابع الا بعشرين دولاراً». لكنه رفض تحميل المقاومة مسؤولية الوضع الذي وصلت اليه منطقته. وتساءل: «لماذا الحق على المقاومة؟ من حقنا ان نقاوم لان لدينا ارضاً محتلة. ولدى الكثيرين من اقربائي واصدقائي اراض ما زالت محتلة ولا يتمكنون من الوصول اليها». واضاف «ان ابناء البلدة متضامنون مع الشعب الفلسطيني، لذلك لا نرى عيباً في دعم هذا الشعب انطلاقاً من القرى الجنوبية». وتمنى العبد الله ان تفتح جميع الجبهات العربية الاخرى «لان المسؤولية يجب ان تقع على الجميع وليس على لبنان فقط». اما مريم غانم فقالت: «منذ ان انسحب الاسرائيليون لم نشعر بمثل هذا الخوف، البلدة يغادرها سكانها وفي الليل نشعر بخطر كبير». وذكرت ان جيرانها «غادروا مع اشتداد القصف، كما ان مستوصف البلدة غير مجهز لاستقبال حالات طارئة ولم تمده الدولة بالمستلزمات المطلوبة. وليس لدينا ملاجىء نحتمي بها من القصف والغارات الاسرائيلية».

وسجل محمد ضاهر ملاحظات على اداء الدولة اللبنانية «لجهة عدم تشددها في موضوع ضبط العمليات التي تنفذ من قبل فلسطينيين». وبرر رفضه لمثل هذه العمليات ليس لانه في موقع الرفض لها... وانما لسحب الذرائع من يد اسرائيل . وطالب باعتقال «كل شخص يحاول استدراج الساحة اللبنانية الى مواقع لا يريدها لبنان».

الناس في منطقة العرقوب التي يبدو انها ستبقى ساخنة يخافون من ان يعيد التاريخ نفسه لجهة العمل الفدائي الفلسطيني، ففي عام 1966 ألقت السلطات الامنية اللبنانية القبض على احد الفدائيين المتسللين من منطقة كفرشوبا لتنفيذ عملية في منطقة شمال اسرائيل، وهذا الفدائي كان ياسر عرفات .ويروي القرويون ان الجيش اللبناني اعتقله آنذاك مع عشرة فدائيين وبحوزتهم اسلحة ومتفجرات. ويومها ادعى ابو عمار انه عريف في الجيش المصري. وقد نقلهم الجيش مخفورين الى سجن الرمل في بيروت فأوقفوا ثلاثة اسابيع قبل ان يخلى سبيلهم.

اليوم تسترجع الذاكرة صورة هذا المشهد، بعد حوادث التسلل الفلسطيني في نفس المكان. ويأمل كثيرون من ابناء المنطقة ان لا تشكل هذه العمليات مبرراً لاسرائيل لشن عدوان على لبنان كما حصل في السابق.