العمل الإعلامي في المناطق الفلسطينية.. كتابة بالدم

TT

كتب مراسل صحيفة «يو اس اي توداي» جاك كيلي صيف العام الماضي مقالا حول 12 يهوديا متطرفا في الضفة الغربية فتحوا النار على سيارة اجرة فلسطينية كانت تقل من وصفهم قائد المجموعة المتطرفة بـ«المسلمين القذرين». وقال كيلي انه ظل يتلقى 3000 رسالة بريد الكتروني يوميا لمدة 10 ايام بعد نشر مقالته تضمن بعضها تهديدات بالقتل. واضاف كذلك ان بعضهم ارسل له باقة من الورود التي توضع على التابوت قبل الدفن، مؤكدا ان الرسالة واضحة تماما وتتلخص في انه اذا لم يكف عما يفعل فإنه يجب ان يتحمل العواقب.

وقد ظلت التغطية الصحافية لاحداث الشرق الاوسط على مدى فترة طويلة امرا محفوفا بالمخاطر للمراسلين الاجانب كما اتضح الاسبوع الماضي عندما اصيب مراسل صحيفة «بوستون غلوب» انتوني شديد، برصاصة في كتفه في رام الله الخاضعة للسيطرة العسكرية الاسرائيلية. ولكن حتى الذين لم يتعرضوا لاصابات جسدية لا يمكن ان يسلموا من نيران السباب والاساءات اللفظية. وتقول روبن رايت، مراسلة صحيفة «لوس انجليس تايمز» التي ظلت تغطي احداث الشرق الاوسط على مدى ما يزيد على ربع قرن تقريبا، ان قراءها يشعرون بالغضب احيانا ويبدون وقاحة شديدة ويكيلون مختلف انواع الاتهامات، وتقول ان هذا السلوك يأتي من كلا الطرفين وان ثمة حنقا شخصيا. فقد وصفها احد القراء في رسالة بريد الكتروني وصلتها في الآونة الاخيرة بأنها ميتة الاحساس بسبب تجاهلها، حسبما رأى القارئ، لدعم الولايات المتحدة العسكري والاقتصادي لاسرائيل. كما وصفها قارئ آخر في رسالة بريد الكتروني اخرى بأن تغطيتها للاحداث خاطئة تماما، وان كان للاسرائيليين والفلسطينيين حرب، فليخوضوها»، ووصفها ثالث بأنها «حبيبة ارهابي».

وقال لي هوكستادر، رئيس مكتب صحيفة «واشنطن بوست» في القدس، ان لديه ملفا يحتوى رسائل بريد الكتروني موجهة اليه تنم عن اكبر قدر من الكراهية يمكن ان يتخيله الشخص، بل ان بعض الرسائل احتوى على هجوم على اسرة غراهام التي تملك الصحيفة الى جانب هجوم عليه هو شخصيا. ويتابع هوكستادر قائلا ان المراسلين يأتون الى المنطقة في ظل وجود قراء لهم مواقف محددة سلفا في كلا الطرفين، اذ لديهم رأي قطعي بأن المراسل لا بد ان يكون منحازا لطرف من الاطراف، فالبعض يتهم المراسلين بأنهم موالون لاسرائيل ويتهمهم آخرون بأنهم موالون للفلسطينيين. ويعتقد هوكستادر ان انتقادات هؤلاء تعكس انحيازهم هم وليس انحياز المراسلين. في ديسمبر (كانون الاول) 2000 اضرمت النار امام مكاتب «واشنطن بوست» بالقدس في سيارتين لهوكستادر وزوجته رغم انهما كانتا تحملان علامات توضح انهما سيارتا صحافيين. كما ان حاكم ولاية مينيسوتا جيسي فينتورا وعضوي مجلس الشيوخ الاميركي بول ويلستون ومارك ديتون كانوا ضمن 350 شخصا من سكان ولاية مينيسوتا وقعوا اعلانا نشر في صحيفة «مينابوليس ستار تريبيون» الاسبوع الماضي يتهم صحيفة «واشنطن بوست» بـ«ازدواجية المعايير» بسبب عدم الاشارة الى منفذي الهجمات الانتحارية الفلسطينيين بـ«الارهابيين». وجاء رد تيم ماغوايار، رئيس تحرير الصحيفة، بأن كلمة «ارهابي» ليست محصورة، موضحا ان الصحيفة تفضل استخدام كلمة «انتحاري» لأنها اكثر تحديدا، خصوصا وان كل طرف يتهم الآخر بممارسة الارهاب. ويقول ماغوايار انهم يتوقعون ان يكون للمؤيدين المتحمسين في الجانبين موقف ازاء ما يكتب، مؤكدا انه يجب التعامل مع الاشياء بصورة مستقيمة بقدر الامكان. ويؤكد ان الاشخاص الذين لديهم وجهة نظر قوية يريدون ان تكون الاشياء متوافقة مع وجهات نظرهم.

جميع المراسلين في ما يبدو تعلموا بسرعة المخاطر والمآزق المحتملة، فقد قال الكاتب الصحافي بـ«نيويورك تايمز»، توماس فريدمان، خلال لقاء اجري معه العام الماضي: «الكل يريد ان يكسبك. اما اذا فشلوا في ذلك، فإنهم يريدون تدميرك. ليس هناك حل وسط».

ويذهب الى نفس الرأي جاك كيلي، الذي سقط ارضا في اغسطس (آب) الماضي عند وقوع انفجار في مطعم للبيتزا في القدس عقب خروجه منه بثوان فقط. يقول جاك ان كل طرف ينظر الى المراسلين كونهم يخضعون للجانب الآخر تماما، واضاف انه في كل لقاء يجريه في الضفة الغربية وقطاع غزة او في الجانب الاسرائيلي، يُسأل عن الجهة التي يتعاطف معها. ويقول كذلك ان الجانب الفلسطيني كثيرا ما يتحدث اليه عن قسوة اسرائيل ودعم الولايات المتحدة لها، واضاف ان كثيرا من اللقاءات التي اجراها في الآونة الاخيرة اختتمت بتهديد لخص في عبارة: «سنراقب ما ستكتبه».

اللقاءات التلفزيونية تخضع ايضا لفحص وتدقيق مشابه، فقد اخذ الكاتب الصحافي بـ«ديترويت نيوز»، توماس باري، على ليزلي ستال انها قالت لآرييل شارون في برنامج «60 دقيقة» التلفزيوني، الذي تقدمه شبكة «سي.بي.اس»، انه «غوليات» وعرفات «داوود». فقد كتب باري: «سألت ستال شارون مرارا عن السبب في كرهه لياسر عرفات. وعندما اكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بأنه لا يكره عرفات وانما يرفض ذبح الابرياء في اسرائيل، طلبت ان تعرف منه ما اذا كان يشعر بأي شيء تجاه قتل المدنيين الفلسطينيين ايضا. المسألة، بمعنى آخر، استعراض مثير للتكافؤ الاخلاقي الذي اصاب وسائل الاعلام بصورة عميقة».

وقال كيفين تيديسكو، المتحدث باسم شبكة «سي.بي.اس» ان ستال تناولت الجانب الآخر، مؤكدا ان هذا ما يجب ان يفعله أي صحافي جديد، أي ان البرنامج لا يمكن ان يتناول فقط تصريح شارون حول سياسة اسرائيل. من جهته كتب الصحافي ايريك آلترمان عن قائمة تضم 60 صحافيا موالين لاسرائيل نشرت على الانترنت: «لن يكون باستطاعة حتى آرييل شارون وبنيامين نتنياهو ان يشكوا من مستوى التأييد الذي تجده ممارساتهما من دوائر المعلقين. فلأسباب تتعلق بالدين والسياسة والتاريخ والايمان الراسخ، يهيمن على النقاش في اوساط المعلقين حول شؤون الشرق الاوسط في الولايات المتحدة اشخاص لا يمكن ان يتخيلوا انتقاد اسرائيل».

ومع استمرار احداث العنف، ستستمر عملية انتقاد أية فقرة او عنوان او صورة، وان كان هذا النقد منصفا احيانا وظالما احيانا اخرى.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»