اختبار إرادة بين بوش وشارون ومؤشرات ترجح فشل مهمة باول إذا لم يتوقف الهجوم الإسرائيلي

TT

يتعرض الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون لاختبار صعب يتعلق بما يريده كل منهما، وهو اختبار قد يؤدي الى تعقيد المهمة التي سيقوم بها وزير الخارجية الاميركي كولن باول في منطقة الشرق الأوسط هذا الاسبوع، وربما الى الحاق الاذى بهيبة البيت الابيض.

فقرار شارون عدم سحب القوات الاسرائيلية من الاراضي الفلسطينية ـ على الرغم من تكرار الرئيس بوش المطالبة بهذا الخصوص ـ يعرض للفشل المساعي التي يقوم بها باول الذي بدأ جولة في الشرق الاوسط قد تستغرق اسبوعاً.

يضاف الى ذلك انه كلما شدد شارون من حملته العسكرية، ادى ذلك الى الاعتقاد ان الاسرائيليين باتوا وبشكل علني غير آبهين بما يطرحه الرئيس بوش الذي القى بثقل واشنطن وراء حل النزاع.

يقول مايكل هودسون، الخبير في الشؤون العربية في جامعة جورج تاون في واشنطن «لو واصل شارون تجاهل ما يريده بوش، على الرغم مما قد يكونان قد اتفقا بشأنه، فحينئذ سيبدو الرئيس بوش عاجزاً».

والاسوأ من ذلك، كما يقول هودسون وغيره من خبراء الشرق الأوسط، هو استمرار حالة القلق المتوقعة في المنطقة، اضافة الى المشاكل التي قد يواجهها «اصدقاء» اميركا في المنطقة الذين تعتبرهم واشنطن اساسيين في حربها ضد الارهاب وفي اي اتفاق سلام دائم بين الاسرائيليين والفلسطينيين.

ويضيف هودسون: «ما عليك سوى ان تنظر الى المظاهرات الكبيرة التي تنظم من اندونيسيا الى استوكهولم، لكي تعي الموقف المحرج الذي تتعرض له السياسة الاميركية، خاصة ان العالم يشعر بالفزع، ليس فقط بسبب بشاعة ما يفعله الاسرائيليون، بل لما يبدو انه اشتراك اميركا في العملية».

لقد كانت لحظة هامة تلك التي خرج فيها الرئيس بوش الى حديقة الزهور الخميس الماضي ليطرح رؤيته المتعلقة بحل النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، وليعلن ارسال وزير خارجيته الى المنطقة، وليراجع موقفه الشخصي بالدعوة الى انسحاب اسرائيلي. وقد وصف بعض المحللين ما حدث بانه اعلى مستوى من التدخل الشخصي من جانبه في النزاع منذ ان بدأ ولايته التي سعى خلالها الى حد كبير من اجل الابتعاد عن هذه المحنة.

وقد واصل الرئيس بوش المضي قدما في موقفه الجديد الاكثر حماساً خلال نهاية الاسبوع الماضي عندما دعا لانسحاب اسرائيلي «بدون تأخير»، وهاتف شارون ليؤكد له بجلاء انه يقصد ما قاله. كما انه كرر انتقاده للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.

ومع ذلك يبدو ان اسرائيل لم تتأثر بطروحات الرئيس بوش. فقد واصلت حملتها ضد الفلسطينيين. وبينما وعد شارون بـ«الاسراع» بانهاء حملته، فانه لم يتخذ خطوات فورية لسحب القوات، بل ان القوات الاسرائيلية وسعت، في واقع الامر، من انشطتها لتشمل بيت ريما بالقرب من رام الله. ويقول مصدر حكومي مسؤول «انه اعتماداً على ما يتوفر من معلومات استخبارية، ستتحرك القوات الاسرائيلية باتجاه قرى صغيرة وليس باتجاه المدن».

ويطرح المسؤولون الاسرائيليون اسبابهم الخاصة المتعلقة باقتحامهم المتواصل للاراضي الفلسطينية. لكن من الناحية السياسية قد يتضرر شارون اذا ما اعتبر البعض انه يتلقى تعليمات من واشنطن. كما انه يخطئ بتأييد الرأي العام الاسرائيلي في محاربته لما يصفه بـ «الارهاب» في الاراضي الفلسطينية.

ويقول ويليام كوانت، الذي ساعد الرئيس الاسبق جيمي كارتر على التوفيق بين اسرائيل ومصر للتوصل الى معاهدة كامب ديفيد للسلام «لست متأكدا مما اذا كان على شارون ان يصغي بشكل فوري وان يطيع الامر. ولا اعتقد انه فهم الرسالة، كما لا اعتقد ان هذا الوضع سيستمر فهو لن يتوقف فجأة، لانه حقق ما اراد ويدرك انه لا يمتلك المزيد من الوقت».

وفي المقابل فان بوش ايضا لم يطرح جدولا زمنيا محددا للانسحاب الاسرائيلي كما ان حكومة شارون تنظر الى المسألة بنوع من المرونة. ويقول مسؤولون اسرائيليون، انهم يعتقدون ان الرئيس الاميركي يدرك ان على اسرائيل «ان تقوم باشياء ما لاننا لو توقفنا في منتصف الطريق، سيظهر الارهاب مرة اخرى»، كما قال رعنان جيسين، المتحدث باسم شارون اول من امس.

ومع ذلك، فكلما تواصلت الحملة العسكرية الاسرائيلية، صعب على البيت الابيض ان يتحرك. فقد يحدث الكثير من الان وحتى نهاية الاسبوع، عندما يكون باول قد وصل الى المنطقة، كما قال شبلي تلحمي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة مريلاند.

ويضيف تلحمي انه اذا استمرت الاوضاع في المنطقة على حالها، فان المزيد من الدماء قد تسيل، والمزيد من المظاهرات المعادية للولايات المتحدة ولاسرائيل قد تجري، وستتعرض مصداقية واشنطن ـ اضافة الى هيبة الرئيس بوش للاذى. ويوضح تلحمي: «سيكون من الصعب جداً على الادارة الاميركية ان تتخلص من ذلك. ومن المحتوم وقوع عدد كبير من الضحايا، واذا ما تبين ان العواقب ستكون اكثر بشاعة (مقارنة بتقديرات وسائل الاعلام الاولية) فستتعرض الادارة لضغط هائل، لان الناس سينظرون اليها على انها ساهمت في ذلك».

ويضيف تلحمي انه غير متأكد مما اذا كان باول «يستطيع تحقيق شيء ما بدون انسحاب اسرائيلي من المدن قبل وصوله الى المنطقة».

ويبدو ان الرسالة كانت واضحة لدى المسؤولين في ادارة بوش بالامس، مع تصريحات وزير الخارجية باول ومستشارة الامن القومي كوندوليزا رايس وتوضيحهما بان الانسحاب الاسرائيلي «بدون تأخير» يعني ان يتم ذلك الان، وفوراً. وفي الوقت نفسه اعربا عن تفهمهما لحجم وتعقيدات العملية، اذ قال باول «لن يتم الامر خلال يوم واحد».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»