بيريس وضباط إسرائيليون كبار في الجيش يعترفون بارتكاب مجازر ضد الفلسطينيين

TT

قبل ان يتبدد ستار التعتيم الكثيف الذي فرضته اسرائيل على ممارساتها الاجرامية ضد الفلسطينيين خلال الحرب العدوانية الاخيرة، بدأت تتضح معالم هذه الممارسات من خلال التسريبات التي تقتصر حتى الآن على كبار المسؤولين الاسرائيليين، وأقلقت حتى وزير الخارجية شيمعون بيريس، الذي صاغ موقفه بالكلمات التالية: «.. اخشى ان يخرج الفلسطينيون بحملة اعلامية يتهموننا فيها بارتكاب مذابح». وقال ضباط في الجيش الاسرائيلي انهم مذهولون من هول الممارسات التي قام بها زملاؤهم «فهناك دمار رهيب».

وانتقد هؤلاء الضباط تلك العمليات، وقالوا انها مرعبة: «بسبب الامتناع عن المخاطرة، المشاة لا يتحركون تقريبا. فالدبابات والجرافات تمسح المباني تماما وتتسبب في دمار مرعب. وعندما يرى العالم ماذا فعلنا هناك، سيلحق بنا ضرر هائل».

وحرص هؤلاء الضباط على ان تصل تذمراتهم الى جميع وسائل الاعلام الاسرائيلية، امس، وقالوا: «الفلسطينيون يديرون معارك مسادا جديدة (مسادا هو جبل في النقب. التاريخ اليهودي يتحدث عن محاصرة اليهود على سفحه ورفضهم الاستسلام واصرارهم على المقاومة حتى الرمق الاخير). وقسم من هذا التوجه الفلسطيني هو بسببنا نحن. فلو كنا مستعدين بشكل جيد للمعارك، لما تطورت الامور على هذا النحو. لكننا لم نستعد، ولم نكترث لعدد القتلى وحجم الدمار ومما لا شك فيه انه لا يوجد اي مبرر لنقوم بمثل هذا الدمار».

وتجدر الاشارة الى ان قيادة الجيش الاسرائيلي مصعوقة من هول المقاومة الفلسطينية لقواتها المحتلة ان كان ذلك في حي القصبة، اي البلدة القديمة في نابلس، او في مخيم جنين للاجئين. فعلى الرغم من انعدام التكافؤ ابدا في حجم وقدرات القوات من الطرفين، اذ ان الاسرائيليين يدخلون بكل قوتهم: دبابات، طائرات، قوات قتالية مدربة ومزودة بأحدث انواع الأسلحة، وبالمقابل فان الفلسطينيين مسلحون ببعض الأسلحة الخفيفة والعبوات الناسفة فقط، ورغم ذلك فان الجيش الاسرائيلي احتاج الى اربعة ايام حتى يسيطر على الحي المذكور في نابلس. وحسب مصادر فلسطينية عليمة فان غالبية المقاتلين تمكنوا من الفرار الى مخيم بلاطة القريب او احياء اخرى في المدينة. واكدت هذه المصادر ان ما ادى الى نجاح الاحتلال هو نفاد الذخيرة. اما في مخيم جنين، فان المعارك ما زالت مستمرة، لليوم السابع على التوالي، امس الثلاثاء.

يذكر ان قوات الاحتلال الاسرائيلي تتبع في هذين الموقعين اسلوب «الأرض المحروقة»، بلا اية حسابات انسانية فهي اولا تقطع الماء وتيار الكهرباء وخطوط الهواتف عن المنطقة بأسرها. ثم تطلق الطائرات والمروحيات الى الجو، بعضها للمراقبة والتصوير يأتي بعدها دور القصف الصاروخي. وبعدئذ تتقدم القوات: وهي عبارة عن وحدات قتالية مختارة من لواء جولاني ومن المقاتلين المستعربين (الذين يتخفون بلباس عربي ويجيدون التكلم باللغة العربية الفلسطينية الدارجة) والمظليين. لكنهم لا يدخلون الى المنطقة مشاة، حيث لا يجرؤون على الاشتباك المباشر من المقاومين الفلسطينيين، الذين ينتمون الى جميع الفصائل الفلسطينية لا سيما «فتح» و«حماس» و«الجهاد الاسلامي» اضافة الى عناصر الأمن الفلسطيني، المدربين الجاهزين لمواجهة القوات الغازية. ورغم النواقص الشديدة في الماء والغذاء اصروا على استمرار المقاومة حتى النهاية.

جيش الاحتلال، من طرفه، قرر الانتصار على هؤلاء المقاومين بأي ثمن، يشجعه في ذلك التعتيم الاعلامي الشامل من جهة والتأييد الكامل والجارف من القيادتين السياسية (خصوصا رئيس الوزراء، صاحب الخبرة الطويلة في هدم قرى فلسطينية بأكملها ـ قرية قبية الفلسطينية في الخمسينات، والمجازر ـ صبرا وشاتيلا ـ ووزير دفاعه، بنيامين بن اليعزر، الذي يعتبر تلميذا لشارون وكان تحت قيادته العسكرية 20 سنة متواصلة بينها ثلاث سنوات كان حاكما عسكريا للضفة الغربية) والعسكرية (خصوصا الجنرال شاؤول موفاز، رئيس اركان الجيش، الذي اقال قائد قواته في جنين لأنه فشل في احتلال مخيم اللاجئين الصغير (15 الف نسمة يعيشون على مساحة 50 دونما من الارض). وتولى بنفسه قيادة العمليات. وهو ايضا من طلاب مدرسة شارون العسكرية).

وهكذا تقدموا الى الأمام في المخيم..

الطائرات تقصف البيوت بالصواريخ، وتفجر كل شيء «مشبوه» في الشوارع والأزقة خوفا من ان يكون هناك الغام او عبوات ناسفة، ثم تتقدم الجرافات تهدم البيوت. والبيوت هنا عبارة عن غرف صغيرة متراصة بازدحام ومبنية بمواد ووسائل بدائية، بلا خرائط هندسية، تهدم جدرانها بأقل الضربات. فقط بعد الهدم، يدخل المشاة. ويحاولون التنقل من غرفة الى غرفة بواسطة هدم الجدران.

وينفذ جنود الاحتلال هجومهم هذا وسط حملة ضغط نفسي على رجال المقاومة. اذ ان القتال يتواصل 24 ساعة في اليوم. ويطالبون عبر مكبرات الصوت ليل نهار، الشبان بالاستسلام، ويطلقون الأكاذيب «زعيمكم الكلب فلان استسلم، وهو يقبل اقدام الجنود في الخارج. فاستسلموا بكرامة» و«نحن نعرف انكم شجعان. لكن لماذا يجب ان تموتوا. استسلموا الآن. وغداً تصبحون ابطالا واغنياء مثل جبريل رجوب» و«انتم تموتون هنا وزعماؤكم ينزلون في افخم الفنادق في اوروبا» و«اخرجوا ايها الاغبياء. ففي النهاية سننتصر عليكم. وسندوسكم من دون ان يكترث احد لكم» و«امتكم العربية لا تسأل فيكم. وقيادتكم دسنا على رأسها. فلماذا تقاتلون. استسلموا وسنضرب لكم التحية العسكرية» و«اذا جرح احدكم يموت كالكلب. عرفات يمنع ارسال سيارة اسعاف اليكم».. الخ..

بالمقابل يصد المقاومون هذه الحرب النفسية، ولا ينجرون اليها ولا ينبسون ببنت شفة. فقط يقاومون. ورغم امكاناتهم المحدودة جدا، وفي كثير من الاحيان رغم الجوع والعطش والانقطاع عن العالم الخارجي ورغم غياب العلاج الطبي ووفاة الكثير من الجرحى بسبب منع الاحتلال وصول سيارات الاسعاف، ورغم تراكم الجثث بين الركام، فانهم يقاومون. وينصبون الكمائن. وعندما يتمكنون من ذلك، يطلقون الرصاص باتجاه جنود الاحتلال المستشرسين، ويصرون على ان لا يستسلموا حتى اللحظة الاخيرة.

الجدير ذكره ان اسرائيل واليهود في العالم، احيوا امس (يوم الكارثة والبطولة) ذكرى ضحايا الجرائم النازية من اليهود.