معتقلون فلسطينيون مفرج عنهم: فوجئنا بالعداء العميق الذي يكنه الجنود الإسرائيليون لنا

إبراهيم: سألوني فقط عن اسمي وتاريخ ميلادي * نجار: يداي لا تزالان تشعران بالبرد من آثار التكبيل

TT

بعد اسبوع من اعتقاله في معسكر تابع للجيش الاسرائيلي، حيث قال انه تعرض لتكبيل يديه وعصب عينيه وللتجويع والعطش وابقائه في العراء لثلاثة ايام قبل ان يتم وضعه في خيمة مزدحمة مكشوفة من جميع جوانبها، عاد محمد ابراهيم قبل 5 ايام الى منزله مع مجموعة اخرى تضم 75 معتقلاً منهكاً، عبر شوارع رام الله المهجورة.

وبينما كانوا عائدين الى منازلهم، تعرضوا لطلقات نار تحذيرية من قبل جنود اسرائيليين، كما قال. لكن بعد مفاوضات اجراها احد الفلسطينيين مع جندي اسرائيلي، حصلت المجموعة على اذن بالمرور على هيئة مجاميع تضم كل مجموعة خمسة اشخاص فقط، على ان يرفعوا قمصانهم بشكل يكشف عن ان اجسادهم لا تحمل احزمة متفجرات، وهي الأسلحة التي يختارها المفجرون الانتحاريون.

وقال محمد ابراهيم طالب الهندسة الكهربائية، «العودة الى المنزل تمثل انتصاراً. والعودة الى المنزل في ظل راية بيضاء ليست طريقة جيدة، لكننا نشعر بالضعف».

ويبدو ان المواجهة المسلحة في رام الله لم تنته بعد، حيث تعرضت المكاتب الخاصة والحكومية والمنازل لحملات مداهمة وتفتيش بحثاً عن اسلحة ووثائق وتسجيلات في الحاسبات الآلية. ويسيطر الجنود الاسرائيليون على مدينة ما يزالون يعتبرونها «منطقة عسكرية مغلقة»، كما يتم فرض حالة حظر تجول عقب مواجهة حصدت ارواح ما يقرب من خمسة وعشرين فلسطينياً.

وبالنسبة لمئات من الفلسطينيين امثال ابراهيم الذي اعتقل ومر باجراءات في موقع عوفر العسكري القريب من المنطقة، فان اسوأ ما يمكن ان يحدث قد حدث بالفعل. وهناك عدد من معتقلي رام الله ـ الذين لا يعرف عددهم ـ ممن تم نقلهم الى سجون بداخل اسرائيل، حيث يقول المسؤولون الاسرائيليون انهم اعتقلوا قرابة 1200 فلسطيني في انحاء الضفة الغربية، وانهم يعتبرون حوالي 200 منهم «ارهابيين مشتبه فيهم».

وتشير اعداد المعتقلين الى مدى التطلعات الاسرائيلية هنا، كما تشير ايضاً الى صعوبة تحقيق اهدافها المتعلقة «باقتلاع جذور الارهاب». وقال السجناء الذين اطلق سراحهم انهم فوجئوا لعدم التحقيق المتواصل معهم، كما انهم فوجئوا بما وصفوه بالعداء العميق الذي يكنه لهم الجنود الاسرائيليون.

وقال ابراهيم انه سلم نفسه للجنود الاسرائيليين يوم 30 مارس (اذار) الماضي في مدرسة المهجر في مدينة البيرة، الملاصقة لمدينة رام الله. فقد كانت القوات بثت تعليمات بواسطة مكبرات الصوت تدعو فيها الذكور الذين تقع اعمارهم بين 15 و45 عاماً للتجمع في المدرسة. بعد ذلك قام الجنود الاسرائيليون بالقاء العديد منهم في حافلات وتوجهوا بهم نحو معسكر عوفر، الواقع شمال شرق رام الله. وهناك تم عصب اعينهم وتكبيل اياديهم، واجبارهم على الجلوس ارضاً اثناء المطر، حتى تم استجوابهم باقتضاب بعد ثلاثة ايام لاحقة. واضاف ابراهيم «سألوني فقط عن اسمي وتاريخ ميلادي وبعض الاسئلة الشخصية. ولم يكن عندي ما اخفيه. اذ انني لا انتمي لاي مجموعة سياسية».

بعد استجوابهم، تم وضعهم في خيمة مفتوحة الجوانب، وقدمت لهم اغطية وألواح خشبية ليناموا فوقها. وكانت هناك دورة مياه واحدة لعدة مئات من الرجال. واخيراً، نقلتهم حافلة لمعسكر اللاجئين في قلنديا، بالقرب من نقطة تفتيش تفصل رام الله عن احياء تقع شمال القدس. وهناك لجأوا الى مدرسة تابعة للأمم المتحدة.

وقررت مجموعة منهم انتهاك حظر التجول والذهاب مشياً الى منازلهم حاملين الراية البيضاء. واستقبلهم والدا ابراهيم و25 من سكان عمارتهم المكونة من شقق سكنية بوابل من الاحضان وبعبارات الفرح.

وقال ابراهيم «افتقدت أسرتي. وقد اتصلنا بالصليب الاحمر وقالوا لنا انهم لا يستطيعون ان يفعلوا شيئاً، ولذلك قررنا ان نمضي على اي حال».

والى جانب الانحاء المحيطة بالمدرسة، كانت القوات الاسرائيلية اعتقلت فلسطينيين من المنازل والمكاتب ونقلتهم الى معسكر عوفر. ويوم الخميس الماضي، هاجم الاسرائيليون مستشفى تابعاً للهلال الأحمر وأمروا الاطباء والممرضين بالتجمع في باحة المستشفى بينما قاموا بتفتيش المبنى.

واعتقل الجنود الاسرائيليون طبيبين لدى الهلال الاحمر اضافة الى ممرضين اثنين وعامل في مغسلة المستشفى، ثم نقلوهم الى عوفر، كما قال شهود العيان. وتعرض المعتقلون لعصب اعينهم وتكبيل اياديهم في المستشفى، حيث قال محمد نجار، احد الاطباء المعتقلين: «كان الامر اشبه بالاغتصاب. فقد كان عليهم ان يثبتوا انهم يحققون تقدماً، ولذلك قاموا باختيار من يمكنهم اختياره».

وفي الطريق الى عوفر، تم نقل السجناء الى مستعمرة بساجوت، حيث قادهم الجنود الى هناك، كما قال محمد نجار. وفي المستعمرة، ظلوا واقفين لمدة خمس ساعات في العراء تحت المطر قبل ان تنقلهم حافلة الى عوفر. وهناك سأل احد المحققين نجار عما اذا كان قد تدرب على ايدي منظمة التحرير الفلسطينية. وعما اذا كان ينتمي لأي منظمة سياسية، وعما يقوم به اقاربه من اجل الحصول على لقمة العيش. واضاف نجار: «لم تكن لديهم اي اسماء او اي قوائم، لم يسألوني عما اذا كنت اعرف شخصاً ما بالتحديد».

وقال نجار ان السجناء، في وقت ما احتجوا على نوعية الخيار والزبادي والتفاح الذي يقدم لهم للطعام، حيث طلب منهم ان يقتسم كل ستة منهم قطعة واحدة من كل منها بينما ظلت اياديهم مكبلة. واضاف ان الجنود هددوهم بالقاء الغاز المسيل للدموع عليهم. وشكا محمد نجار من ان «يدي ما تزالا تشعران بالبرد نتيجة للتكبيل. وقد طلبت من الجنود ان يخففوا من القيد، لكنهم بدلاً من ذلك شدوا وثاقي مجدداً».

وتم اطلاق سراح نجار واكثر من 20 معتقلاً ليلة الجمعة الماضية في قلنديا، حيث لجأ الاطباء الى مستشفى قريب. وبعد ظهر اول من امس نقلتهم سيارة تابعة للهلال الاحمر الى منازلهم. وقال نجار «في نهاية الامر، ما الذي حصلوا عليه منا؟ فنحن لسنا مقاتلين. لقد كان الامر تعسفاً عشوائياً. ولو كان الناس ضمن مجموعتنا لا علاقة لهم بالعنف من قبل، فانهم سيتجهون الى ذلك الآن».

وتشير النسبة المرتفعة لعمليات اطلاق سراح المعتقلين الى ان العديد من المسلحين الفلسطينيين والذين يعملون في الخفاء غادروا رام الله قبل حدوث الغزو الاسرائيلي للمدينة منذ تسعة ايام مضت. والعديد من المسلحين كانوا من قادة الانتفاضة التي اندلعت اواخر الثمانينات، وتدربوا على الاختباء في غابات الضفة الغربية وكهوفها ووديانها. ورغم ان الاجتياح الاسرائيلي للمدن الفلسطينية كان واسعاً، الا ان العديد من القرى الفلسطينية ما زالت خالية من القوات الاسرائيلية.

ويبدو ان الاسرائيليين قاموا بجمع كميات من الاسلحة، ومعظمها من ايدي العاملين في الشرطة الفلسطينية، ممن لجأوا لمبان خاصة، اضافة الى مبان تابعة لمجمع الأمن الوقائي.

وزعم العديد من الفلسطينيين انهم اجبروا تحت تهديد السلاح على دخول غرف ومكاتب قبل ان يقتحمها جنود اسر ائيليون رافقوهم، وذلك في مسعى واضح لتجنب وقوع ضحايا من الاسرائيليين في حالة وجود شراك منصوبة او لتعرضهم لاطلاق نار من قبل من تبقى من المسلحين. ونفت مصادر اسرائيلية هذه التهم.

وقال وسيم حماد، احد سكان عمارة نقشت عليها عبارة «لا إله الا الله»، والتي تقع بالقرب من موقع الأمن الوقائي المدمر في بيتونيا بالقرب من رام الله: «كان لديهم كلب يبحث عن القنابل، لكنهم دفعوني الى الغرف اولاً». لقد تم تدمير موقع الأمن الوقائي بعد حملة ضارية من القصف سبقت عملية استسلام نحو 250 رجل أمن وموظفا، بوساطة اميركية.

وقال حماد ان عدداً من المكاتب التي دخلها كانت تضم بنادق ومسدسات. واضاف انه وأربعة رجال فلسطينيين خضعوا لأوامر من الجنود الاسرائيليين بأن يفتحوا الابواب ويدخلوا عشرات المكاتب في المجمع، بينما ظل الجنود في المؤخرة. وقال «ذات مرة التقطت اداة اتصال ثم رميتها ارضاً، وحينها رمى الجنود انفسهم ارضاً ايضاً. واعتقدت ان قلبي كان سيتوقف. واعتقد ان ذلك حدث بالفعل».

وفي مبنى وزارة التعليم، قال صلاح صوباني، مدير البحوث: ان الجنود اجبروه على اتباع نفس النهج الارشادي، حيث اضاف «كان علينا ان نكون في المقدمة دائماً ولا اعتقد ان هذا سلوك حضاري».

لكن متحدثا عسكريا اسرائيليا قال انه تم استخدام المدنيين «فقط كمرشدين، اي للتعريف بالغرف». وفي حالة مبنى وزارة التعليم، كان المدنيون في المبنى، و«لم يكن هناك سبب يدعو لاخلائهم». اما في حالة الامن الوقائي، فقد تم جلب المدنيين «الذين كانوا معتادين على المبنى» من الخارج «فقط من اجل ارشادنا».

واضاف المتحدث الاسرائيلي «نحن لا نستخدم المدنيين كدروع». لكن حماد، الذي يعمل في مجال اصلاح المصاعد، قال بأنه وبعدما قام هو ورفاقه بالانتهاء من عملهم في مبنى الامن الوقائي، تلقوا اوامر من الجنود بأن يعودوا الى منازلهم، بالرغم من حظر التجول.

واضاف حماد انه اعتقل مرتين قبل ان يصل الى منزله الذي وجده مبعثراً، فوالده وشقيقه اعضاء في حرس عرفات الرئاسي، وهما ما يزالان مع عرفات في مقره المحاصر. وقال: «لا بد انهم رأوا صور والدي مع الرئيس. وقد القوا بكل شيء في المكان الى الارض».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»