عرفات أصبح يتمتع بأعلى شعبية في تاريخه ومنتقدوه في «حماس» و«الجهاد» يتوارون

فلسطينيون: لا أحد يستطيع أن يحل مكانه الآن حتى لو راودته الفكرة أصلا

TT

نبذه رئيس الوزراء ارييل شارون ودعا علنا الى ارساله الى المنفى. وكرر الرئيس بوش مرارا انه هو المسؤول عن النهايات الدموية التي جعلته محاصرا في رام الله. ولكن الفلسطينيين الذين اجرينا معهم المقابلات ووجهنا اليهم الاسئلة، ومن ضمنهم اولئك الذين كانت لديهم اعتراضات قوية على قيادته، اصطفوا وراء عرفات كما لم يحدث لهم من قبل، وذلك منذ بداية الحصار الاسرائيلي قبل عشرة ايام. ولم ترتفع قامة عرفات وسط شعبه كما هي عليه اليوم.

قال محمد روحي، وهو من سكان رام الله: «اذا وقف أي شخص امام الشعب الفلسطيني زاعما انه سيحل محل ياسر عرفات فاننا سنعلقه في ميدان المنارة». وكان يشير بذلك الى الميدان الرئيسي في المدينة والذي غالبا ما يعلق فيه المتعاونون مع اسرائيل. وتراود بعض الفلسطينيين الشكوك في ان ادارة جورج بوش تمهد حاليا لايجاد قيادة فلسطينية بديلة لعرفات وهي تحاول تشويه سجله القيادي. ولكن هؤلاء يقولون ان بوش اذا اراد ان يتحدث عن وقف اطلاق النار او اية قضية اخرى تخص الشعب الفلسطيني، فانه لن يجد بديلا لعرفات.

قال مهدي عبدالهادي، الناشط السياسي الفلسطيني: «العنوان حاليا هو عرفات. إن المفارقة في عزلة عرفات هي ان أي شخص لا يمكن ان يفكر في ان يحل محله في هذه الظروف حتى اذا راودته هذه الفكرة اصلا».

ويقضي عرفات حاليا يومه الحادي عشر في حطام مقره الرئاسي برام الله.ويقضي يومه وهو يتحدث هاتفيا الى الرؤساء العرب ليتأكد انه ما يزال يحظى بالدعم الخارجي كما قال صائب عريقات، مستشاره الذي كثيرا ما يتصل به.

وكان شارون قد اعلن ان عرفات يمكن ان يغادر رام الله، بتذكرة ذات اتجاه واحد، ليذهب الى منفاه. وينتظر من الادارة الاميركية ان تعلن شروطها لتحرير عرفات من وضعه الحالي. وقد صرح المسؤولون الاميركيون ان عرفات ما زال يعتبر في واشنطن زعيما للشعب الفلسطيني. ولكن تقلبات التعامل معه من قبل الادارة قد اثارت قلق الفلسطينيين. فقد رفض نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني ان يتحدث اليه خلال الجولة التي قام بها الى الشرق الاوسط الشهر الماضي. ولكن المبعوث الاميركي الجنرال زيني زاره في مقره المحاصر لمدة 90 دقيقة الاسبوع الماضي. وقال عبد الله حوراني، استاذ العلوم الاجتماعية بغزة، انه يعتقد ان باول سيلتقي بعرفات ولكنه سيلتقي باخرين ايضا بغرض رفع اسهمهم في سلم الزعامة. واضاف حوراني: «اعتقد ان الولايات المتحدة واسرائيل تريدان استبعاده، ولكن هذه مهمة صعبة لاقصى مدى. وليس منتظرا من عرفات ان يرتكب خطأ قاتلا مثل ذاك».

ولكن حتى قبل زيارة باول لم يبرز من يحاول ان يحل محل عرفات. ولم يدل أي مسؤول فلسطيني كبير، باستثناء عريقات نفسه وياسر عبد ربه، وهو مساعد لعرفات وناطق باسمه، باي تصريح يتعلق بالمفاوضات. والتفسير الواضح لهذا الصمت ان الكل يتفادون الاتهام الذي يمكن ان يوجه اليهم بالخيانة. وينظر الفلسطينيون الى عريقات وعبد ربه، كموظفين لدى عرفات وناطقين باسمه، وليس كمنافسين له باية حال من الاحوال. وقد رفض محمود عباس، ابو مازن، الرجل الثاني بعد عرفات في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، التحدث لاحد المراسلين في رام الله، شارحا ذلك بجملة واحدة: «عرفات هو الذي يتحدث باسمنا جميعا».

وكان عرفات قد عين محمود عباس، ليحل محله اذا مات.

قال عزمي ابو ماجد، وهو صاحب محل للبقالة: «دعهم يتخلون عن عرفات وليواجهوا النتائج». قال غسان الخطيب، المحلل السياسي الفلسطيني في تل ابيب: «لم تصل شعبيته الى هذا المستوى من قبل. وما لا يعرفه بوش هو ان عرفات اكثر اعتدالا من اغلبية الشعب الفلسطيني.. انه اكثر استعدادا للوصول الى حلول وسط من المواطن الفلسطيني العادي».

قال ابو محمد، 23 سنة، وهو طالب كان يسير ضمن مظاهرة نظمتها حماس: «كانت «حماس» والجهاد الاسلامي في الماضي اكثر شعبية بكثير. وكانت المنظمتان تحاولان تشويه سمعة عرفات، اما الان فقد هبت رياح جديدة».

وفي غزة، قال اياد سراج، الناشط في مجال حقوق الانسان والذي اعتقله عرفات مرتين: «بالطبع هناك فلسطينيون يمكن ان يكونوا قادة افضل من عرفات. ولكن انتقاد الشخص الذي اصبح رمزا للقضية، في مثل هذه الظروف، يعد بمثابة الخيانة العظمى».

اختار عرفات خلفاءه قبل شهرين. وبالاضافة الى ابو مازن الذي ينتمي الى الحرس القديم مثله مثل عرفات، والذي سيضطلع برئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، عين عرفات، احمد قريع ليخلفه على رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية التي كانت تسيطر على 18% من الضفة الغربية وعلى ثلثي قطاع غزة، حتى بداية الغزو الاسرائيلي. ولكن ليس واضحا ما اذا كان بمقدور ابو مازن ضمان تأييد الجيل الجديد من الشباب الفلسطيني الاكثر راديكالية والذي يمثل الاغلبية من السكان حاليا. وقد شاهد هذا الجيل من الشباب فشل المفاوضات مع اسرائيل واقامة المستوطنات الاسرائيلية التي تتوسع باستمرار، وتحكم الاحتلال الاسرائيلي في حياتهم على اساس يومي من خلال نقاط التفتيش العسكرية.

وانصب غضب الجماهير الاسبوع الماضي على واحد من قادة منظمة التحرير الفلسطينية ومن مرشحيها للقيادة. وذلك عندما اشرف جبريل الرجوب بنفسه على تسليم جنوده في الامن الوقائي الذي يرأسه. وشمل التسليم معتقلين كان الرجوب قد اعتقلهم تنفيذا لاوامر اسرائيل. ويقول الفلسطينيون انه كان من المفروض ان يطلق سراحهم عندما اقتحمت اسرائيل رام الله، اذا اتضح لحظتها ان اية خطة للتعاون مع اسرائيل قد انهارت تماما. ويواجه الرجوب حاليا التهديد بالاغتيال من قبل «حماس» لان بعض عناصرها سلموا الى اسرائيل بواسطته.

ويعتبر مروان البرغوثي، زعيم تنظيم فتح في الضفة الغربية، القائد الاكثر شعبية وسط الشباب. وهو الذي نظم العمل المسلح ضد قوات الاحتلال الاسرائيلية وهو مطلوب حاليا من قبل اسرائيل. ويقال انه مختف حاليا بمكان ما بالضفة الغربية. ولكن الفلسطنيين يقولون انه حتى اذا ظهر قائد جديد،فانهم لن يرضوا باقل مما كان يطالب به عرفات: الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الضفة الغربية وقطاع غزة; السيادة على الاحياء العربية من القدس، والعودة، الرمزية على اقل تقدير، للاجئين الفلسطينيين. وليس ثمة أي بديل حاليا لعرفات.

قال حوراني: «لا الولايات المتحدة ولا اسرائيل، يمكنهما ان يحصلا على زعيم يستطيع ان يوقع على اتفاقية للسلام مع اسرائيل غير عرفات».

ورغم ان شارون تعهد بعدم ايذاء عرفات إلا ان الوضع متوتر للغاية حول مقره في رام الله إذ نشب قتال عنيف يوم السبت الماضي. وقال الاسرائيليون ان الفلسطينيين اطلقوا النار اولا بينما قال عريقات ان اطلاق النار حدث بدون سبب من قبل الاسرائيليين.

كان اسامة علي،احد حراس عرفات قد اصيب بجرح في عينه. واتصل عريقات باحد مستشاري زيني، ليحصل على اذن من الاسرائيليين بالسماح لسيارة اسعاف للوصول الى المقر. وقد وصلت بالفعل سيارة تابعة للهلال الاحمر واخذت الحارس الجريح.ولكن الجنود الاسرائيليين اوقفوها واعتقلوا اسامة علي. واخذته سيارة اسعاف اسرائيلية للعلاج باسرائيل، وقد تم التحقيق معه بعد ذلك كما قال متحدث باسم الحكومة الاسرائيلية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»