بوش وبلير يتفقان على الخطوة التالية نحو صدام والمعارضون العراقيون يتمسكون بفرقتهم حتى في لندن

TT

مع تحقق الاتفاق بين الولايات المتحدة وبريطانيا على «تغيير النظام» في العراق، أصبح الاهتمام منصبا الان على إيجاد البديل لسلطة الرئيس صدام حسين. وحسب مصادر أميركية بريطانية مطلعة فانه تم التوصل إلى هذا الاتفاق أثناء لقاء القمة الذي جرى بين الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، في كراوفورد بتكساس.

وفي هذا الاجتماع نجح بلير في الحصول على تنازلين مهمين من بوش. الأول، يتحدد بموافقة الرئيس الأميركي على منح الأمم المتحدة الفرصة لاستئناف الكشف الشامل والحازم للأسلحة في العراق خلال فترة وجيزة. وإذا كان الرأي السائد بين المسؤولين الأميركين والبريطانيين أن العراق لن يوافق، فانه حتى في حال قبوله ستظهر عراقيل بعد انقضاء أسابيع قليلة على بدء أعمال التفتيش تجعل تحقق المهمة الدولية مستحيلا، وهذا ما سيوفر المبرر للقيام بعمل عسكري ضد العراق.

اما التنازل الثاني الذي كسبه بلير، فهو التعهد الأميركي بعدم فرض فصيل معارض محدد ليتسلم مقاليد السلطة مستقبلا في العراق. وهذا التعهد سيمنح بريطانيا المهلة الدبلوماسية للمساعدة في تحقيق ائتلاف واسع لفصائل المعارضة العراقية، وذلك بضم الفصائل المقربة من إيران وسورية الى غيرها.

حاليا، هناك إجماع شامل على الضعف الشديد للمعارضة العراقية، وعلى طابعها غير المنظم وتفشي الخلافات بينها، كل ذلك يجعلها عاجزة عن أن تلعب دورا مماثلا لذلك الدور الذي استطاع «التحالف الشمالي» القيام به في أفغانستان.

مع ذلك فإن المسؤولين الأميركيين لديهم موقف آخر تجاه هذه المشكلة. يقول كينيث بولاك أحد مستشاري الرئيس الأميركي السابق: «إذا أردنا تغيير النظام في بغداد علينا أن ننفذ هذا الهدف بأنفسنا. أنا أعتقد بقدرتنا على إنجاز هذه العمل في شهر واحد، ثم يبدأ الاهتمام بموضوع المعارضة». وضمن هذه الرؤية، يقول ريتشارد بيرل رئيس لجنة مستشاري الدفاع: «علينا الاّ نتقاعس بسبب ضعف المعارضة العراقية، فحال تحقق انتصارنا عسكريا سيكون الجميع إلى جانبنا. ففي الشرق الأوسط يكون الناس دائما مع المنتصرين».

لكن البريطانيين أقل تفاؤلا من حلفائهم الأميركيين. فهم يصرون على ضرورة وجود بديل سياسي، مطروح ضمن أوسع الصياغات، حينما يبدأ العمل العسكري. وتأكيدا لهذا الموقف، قال أحد مستشاري بلير: «نحن لا نستطيع القول إننا ذاهبون إلى العراق لخلق فراغ في السلطة. يجب أن نكون قادرين على تبرير تدخلنا لصالح القوى السياسية العراقية التي تريد بناء حكم ديمقراطي يستند الى مبادئ حقوق الإنسان».

مع ذلك فقناعة كهذه عسيرة على التنفيذ، خصوصا عند متابعة المسيرة التي نظمتها بعض فصائل المعارضة يوم السبت الماضي في لندن. فالشعارات المرفوعة تكشف عن اضطراب واضح في المنطلقات، إضافة الى وجود خلافات عميقة بين فصائلها اتضحت عبر عدد محدود لا يتجاوز، حسب تقارير الشرطة البريطانية، 800 شخص (منظمو المظاهرة أعطوا رقم 300 متظاهر). الشيء الواضح في الجمع المشارك هو انقسامه إلى كراديس صغيرة تتحدد حسب كل تنظيم وحسب الشعارات المرفوعة. كانت الأكثرية من أنصار حزب الدعوة الشيعي، حيث برز الرجال بلحاهم الشبيهة بلحى رجال «الحرس الثوري الايراني»، بينما ارتدت النساء ملابس سوداء وتلفعت كل منهن بالحجاب الايراني. في الخطوط الخلفية للمسيرة مشى أنصار «المؤتمر الوطني العراقي» بوجوههم الحليقة وملابسهم الأنيقة، لكن بدون مشاركة النساء معهم. فمنظمو المسيرة اتفقوا على عدم حضور أي امراة بدون حجاب. في قسم آخر من المسيرة كان هناك أنصار «الوفاق الوطني العراقي»، وهم منظمة تتنافس مع «المؤتمر الوطني العراقي» وتستقطب افرادا من الطبقة المتوسطة. لكن الحضور الكردي كان متواضعا جدا، فباستثناء عدد قليل من انصار حزب الله الكردي المدعوم من قبل ايران، لم يشارك اكبر تنظيمين كرديين، هما: حزبا البارزاني والطالباني، الا بافراد قلائل، حضروا بالدرجة الاولى لمشاهدة ما سيحدث في المسيرة.

من جانب آخر، كانت الشعارات المرفوعة مصدرا للتشويش. فإذا كانت هناك 44 لافتة تعلن عن اعتبار صدام حسين «مجرما» تجب محاكمته، نجد بجوار تلك الشعارات 8 لافتات تظهر رأس آرييل شارون وراء قضبان السجن. كان ممكنا مشاهدة بعض المشاركين في المسيرة وهم يرفعون صور الرئيس بوش للاستفادة من الاعلام الذي سيتحقق عبر كاميرات التلفزيون الأميركية التي لم يحضر أي منها أثناء المسيرة. إلى جانب تلك الصور، برزت صور طفل فلسطيني جريح.

لكل هذه الأسباب تساءل بعض المتفرجين: «هل هي حول العراق أم فلسطين»، مما دفع احد منظمي المسيرة للاجابة: «كلاهما مرتبطان.. كلا البلدين يجب تحريرهما. شارون وصدام يقفان في جبهة واحدة».

من المؤكد ان الهدف وراء اختيار شعارات مناوئة لشارون هو للتأثير الفعال، ففلسطين تضمن دائما قدرا كبيرا من التعاطف. لكن خطاب المسيرة اخذ ايقاعا آخر، حينما بدأ بعض الشباب الملتحين المرتدين ملابس عسكرية بترديد شعار: «الموت لإسرائيل، الموت لأميركا». وهذا الشعار كان يطلق باللغة الفارسية، وليس مستبعدا ان يكون الهدف هو التلفزيون الإيراني الذي لم يحضر أي من العاملين فيه أيضا. بعد مضي دقائق قليلة طلب من الهتافين وطلاق الشعارات بالعربية او الانجليزية حذف شعار «الموت لأميركا». في آخر المسيرة كان يمشي رجل انجليزي مسن، بلحية شبيهة بلحية لينين ويرفع لوحده شعار: «بوش وبلير يقوداننا الى حرب عالمية ثالثة». وحينما سألته عن سبب حضوره اجابني: «أحدهم أخبرني أن هناك مظاهرة ضد التدخل الأميركي في العراق». لكن عند وصول المسيرة الى منطقة «بيكاديللي سركس» أدرك خطأه فقرر الذهاب باتجاه آخر.

كصورة للمستقبل، هذه المسيرة الصغيرة قد لا تعجب واشنطن ولندن. فلم يكن هناك أي شعار حول الديمقراطية وحقوق الانسان، إضافة إلى وجود عدد كبير من اللحى وثياب المحجبات كما لو اننا كنا في مدينة قم الدينية في ايران.

ولم تحظ بالمديح أثناء وقت المسيرة الا بعض الشخصيات الدينية، سواء كانت حية أو ميتة. كل ذلك يكشف ان فصائل المعارضة العراقية لم تستطع ان تتوحد روحيا حتى في مدينة بعيدة للغاية عن العراق مثل لندن.