واشنطن تعتزم نقل سجناء غوانتانامو إلى معسكر جديد مطل على الكاريبي.. وربما إلى الأبد

TT

من المتوقع ان يترك المحتجزون في خليج غوانتانامو، وعددهم 299 سجينا، الزنازين المؤقتة في معسكري «اكس راي»، خلال الاسبوعين المقبلين، الى تسهيلات جديدة اقيمت على جرف صخري يطل على البحر الكاريبي. والمشهد من هذا الجرف رائع، كما ان نسيم البحر منعش. ولكن كل التشابه مع مصيف ساحلي لن يكون ساراً كثيراً لمقاتلي «القاعدة» وطالبان الذين سيجدون انفسهم وراء القضبان في معسكر «دلتا» الذي سيفتتح قريبا.

والمركز الجديد المخصص لاحتجاز المشتبه في علاقتهم بالارهاب، يجري بناؤه كموقع دائم ليكون قادراً على استقبال حوالي 2000 رجل في زنازين فردية، وربما إلى الابد.

ويكشف بناء المعسكر الخطة الجديدة التي بدأت تتبلور في الآونة الاخيرة، بخصوص حرب الإرهاب التي اعلنها الرئيس الاميركي جورج بوش. وتقضي هذه الخطة بالاعتقال الدائم لعدد كبير من المشتبه في علاقتهم بالارهاب.

وفي الوقت الذي اثارت فيه قضية اجراء المحاكم العسكرية المحتملة جدالاً مكثفاً، فان الاتجاه نحو الاعتقال الابدي لم يلفت الانظار بنفس الدرجة. والسؤال المطروح في هذا المجال يتعلق بقدرة الرئيس بوش على اصدار الاوامر باستمرار سجن اسرى طالبان و«القاعدة» دون توجيه اتهامات رسمية اليهم او تمكينهم من الاتصال بمحامين، او حتى اتاحة الفرصة لدراسة قضائية مستقلة لاوضاعهم باعتبارهم يمثلون تهديدا للامن الاميركي.

واوضح نائب مساعد المدعي العام جون يو في كلمة اخيرة بخصوص تعامل فريق بوش مع الارهاب «ما تحاول الادارة الاميركية القيام به هو وضع اسس نظام قضائي جديد». ويشغل يو منصب مستشار القانون الدستوري لوزير العدل الاميركي جون آشكروفت.

ويرى انصار التوجه الخاص بالاعتقال الابدي ان هذه الخطوة منطقية في حرب ذات مخاطر عالية، يمكن فيها لارهابي واحد يحمل جهازاً نووياً صغيراً القضاء على مدينة بأكملها. ومن الناحية الاخرى يرى بعض المنتقدين ان مثل هذه الخطوة يمكن ان تقضي على النفوذ المعنوي الاميركي في المواجهة العالمية من اجل حماية حقوق الانسان.

وطبقا لمعاهدات جنيف، فإنه يجب احتجاز اسرى الحرب طوال مدة النزاع ويتم اعادتهم الى بلادهم بعد انتهاء النزاع. ولكن المسؤولين في ادارة بوش يقولون ان مثل هذه الاجراءت تنطبق فقط على الحروب بين جيوش دول متنازعة.

ويوضح يو ان هذه الاجراءات لا تنطبق على حرب غير محددة التعريف على الارهاب، ضد شبكات من النشطاء السريين. ويقول يو «في النظم العسكرية (التي حددتها معاهدات جنيف) يتم احتجاز الافراد عادة حتى نهاية الحرب، ثم يتم الافراج عنهم، ويعودون الى اوطانهم. هل هذا ينطبق في مثل هذا النوع من النزاع، فالافراد الذين تم احتجازهم هم اعضاء في منظمات ارهابية». واضاف يو «هل من المنطقي الافراج عنهم، اذا كنت تعتقد انهم سيستمرون في خطورتهم، حتى اذا لم يكن بالامكان ادانتهم بجريمة؟».

وتجدر الاشارة الى ان الاعتقال الدائم ليس مفهوما جديدا. فقد استخدمه البريطانيون في آيرلندا الشمالية ضد الجيش الجمهوري الآيرلندي. كما تعرض اليابانيون الاميركيون الى نفس الامر خلال الحرب العالمية الثانية، وهي العملية التي يشعر تجاهها معظم الاميركيين بالاسف.

كما ان احد المبادئ الاساسية في القضاء تنص على عدم احقية القاء الناس في السجون بلا نهاية لمجرد انهم اغضبوا او اخافوا مسؤولا حكوميا. ان حرمان الشخص من حريته، ولو بصفة مؤقتة، يتطلب اقرار قاض مستقل بأن تصرف الحكومة مقبول بسبب احتمال انتهاك القانون.

واوضح المحللون القانونيون انه بدون مثل هذا الاقرار المستقل، فلا يوجد ما يمنع مثل هذا الاحتجاز التعسفي وهو الامر الذي يتمثل في النظم الدكتاتورية.

غير ان المسؤولين في الادارة الاميركية يؤكدون ان الوضع في غوانتانامو مختلف. فالضمانات الدستورية الاميركية لا تنطبق على الاجانب الذين يحتجزون في قاعدة غوانتانامو في كوبا. هذا بالاضافة الى شكوكهم في تطبيق القانون الدولي ومعاهدات جنيف على «القاعدة» وطالبان.

وينظر مسؤولون في الادارة الى عملية الاعتقال في غوانتانامو بأنها جزء من سلطات بوش كقائد اعلى في حالة حرب تعيشها الولايات المتحدة، وليست محاولة من السلطة التنفيذية لاستغلال القانون.

ويؤكد انصار الادارة الاميركية هذه وسيلة لتحييد المشتبه في علاقتهم بالارهاب عبر عملية تبدو قانونية. وذكر ويليام غودمان المدير القانوني لمركز الحقوق الدستورية في نيويورك «الامر المطروح هنا هو ما اذا كان يمكن لرئيس الولايات المتحدة استمرار اعتقال الناس الى الابد بدون وضع قاعدة قانونية لذلك».

واوضح يوجين فيدل وهو محام من واشنطن ورئيس المعهد الوطني للعدالة العسكرية «من الواضح ان هذه الآراء المتصارعة تمثل تحديا كبيرا. فمن ناحية تبدو وكأنها حرب يقاتل فيها المحامون. ومن ناحية اخرى تبدو وكأنها عملية لحظر الجريمة يشنها العسكريون».

غير ان مايكل بوسنر المدير التنفيذي للجنة المحامين لحقوق الانسان في نيويورك اوضح ان «سياسة اعتقال المشتبه فيهم الى الابد ربما تؤدي الى اضعاف الاحترام الدولي لاسس العدالة وكل مراحل التقاضي. ويمكنك الطواف حول العالم والنظر الى عدد الدول التي تسمح بالاعتقال لفترات طويلة بدون محاكمة». ويضيف بوسنر «اننا في الواقع نضع سابقة ستعتمد عليها الدول الاخرى، وهو ما ليس في صالح حقوق الانسان على مستوى العالم».

ويشير عدد آخر من الخبراء الى ان للولايات المتحدة مسؤولية لضمان عدم السماح للناس الذين يمثلون خطرا بالمشاركة في اعمال ارهابية في المستقبل. واوضح دايفيد بوسي رئيس «سيتزن يونايتد» وهي جماعة قانونية محافظة «اميركا في حالة حرب. وهؤلاء الافراد هم المقاتلون في تلك الحرب. واذا تم الافراج عنهم فسيعودون الى ميدان المعركة بغض النظر عن مكان ميدان المعركة. ربما في افغانستان او باريس او مدينة نيويورك». ويضيف بوسي «مسؤوليتنا هي عدم السماح بوقوع ذلك، بعدما تم احتجازهم. ولذا فإنه من المقبول استمرار احتجازهم ما دام ذلك ضروريا».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»