عبد الله الشعيبي وزوجته بعد 7 أيام تحت أنقاض منزلهما بنابلس: فقدنا الأمل وتشهدنا.. وفجأة سمعنا صوت حفر بالمجارف

الخباز الفلسطيني المتقاعد وزوجته قضيا أسبوعا مدفونين وعاشا على رغيف خبز واحد وزجاجة ماء

TT

بعد مرور سبعة ايام ظلا خلالها مدفونين تحت ركام منزل هدمته الجرافات الاسرائيلية، اقتنعت زوجة عبد الله الشعيبي بأن ذلك اليوم هو الاخير في حياتهما وأومأت بذلك الى زوجها (68 عاما) الذي هز رأسه موافقا، ولكن ربما راوده امل اخير في النجاة من الموت تحت الانقاض لذا صاح مجددا طالبا المساعدة: «انا عبد الله احمد الشعيبي. انقذونا».

خرج الصوت من بين بقايا حطام غرفة النوم ولكن لم يكن هناك رد. كانا يعانيان من الجفاف والاعياء ونفد الماء والطعام لديهما، اذ لم تجد الزوجة شمسة (65 عاما) في هذه الحالة سوى التوجه بدعاء اخير بعد ان نفد حتى الكلام. يعيش الخباز المتقاعد الشعيبي وزوجته في منزل من ثلاثة طوابق بالقرب من الحي القديم بمدينة نابلس، كبرى مدن الضفة الغربية. المنزل عبارة عن مجمع للعائلة يعيش فيه اعمام وخالات وابناء الاخوان وابنة احد الاخوات وهي حامل في شهرها السابع. يعيش في المنزل عشرة اشخاص يمثلون ثلاثة اجيال مختلفة من الاسرة. من سطح المنزل يمكن للشخص ان يرى 30 مئذنة منتشرة في افق المدينة، كما تظهر كذلك مصانع الصابون الكثيرة التي جعلت من نابلس مركزا تجاريا فلسطينيا نشطا يعج بالحركة المستمرة. كان منزل الشعيبي من ضمن مئات الاهداف التي حددها المخططون العسكريون الاسرائيليون بزعم ان المنزل كان يستخدم لصنع المتفجرات التي تستخدم في الهجمات الانتحارية. وبالطبع ليس هناك مراقبون مستقلون للتأكد من صحة ما ذهبت اليه الاستخبارات الاسرائيلية، كما يؤكد عبد الله وزوجته ان منزل العائلة لم يكن يستخدم لهذا الغرض، ويؤكدان كذلك ان اسرتهما اسرة عادية لا علاقة لها بأي قضايا سياسية او عسكرية. رغم ذلك توقفت الجرافات الاسرائيلية عند منزل الشعيبي وبدأت في هدم الطابق الثالث. وقال شهود عيان فلسطينيون ان الطابق الثالث سقط على الطابق الثاني مما ادى سقوط ثمانية قتلى بمن في ذلك ابنة اخت الشعيبي الحامل. كما انهار الطابق الثاني فوق الطابق الارضي حيث غرفة نوم الشعيبي وزوجته. لم تسمع نداءات الاستغاثة التي اطلقها الشعيبي مع هدير محرك الجرافة الاسرائيلية وهي تدفع بالركام ستة اقدام باتجاه الباب الامامي للمنزل مما ادى الى اغلاقه تماما مع عدم وجود مخرج خلفي او نوافذ على الجنبات. ظل الشعيبي وزوجته مدفونين منذ 5 ابريل (نيسان) يعيشان فقط على زجاجة ماء وقطعتي خبز، كما ان الهواء، الذي كانا يتنفسانه كان ممتلئا بالغبار الكثيف الناجم عن اعمال الهدم والتدمير. عانى الشعيبي وزوجته من العطش الشديد، اما آلام الجوع فقد كانت تأتي وتذهب وبات لون الرضوض والكدمات داكنا، اذ مرت سبعة ايام بكاملها حتى تلك اللحظة. بعد دقائق من نطق الشعيبي وزوجته بالشهادة، سمعا اصواتاً ضعيفة تبدو وكأنها حفر بالمجارف فوق الحطام الذي يعلوهما. كان هناك 14 شخصاً بقيادة رئيس قسم الاطفاء بمدية نابلس، يوسف جابي، الذي سمع شائعات باحتمال ان يكون هناك احياء تحت انقاض المنزل. فقد ظل جابي يتفاوض مع الاسرائيليين عبر الهاتف على مدى يومين بغرض الحصول على موافقة منهم بالبحث عن أي ناجين وسط الانقاض والدمار، الا ان السلطات الاسرائيلية اكدت رفضها يوم الاحد فقرر جابي اثر ذلك المضي قدما في تنفيذ هذه المهمة مهما كانت المخاطر التي ربما يتعرض لها والمجموعة التي من المفترض ان تباشر عملية البحث عن ناجين وانقاذهم. عندما خرقت المجموعة التابعة لقسم الاطفاء بالمدينة حظر التجول المفروض وبدأت في ازالة الانقاض في منزل الشعيبي بعد ظهر يوم الجمعة، اطلق الجنود الاسرائيليون النار في الهواء بغرض عرقلة عملية الانقاذ، الا انهم تراجعوا وسمحوا للمجموعة بمواصلة عملها. سمع عمال الانقاذ صوتا ضعيفا: «انا عبد الله محمد احمد الشعيبي». وبعد حوالي ساعة تقريبا تمكن عمال الانقاذ من حفر فجوة في السقف المنهار وانزلوا حبالا ربطها الشعيبي حول نفسه ورفعه عمال الانقاذ الى اعلى. بعد مرور ساعة ونصف تقريبا جرى انقاذ زوجته بعد ان حفر عمال الانقاذ فجوة اكبر في السقف. لدى خروجه من بين الانقاض الى الضوء وهواء الربيع النقي قال الشعيبي انه يشعر وكأنه مات وولد من جديد. وروى الشعيبي وزوجته فصول محنتهما يوم الاحد في المستشفى الوطني، الذي قال اطباؤه ان بقاءهما على قيد الحياة يعتبر معجزة بالفعل، اذ يخضعان للعلاج من الجفاف والاصابة بكدمات ويتوقع خروجهما من المستشفى خلال الايام القليلة المقبلة، بيد ان الشعيبي يقول انه لا يعرف ماذا سيفعل واين سيعيش. وطبقا لقائمة مسؤولي مستشفى رفيديا فإن القتلى هم سمير الشعيبي (50 عاما) وزوجته نبيلة (30 عاما) التي كان حاملا في شهرها السابع واطفالهما الثلاثة عبد الله (10 اعوام) وعزام (7 اعوام) وانس (4 اعوام) اضافة الى عمر الشعيبي (85 عاما)، والد سمير الشعيبي، وشقيقتي سمير، فاطمة وعبير. فقد ادى تدمير المنزل الى قتل ثلاثة اجيال ترقد جثثهم المشوهة في مشرحة المستشفى. يقول الشعيبي وزوجته انهما كانا ينظران من داخل المنزل عندما كانت الجرافة الاسرائيلية في طريقها الى منزلهما. بدأت الجرافة المصفحة هدم الطابق العلوي من المنزل، الا ان الشعيبي وابن اخيه، سمير، كانا يصرخان باعلى صوت للفت الانتباه الى ان هدم المنزل سيؤدي الى قتل اطفال. وقال الشعيبي ان الجرافة الاسرائيلية بدأت في قذف جثث الاطفال، واضاف انه رأى دماء وعضلات ثم بدأت الجرافة في تغطية الجثث بالمزيد من الانقاض والحجارة واعقب ذلك صمت، ثم سأل الشعيبي الله المساعدة. واوضح الشعيبي انه سمع خلال الليلتين الاوليين اصوات ضرب في الركام الذي كان موجودا فوقه. صرخ الشعيبي بصوت عال: «اين الناس؟ انا ابو طلال»، مستخدما الاسم المعروف به في الحي، الان انه لم يتلق اجابة. اما زوجته شمسة، التي تعاني من مشكلة في المشي، فتقول انها بكت كثيرا ثم فقدا المقدرة على متابعة الزمن وبقيا لمدة ثمانية ايام تقريبا فوق سريرهما يرددان الشهادة بين الفينة والاخرى.

عند وصول مجموعة الانقاذ التابعة لقسم الاطفاء تجمع الجيران حول ما تبقى من منزل الشعيبي. لدى سماعه الاصوات صاح قائلا: «انا ابو طلال»، وصاح آخر: «هي انت حي؟» واجابه الشعيبي: «انه سؤال عجيب».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» و«واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»