محادثات باول في بيروت شملت «الأفق السياسي» ولبنان أبلغه أنه لا يرغب في فتح جبهة الجنوب

TT

الزيارة السريعة والمفاجئة لوزير الخارجية الاميركي كولن باول الى كل من بيروت ودمشق والتي لم تكن مدرجة على «اجندته» نجحت الى حد كبير في توضيح الموقف اللبناني بأنه غير راغب بفتح الجبهة الجنوبية بل ابقاء قواعد اللعبة المرسومة له وعدم خرق «الخط الازرق». وتقول مصادر مطلعة على اجواء الساعات الثلاث التي أمضاها رئيس الدبلوماسية الاميركية في لقاءين مع رئيس الجمهورية اميل لحود ورئيس الحكومة رفيق الحريري، بعدما اعتذر رئيس مجلس النواب نبيه بري عن عدم لقائه بسبب الموقف الاميركي المنحاز لاسرائيل ان المحادثات لم تقتصر على الوضع المتوتر في الجنوب بل شملت الافق السياسي للتسوية في المنطقة من خلال البحث في مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت. وقد سمع باول من الرئيسين لحود والحريري كلاماً واضحاً وصريحاً مفاده ان لبنان لا يستطيع ولا يقدر ان يعطي ضمانات امنية لاسرائيل وان الامن على حدودها الشمالية يضمنه فقط ايجاد تسوية عادلة وشاملة لازمة المنطقة، وان الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب حل جزءاً من المشكلة، فمزارع شبعا ما زالت تحت الاحتلال وان الجزء الاهم من الصراع ما زال قائماً ويتمثل بموضوع اللاجئين الفلسطينيين.

واوضح الرئيسان لحود والحريري للوزير باول انه يستحيل عزل ما يجري داخل المناطق الفلسطينية المحتلة عما تشهده الساحات العربية من تداعيات وبينها الساحة اللبنانية، الامر الذي يوجب النظر الى مشكلة المنطقة ككل مترابط وان الحل الشامل والعادل على اساس قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الارض مقابل السلام هو وحده الذي يوفر الحلول ويؤمن الحقوق والامن لكل دول المنطقة.

واكد الرئيسان لحود والحريري لوزير الخارجية الاميركي ان لبنان ما زال ملتزماً تأكيداته الحفاظ على الهدوء عند «الخط الازرق» وان القوى الامنية اللبنانية احبطت سلسلة هجمات كان ينوي شنها عدد من الفصائل الفلسطينية وانه تم توقيف عدد من الاشخاص هم قيد المحاكمة بعد مصادرة الصواريخ التي كانت معدة للاطلاق عبر «الخط الازرق».

ولفت الرئيسان لحود والحريري، اللذان التقيا الوزير الاميركي كل على حدة، الى اصرار لبنان على استعادة مزارع شبعا المحتلة، منبهين الى اخطار الحل العسكري الذي يديره شارون في مناطق السلطة الفلسطينية على مصير آلاف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. كما ابلغا باول ان لبنان حريص على تحصين مهمته الدبلوماسية وعلى توفير مقومات النجاح لها خصوصاً على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي وما يستوجب القيام به لجهة انسحاب القوات الاسرائيلية بشكل عاجل من المناطق التي احتلتها والعودة الى طاولة المفاوضات على اساس مرجعية مدريد وتطبيق كل القرارات الدولية.

وقالت المصادر المطلعة على مباحثات باول مع الرئيسين لحود والحريري ان الوزير الاميركي الذي تطرق الى الوضع في الجنوب وضرورة ضبطه لم يطرح مباشرة مسألة نشر الجيش اللبناني على الحدود وسحب «حزب الله» من المناطق الحدودية لأن موقف لبنان واضح لهذه الجهة، فوجود الحزب على جبهة مزارع شبعا لا يخرج عن الثوابت التي يؤمن بها لبنان من دون اي تراجع او مساومة لأنه لا يمكن للدولة اللبنانية ان تتخلى عن شبر واحد من الاراضي اللبنانية ولأن الحل لمشكلة الجنوب هو من خلال انسحاب اسرائيل من مزارع شبعا والافراج عن المعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية. ومن هذا المنطلق فالمقاومة قائمة الى حين تحقق هذا الحل والحلول الاخرى التي يتم في ضوئها الانسحاب من الجولان السوري.

وفي المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» ان الوزير الاميركي اكد اهتمام بلاده بالسعي الى ايجاد تسوية سياسية لنزاع المنطقة وانها، إذ تركز اهتمامها حالياً على اخماد البركان المشتعل داخل مناطق السلطة الفلسطينية، الا انها لن تهمل الملف اللبناني ـ الاسرائيلي والملف السوري ـ الاسرائيلي من ضمن مقاربتها للحل الشامل. كما اكد ان الادارة الاميركية ستستمر في مساعيها لاطفاء الحريق ووقف التصعيد في فلسطين وان على لبنان المؤازرة والدعم لهذا الدور من خلال ما يترتب عمله لضمان الهدوء على جبهة الجنوب وخصوصاً منطقة مزارع شبعا لأن التوتر الحاصل في هذه المنطقة قد يعطي ذريعة لشارون للقيام بعمل عسكري واسع قد تصعب السيطرة عليه وبالتالي يعطيه فرصة للتنصل من كل الالتزامات المطلوبة منه بحجة ان أمن اسرائيل مستهدف من قبل المقاومة في الجنوب ومن خلفها سورية وايران. وابلغ باول مضيفيه اللبنانيين ان الادارة الاميركية تؤكد على ان الاهداف التي تسعى الى تحقيقها ستستقر في النهاية تحت سقف مبادرة السلام العربية، اي كل الحقوق مقابل كل السلام.

وفي رأي المصادر المطلعة ان زيارة باول الى لبنان ربما نجحت في تخفيف او خفض التوتر على جبهة مزارع شبعا لا في انهائه، بمعنى ان تبقى قواعد اللعبة تحت السيطرة لا خارج حدودها. وبالتالي لا يمكن القول ان الامور في منطقة الجنوب سائرة نحو انحسار حتمي للتوتر وان فتيل الانفجار قد سحب، فذلك مرهون بوقف الهجمة الاسرائيلية على الفلسطينيين وانسحاب قواتهم من مناطق السلطة الفلسطينية والخواتيم التي يمكن ان تبلغها مهمة الوزير باول. وتضيف المصادر المطلعة ان الخلافات بين الموقفين الاميركي واللبناني ستظل قائمة ومعها سيستمر الحوار الهادئ والبناء. وهذا ما يساهم في التوصل الى تهدئة جبهة الجنوب ويسقط كل الذرائع الاسرائيلية لتصعيد الوضع.