نائب وزير الدفاع الأميركي طلب من «سي آي إيه» التحقيق في أداء الرئيس الجديد لمفتشي الأسلحة العراقية

«صقور» الإدارة يخشون من أن يقوض الجدل بشأن عمليات التفتيش مخططهم للتحرك عسكريا ضد صدام

TT

في خطوة غير عادية طلب نائب وزير الدفاع الاميركي بول وولفويتز من وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) التحقيق في اداء الدبلوماسي السويدي هانس بليكس، رئيس فريق الامم المتحدة الجديد المكلف تفتيش البرنامج العراقي لاسلحة الدمار الشامل «انموفيك». ويوضح التحقيق الذي طلبه وولفويتز، بما في ذلك في رئاسة بليكس لـ«وكالة الطاقة الذرية»، مناوشات من وراء الكواليس حول آفاق واحتمالات استئناف عمليات التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل في العراق. وتجري الحكومة العراقية مفاوضات مع الامين العام للامم المتحدة، كوفي انان، حول عودة مفتشي الاسلحة رغم ان العراق طلب اول من امس ارجاء المحادثات التي كان من المفترض ان تجرى الاسبوع المقبل، وقال سفير العراق لدى الامم المتحدة ان بغداد لا تريد صرف الانتباه عن الازمة الاسرائيلية الفلسطينية. الجدير بالذكر ان الرئيس العراقي صدام حسين لم يشر حتى الآن الى ما اذا كان سيوافق على عمليات تفتيش جديدة، بيد ان مسؤولين مدنيين بارزين في وزارة الدفاع الاميركية، مثل وولفويتز، وحلفائهم في الادارة الاميركية، يخشون من ان تؤدي موافقة الرئيس العراقي على عمليات التفتيش الى نسف هدفهم الاساسي المتمثل في شن حملة عسكرية ضد العراق. ويعتقد ريتشارد بيرل، مستشار وزير الدفاع الاميركي، ان مسألة التفتيش باتت بديلا للجدل حول استمرار الولايات المتحدة في تعقب صدام حسين. واعطى المسؤولون الاميركيون تقارير متضاربة حول رد فعل وولفويتز ازاء تقرير «سي آي ايه» الذي سلمته الوكالة اواخر يناير (كانون الثاني) الماضي وضمنته نتيجة مفادها ان بليكس اجرى عمليات التفتيش على محطات الطاقة النووية العراقية المعلنة «في اطار الحدود المسموح له بالعمل في اطارها» بصفته رئيسا لوكالة الطاقة الذرية الدولية من عام 1981 حتى عام .1997 وقال مسؤول مطلع بوزارة الخارجية الاميركية ان وولفويتز اصيب بخيبة امل لأن التقرير لم يشتمل على ما يمكن استخدامه لاضعاف موقف بليكس وبرنامج التفتيش الجديد عن اسلحة الدمار الشامل العراقية. كما ذكر مسؤول بالادارة الاميركية ان وولفويتز «لم يرد بغضب» عندما قرأ التقرير لأنه توصل في نهاية الامر الى نتيجة مؤداها ان «سي آي ايه» لم تتوصل سوى الى «تقييم فاتر». واضاف المسؤول ان الوكالة قللت من شأن انتقادات الولايات المتحدة لبليكس عام 1997 بشأن اغلاقه سجل العراق عندما كان رئيسا لوكالة الطاقة الذرية رغم توصل برنامج تفتيش سابق الى انه كان لدى العراق برنامج مستمر لتطوير الاسلحة النووية. ويسلط التحقيق الذي طلبه وولفويتز ايضا المخاوف التي تنتاب نائب وزير الدفاع الاميركي وزملاءه المدنيين في البنتاغون ازاء احتمال ان تؤدي عمليات التفتيش الجديدة، او التفاوض حولها، الى عرقلة الخطط الخاصة باتخاذ عمل عسكري ضد العراق بغرض اطاحة صدام حسين. ويعتقد مسؤول اميركي سابق ان هاجس صقور الادارة الاميركية يتمثل في ان يقبل العراق برنامج التفتيش «ويقوم المفتشون بعملهم ولكن بصورة غير فاعلة ويخرجون صفر اليدين في النهاية». كما يرى هذا المسؤول ان «العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق قد تخفف وعندها لن يصبح بوسع الولايات المتحدة التحرك ضد العراق». وحسب وجهة نظر مسؤول في فريق التفتيش السابق، فإن مجموعة وولفويتز تخشى من ان «يستدرجهم صدام حسين الى حيلة دبلوماسية»، كما يرى هذا المسؤول احتمال ظهور اختلافات حول هذه المسألة وحلها مع اقتراب انتخابات الرئاسة لعام 2004 مما يجعل من الصعب اللجوء الى الخيار العسكري. لكن خبيرا في شؤون السياسة الخارجية عمل سابقا بالبيت الابيض يرى إن وزير الخارجية الاميركي، كولن باول، وزملاءه الذين ابدوا حذرهم ازاء الحملة العسكرية ضد العراق لهم رؤية مختلفة لهذه المسألة، اذ يعتبرون قضية التفتيش عاملا لكسب الوقت وبناء تحالف يتحرك في نهاية الامر ضد صدام حسين. ويرى مسؤولو الخارجية الاميركية ان صدام حسين سيلجأ في نهاية الامر الى ايجاد اوضاع تقود الى فشل مهمة التفتيش بفرض قيود وشروط غير مقبولة او عرقلة عمل المفتشين لاجبارهم على الانسحاب. الجدير بالذكر ان لجنة «انموفيك» التي يرأسها بليكس ورثت تفويضها من لجنة «انسكوم» السابقة التي شكلت عقب حرب تحرير الكويت عام 1991 للقضاء على اسلحة الدمار الشامل العراقية كشرط لرفع العقوبات المفروضة على العراق، وهي اللجنة التي حلت بعد انشائها بثماني سنوات بعد سحب المفتشين. وفي اطار قراره الخاص بتشكيل اللجنة الجديدة عرض مجلس الامن التابع للامم المتحدة تعليق العقوبات المفروضة على العراق اذا ابدت بغداد تعاونا مع المفتشين. ويشير رولف ايكيوس، الرئيس السابق للجنة «انسكوم» الى ان «تعبير الالتزام التام لم يستخدم في القرار» الذي ينص على وجود تعاون في كل الجوانب. وسيحدد بليكس حجم التعاون المطلوب على اساس قائمة من «مهام رئيسية تتعلق بعمليات نزع السلاح المتبقية» طبقا للقرار. وضمن هذه المهام سيكون هناك سعي لتقرير ما اذا كان العراق مستمراً في تطوير غاز «في اكس» وما اذا كان لا يزال يواصل تطوير برنامجه الخاص بالصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى والبحث عن وثائق من الممكن ان تلقي الضوء على جهود العراق لتطوير رؤوس حربية كيماوية ونووية.

وحتى اذا ادى التعاون من طرف العراق الى تعليق بعض العقوبات المفروضة عليه، فإن بغداد ستظل خاضعة لمراقبة الامم المتحدة بشأن برامج الاسلحة بشكل عام . اما العقوبات فلا يتوقع رفعها رسميا الا اذا اقتنع مجلس الامن، الذي تملك الولايات المتحدة فيه حق النقض (الفيتو)، بأن العراق تخلى عن البرامج الخاصة بتطوير الاسلحة الممنوعة. وقال بليكس في لقاءات اجريت معه انه لن يستخدم في اطار المهمة الموكلة لفريقه الطرق المثيرة للجدل مثل التنصت الذي استخدمته «انسكوم» لاجهاض مساعي العراق لاخفاء الاسلحة الممنوعة. وقال بليكس ان افراد فريق التفتيش تلقوا دورات دراسية حول عادات وتقاليد العراقيين حتى لا يحدث من جانبهم ما يمكن ان يثير استياء العراقيين، لكنه اكد انه لن «يجامل» العراق. واشار بليكس كذلك الى ان التفويض الممنوح لهم لا يسمح بأن تبدر من جانبهم اهانة او مضايقة او استفزاز. وقال مسؤول اميركي بارز ان بليكس حريص على اداء مهمة التفتيش دون عراقيل او مراوغة من جانب بغداد. الا ان المسؤول اشار الى ان اجراءات التفتيش ليست جاهزة بعد. من جانبه قال بليكس انه سيظل ملتزما بالاتفاق الذي تم التوصل اليه عام 1998 بين أنان والعراق. ويتصور الاتفاق اجراءات تستغرق بعض الوقت وتؤخر في الغالب مفتشي الامم المتحدة لمدة اسبوع تقريبا قبل الوصول الى اكثر من الف مبنى في 10 مواقع رئاسية. وتتطلب الاجراءات اشعار الحكومة العراقية مسبقا قبل عملية التفتيش ثم وصول فريق المفتشين وكبار الدبلوماسيين قبل عقد لقاء مع وزارة الخارجية. واعرب بليكس عن ثقته في اصدار تقرير حول تعليق العقوبات خلال فترة عام من وصول المفتشين الى العراق اذا أبدت بغداد تعاونا في هذا الشأن.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»