الجامعية الفلسطينية سهى انضمت إلى «كتائب الأقصى» وقالت إنها تنتظر الوقت المناسب لتفجر نفسها داخل إسرائيل

TT

طلبت السيدة الفلسطينية واظافرها مزينة بالطلاء وشعرها الطويل مسدل الى الخلف، ان تنادى باسم سهى، ثم تحدثت بعد ذلك عن قرارها ان تنفذ عملية فدائية. تقول سهى «عندما يقرر الشخص، رجلا كان ام امرأة، تنفيذ مثل هذه العمليات، فانه لا يفكر في الحزام الناسف او في ما اذا سيصبح جسده اشلاء، لاننا نعاني.. اننا نموت ونحن لا نزال على قيد الحياة».

جرى قبول سهى وهي خريجة جامعية، في «كتائب الاقصى»، التابعة لحركة فتح التي يتزعمها ياسر عرفات، كي تنفذ عملية فدائية في المستقبل. وتعتبر سهى ذات الـ30 ربيعا والجمال الواضح والبشرة الفاتحة ببنطالها وسترة الجينز واكثرها تأثيرا في الترسانة الفلسطينية.

يذكر ان الهجمات الفدائية التي اودت بحياة 185 اسرائيليا منذ انطلاق الانتفاضة الفلسطينية في 29 سبتمبر (ايلول) 2000، شهدت تطورا جديدا في يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما ارسلت «كتائب شهداء الاقصى» لاول مرة اول فدائية ضمن اربع فتيات آخرهن عندليب طقاطقة (20 عاما)، التي فجرت نفسها في محطة للحافلات مما ادى الى مقتل 6 اسرائيليين في 12 ابريل (نيسان) الجاري.

وفي مؤشر يدل على التحدي، قال قائد في «كتائب شهداء الاقصى» يشرف على تدريب وارسال الفدائيين، ومن بينهم سهى، ان المقاومة الفلسطينية ستظل قوية وان الهجمات ستتواصل رغم الهجوم العسكري الاسرائيلي على الضفة الغربية.

ويقول فائز جابر، المطارد، ان الفلسطينيين عندما يقررون بدء الانتقام ردا على ما تعرضوا له، سيكون للعمليات الفدائية اولوية اقصوى، مؤكدا ان هذه العمليات تمثل ضربة موجعة بالفعل لاسرائيل.

كانت العمليات الفدائية ذريعة اسرائيل في شن عملية «السور الواقي» ابتداء من 29 مارس (آذار) الماضي، بغرض تعقب الارهابيين، غير ان الهجوم الاسرائيلي على عشرات المدن والقرى ومخيمات اللاجئين، ألهب فيما يبدو مشاعر الفلسطينيين. اذ تقول سهى ان الهجوم الاسرائيلي الذي استمر اسبوعين على مخيم جنين هو الذي دفعها الى التطوع لتنفيذ عملية انتحارية ضد اسرائيل، وتضيف «انني على استعداد للتضحية بنفسي من اجل القضية، هذه المهمة تعتبر اعلى مستوى للجهاد وآمل ان يمنحني الله شرف تنفيذها».

ظهر كل من جابر وسهى بغرض اجراء لقاء نهاية الاسبوع الاخير بمنزل اسرة فلسطينية في مخيم طولكرم شمال الضفة الغربية.

يقول جابر، الذي كان يتحدث قبل بضع دقائق فقط من حضور سهى لاجراء المقابلة، ان قرار تنفيذ عمليات فدائية بواسطة فتيات يعتبر في الاساس تغييرا في التكتيكات، مشيرا الى ان مظهر النساء بصورة عامة لا يثير اي شكوك. واضاف جابر ان مظهر الفتيات من ناحية ارتداء الملابس يجعل من السهل عليهن تنفيذ مثل هذه المهام.

ثمة رسالة اخرى من واقع هذه الاوضاع، فحينما بدأت الفتيات الفلسطينيات الاضطلاع بمثل هذه العمليات، يرى جابر ان الحقد واليأس يعملان على جعل الانتفاضة اكثر قوة وفعالية وعمقا. فأعداد متزايدة تطلب، بل وتتوسل، كتائب شهداء الاقصى، لقبولهم لتنفيذ عمليات فدائية ضد اسرائيل.

ويضيف جابر: ان المجموعة لا تقبل كل المتقدمين لتنفيذ مثل هذه العمليات، فهناك، معايير محددة تتبعها المجموعة في اختيار منفذي هذه الهجمات، وعلى وجه التحديد يقول جابر ان الاختيار لا يمكن ان يقع على من لهم مشاكل عقلية او نفسية او شخصية او اسرية. ويقول جابر كذلك ان المتقدم لاختياره لتنفيذ هجوم فدائي، لا بد ان يكون شخصا ناضجا وراشدا وفي كامل قواه العقلية على الا يقل العمر عن 18 عاما، كما من الضروري ان يدرك المتقدم ما هو مقبل على تنفيذه.

ويتضح من الاحتياطات المحكمة والمعقدة التي اتخذت قبل اجراء اللقاء مع جابر انه من المطلوب القبض عليهم لدى السلطات الاسرائيلية، وقال جابر، الذي كان يعاني من نزلة برد ويبدو عليه ارهاق واضح، انه دائم الحيطة والحذر من اي خيانة محتملة سواء من جواسيس اسرائيل او محاولات الاغتيال مما يتطلب الحركة الدائمة وتغيير المكان باستمرار.

وبينما تؤكد مصادر امنية اسرائيلية ان جابر هو القائد لمجموعة «كتائب شهداء الاقصى» بطولكرم، يقول مسؤولون اسرائيليون آخرون انه كادر عادي، فقد قال دانيال سيمان، الناطق باسم الحكومة الاسرائيلية ان «الحرب ضد الارهاب ستكون مستمرة»، وان «جابر يعتبر مثالا واضحا للسبب في ذلك»، مؤكدا ان «الحرب الاسرائيلية ضد الارهاب ستستمر لأطول فترة ممكنة حتى تعتقل آخر ارهابي بمن فيهم جابر».

ويلاحظ ان مجموعتي «حماس» و«الجهاد» اللتين اعلنتا مسؤوليتهما عن هجمات انتحارية في اسرائيل، لم تجندا نساء لتنفيذ مثل هذه العمليات.

ويقول مسؤولون اسرائيليون انه بعد الصدمة الاولى عند اكتشاف ان العملية الفدائية نفذت بواسطة فتاة، وسعت الجهات المعنية عمليات التدقيق لتشمل النساء بعد ان كانت قاصرة فقط على الرجال، واضاف سيمان ان تقديراتهم تشير الى ازدياد عدد الفتيات الفدائيات مقارنة بالرجال.

بواز غانور، المدير التنفيذي لـ«معهد السياسات الدولية لمكافحة الارهاب» في هيرتسليا، يعتقد من جانبه، ان هناك بضعة فروق فقط بين الرجال والنساء الذين ينفذون العمليات الفدائية، اولها ربما يكون نوعا من المفاجأة، حسب قوله، لكنه لا يغير اي شيء. واضاف غانور ان لا فرق بين دوافع النساء والرجال الذين ينفذون هذه العمليات، اذ لخصها في انهم جمعيا يعتقدون انهم ملتزمون ووطنيون، كما اشار كذلك الى ان المسألة مرتبطة بواجب ديني.

اللقاء الذي رتب مع سهى بمخيم طولكرم في منزل اسرة فلسطينية تنتمي الى الطبقة الوسطى يشير بوضوح الى انها تتصرف بمطلق ارادتها.

توقفت سهى، التي رافقها الى الغرفة حارس تبدو عليه صرامة واضحة، لتبادل مزاح ضاحك من سيدتين فلسطينيتين كانتا في استقبالها عند دخول المنزل. بدت سهى وكأنها تشعر بالتوتر ازاء اللقاء وخجولة بعض الشيء عندما جلست بحركة مفاجئة على الكرسي الوثير ثم انحنت الى الامام واضعة كوعيها على ركبتيها استعدادا للاجابة على الاسئلة. قالت سهى انها ولدت في الكويت وتعيش الآن مع اسرتها في الضفة الغربية لكنها رفضت تحديد المكان. واضافت انها الاكبر سنا بين تسعة اشقاء وشقيقات وحاصلة على بكالوريوس في العلوم الاجتماعية من جامعة النجاح كما عملت كذلك في شركة للابحاث الاعلامية، واضافت كذلك انها لم تتزوج. وتضيف سهى انها حتى اذا كان لديها اطفال، فإن لا حياة او مستقبل مع اليهود. وتابعت القول ان اسرتها لا تعرف ما هي مقدمة عليه وانها تعتزم ان يستمر الامر على هذا النحو. وتؤكد ايضا ان لا تردد يساورها مطلقا في تفجير نفسها وتصر على ان الزمن عندما يأتي ستفجر الشحنة الناسفة التي ستحملها حسبما تقتضي المهمة، لكنها لا تعرف اين ومتى ستكون هذه المهمة. وتمضي سهى قائلة ان فكرة تنفيذ الهجوم الانتحاري ظلت في ذهنها على مدى شهور، وتتابع انه بخلاف الاحداث الاخيرة، فإن الاذلال اليومي للفلسطينيين عند نقاط التفتيش الاسرائيلية او عند السفر داخل الضفة الغربية، خلف لديها كراهية متأججة ازاء الاسرائيليين. الجدير بالذكر ان المعاملة التي يتعرض لها الفلسطينيون في نقاط التفتيش اثارت انتقادات حتى من جانب الرئيس الاميركي جورج بوش وذلك خلال تعليقات ادلى بها الشهر الماضي عندما ناشد القوات الاسرائيلية بمعاملة الناس بصورة اكثر احتراما. وتتذكر سهى حادثة تعرضت لها اخيرا، ضمن الكثير من الحوادث الاخرى، في احدى نقاط التفتيش عندما كانت مسافرة بين مدينتي نابلس ورام الله. فقد اجبرها جندي اسرائيلي بالجلوس على التراب عند نقطة التفتيش هي ورجل آخر لمدة ساعة كاملة. واضافت ان الجندي بدأ في توجيه اساءات لفظية لها كما كان ينظر الى بطاقة هويتها بصورة مذلة، هذا بالاضافة، كما تقول سهى، الى المضايقات التي تتعرض لها النساء من جانب الجنود الاسرائيليين. وبالنسبة لها فإن «الحياة لا تساوي شيئا عندما يتعرض الفلسطينيون للإذلال بصورة يومية». وتقول سهى انها لم تكن قد اتخذت قرارا نهائيا بشأن تنفيذها للعملية الفدائية الا بعد دخول القوات الاسرائيلية الضفة الغربية قبل ثلاثة اسابيع وتحويل مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين الى انقاض. المسؤولون الاسرائيليون قالوا من جانبهم ان مخيم جنين يعتبر وكرا للارهابيين وأن العشرات منهم قتلوا هناك، ومسؤولو منظمة الامم المتحدة من طرفهم يجرون تحقيقا الآن للتوصل الى ما حدث في المخيم. وخوفا من اعتقال سهى في أي حملة مداهمات اسرائيلية، يقول مسلحو «كتائب شهداء الاقصى» انها تقيم الآن في «مكان آمن» الى حين ارسالها لتنفيذ مهمتها، رافضين اعطاء المزيد من التفاصيل. وعلى العكس من منفذي العمليات الفدائية السابقة، تقول سهى انها لم تكتب بعد أي وصية ولم تسجل بيانا على شريط فيديو حول السبب في اختيارها لهذه المهمة خوفا من ان يؤدي اكتشاف ذلك الى تعريض المهمة المرتقبة للخطر. وعلى حد تأكيدها: «لا اريد ان افعل اي شيء من شأنه ان يوقف هذه العملية».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»