«الشرق الأوسط» في معسكر غوانتانامو (6) ـ مترجم البحرية الأميركية: سجناء «القاعدة» حاولوا تجنيدي

ستيف رايت: ينادونني بلقب «يا عربي» أو يا «مترجم»

TT

لم يكن يعرف ضابط البحرية الاميركية ستيف رايت ان اللغة العربية ستكون بهذه الاهمية في حياته، فعندما بدأ في تعلم اصولها قبل سنة في معهد الدفاع للغات التابع لوزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) قبل اربعة اعوام، لم يكن يدرك انها بهذه الاهمية، بل على العكس كان يشعر بالملل والضيق عندما يتبحر بين النحو والصرف وقواعد اللغة العربية. وكان كثيرا مايلوم نفسه على اضاعة وقته وعدم تعلم احدى اللغات القريبة من اللاتينية، او الاسبانية، التي يكثر المتحدثون بها في الولايات المتحدة. وكنت قد انشغلت لأكثر من ساعتين امام بوابة معسكر «إكس راي» بمراقبة سجناء «القاعدة» و«طالبان» الـ 299، وتحركاتهم عبر عدسة التلسكوب المقرب، الذي حمله مارك ستيفنسون مراسل «الاسوشيتيد برس» زميلي في الوفد الاعلامي المسافر الى القاعدة البحرية الاميركية، الى ان وجدت ضابطا اميركيا في منتصف العشرينات من العمر يربت على كتفي بهدوء في نحو الثامنة مساء وهو يقول لي بالعربية «السلام عليك يا أخي.. شو المشكلة». وعرفت انه احد مترجمي اللغة العربية الذي طلبت لقاءه بالحاح من المسؤولين قبل رحيلي عن قاعدة غوانتانامو البحرية. ويشعر رايت الحاصل على ليسانس الصحافة من جامعة بنسلفانيا عام 1984، بأن اللغة العربية التي تعلمها بناء على نصيحة احد اقاربه من الضباط الكبار، الذي عمل في الخليج العربي، قد وضعته على خريطة الاحداث بخدمته في معسكر «إكس راي».

وضابط البحرية رايت اكثر التزاما بالتعليمات وتنفيذها حرفيا، فعندما اقترب المسؤول الاعلامي لمعسكر «إكس راي» الميجور لي رونالدز قبل نهاية الحديث امام مدخل المعسكر، انتصبت قامة رايت، وهو يؤدي التحية العسكرية لرونالدز، وتغيرت لهجته واصبح اكثر رسميا ومتحفظا للغاية في اجوبته. ويتحدث رايت اللغة العربية بلهجة «شامية»، وهي التي تعلمها من اساتذته بمعهد اللغات «LDS» التابع للبنتاغون بمونتي بكاليفورنيا، ويقول ان هناك مترجمين من اصول عربية اكثر فهما للالفاظ والمصطلحات واللهجات يشاركون في التحقيقات التي تجري في العنابر الخمسة المكيفة على اطراف معسكر «إكس راي». وكشف عن وجود ستة مترجمين يتحدثون العربية، يخدمون في المعسكر، واشار الى وجود مترجمين من اصول سورية يعملون في معسكر «إكس راي»، واحيانا يلجأ اليهما اذا استعصت عليه بعض الالفاظ او اللهجات، احدهما رقيب عريف اسمه قمحية تعيش عائلته في بطرسبرج. ويؤكد ان التعليمات الصادرة من ادارة المعسكر تطلب من المترجمين والضباط اثناء فترات الخدمة عدم فتح اي حوارات ونقاشات جانبية مع السجناء «الا انهم يتحينون الفرصة للحديث الينا خصوصا عن المستقبل، وماذا سيحدث لهم، ومتى يعودون الى بلادهم؟». وعندما حاولت الحديث اليه باللهجة المصرية الدارجة طلب بادب شديد التحدث اليه بمفردات اللغة العربية الفصحى او الانجليزية، وآثرت استخدام الاخيرة. واسأله كيف يقدم العون للسجناء فيقول مبتسما: «عندما تكون هناك مشكلة ويطلب احد السجناء مقابلة «العربي» او «المترجم» يذهب اليه ويقول له بالفصحى: «السلام عليكم شو المشكلة ياسيدي؟».

ويوضح الضابط رايت «ان غالبية السجناء مؤدبون ومتدينون وممتنون لأي خدمة نقدمها اليهم. ولكن لا يعني هذا التنازل عن الحذر الواجب واليقظة في التعامل معهم طبقا لتعليمات ادارة المعسكر»، ويضيف انه يرى احيانا الكراهية في عيونهم وهم يحملقون في وجهه، اذا مارفض لهم طلبا ما. ويتذكر الايام الاولى في خدمته بالمعسكر عندما بدأوا في الشكوى المستمرة من نوعية الطعام التي قدمت لهم بعد وصولهم.

ويقول ان شكوى السجناء الاساسية كانت من الطعام الذي يعتقد انهم لم يتعودوا عليه وكانوا يشعرون بآلام في المعدة واصيب بعضهم بحالات اسهال. وقال انهم تعودوا على الطعام الذي يقدم لهم بمرور الوقت. «اما الشكوى الان فهي تحمل طابع المستقبل والخوف من المجهول والمصير الغامض وموعد انتهاء التحقيقات». واشار الى ان اكثرهم يثقون بالخدمات الطبية المقدمة لهم، ويشكرون الاطباء الذين عالجوهم. ويعتقد الضابط ستيف رايت انه لا يمكنه ان يميز بين الارهابيين المتعصبين واولئك الذين لا حيلة لهم، اذ ان هؤلاء الأواخر ينادونه بكلمة «اخي»، ويسألونه طلبات خاصة مثل مساعدتهم في الحصول على كتب دينية او انواع معينة من الطعام. غير ان البعض، كما يقول رايت، ينظر اليه كرجل يمكن ان يدخل الاسلام، لانه يتحدث اللغة العربية، ويقول: «لقد قلت لهم مرارا انني لن ادخل الاسلام حتى يدخل قلبي وعقلي، وهم يتحدثون لي دائماً عن فضل الاسلام على العباد، وماينتظرني في الحياة الاخرى اذا اعتنقته، ولكنني في معظم الاحوال لا أصغي اليهم، ليس جهلا او تجاهلا لهم، ولكنني ببساطة انفذ التعليمات الامنية الصادرة عن ادارة المعسكر، بعدم الانخراط في صداقات معهم».

وقد اطلقوا عليه لقب «العربي» و«المترجم»، وكثيرا ما ينادونه بـ«يا عربي»، عندما يحتاجون الى مساعدة. ويتذكر الايام الاولى بعد ان التحق بمعسكر «إكس راي» عندما دعاه احد السجناء لدخول الاسلام، بينما حاول سجين اخر تجنيده لخدمة نزلاء «القاعدة» و«طالبان».

ويقول ان وجوده في هذا المعسكر الذي يخدم فيه ايضا مترجمون يفهمون اللغة الاوردية والبشتو والاردو، دفعه لقراءة كتب عن تاريخ الاسلام ومنطقة الشرق الاوسط، بعد خدمته لمدة خمسة اشهر ضمن القوات الاميركية العاملة في الكويت بعد حرب الخليج. ويضيف ان الكثير منهم يتحدثون الانجليزية، ولا ينسون موعد حصولهم على حصة التمرينات الرياضية، وهي لمدة 15 دقيقة مرتين اسبوعيا، على مقربة من الزنزانات في ممشى بين السورين الخارجيين، ويكون السجين في العادة مقيد اليدين تحت حراسة مشددة. ويقول ان الكثير من السجناء يكتبون رسائلهم بانفسهم قبل مراجعتها ثم ارسالها الى عوائلهم، وينفي معرفته بتلقي احد من السجناء ردودا من عائلته. ويضيف ان السجناء تعودوا على وجهه واحيانا يلقون اليه بكلمات عربية لا يفهمها، ربما نوعا من القفشات، ولكنه يبادلهم الابتسام على اي حال، قبل ان يقود احدهم وسط حراسة مشددة الى الحمامات او غرف التحقيقات. واسأله عن نوعية الضباط الذين يشرفون على ادارة التحقيقات في الغرف المكيفة الهواء، هل هم من المباحث الفيدرالية او من المخابرات الاميركية، فيلوذ بالصمت ويفكر.. ويقول انه لا يعرفهم، لأن عمله محصور داخل معسكر «اكس راي». ويعترف ردا على اسئلة «الشرق الأوسط» ان هناك بعض السجناء لا يمل من مراقبة جنود الحراسة اثاء تأدية عملهم، ولا ييأسون من ذلك. وقال ان الايام المقبلة ستكون اكثر راحة للسجناء والضباط وجنود الحراسة على حد سواء، بعد انتقال السجناء الى معسكر «دلتا» الجديد ذي الـ 408 زنزانات، والجنود والضباط الى معسكر «الفا»، وكلاهما يطل على مياه بحر الكاريبي.

واسأله ان كان هناك حلاق في المعسكر لقص شعر السجناء، فيقول ان ادارة المعسكر توزع على السجناء ماكينات حلاقة من حين لاخر، وهناك بعض السجناء قد حلق لحيته. واشار الى ان الروتين اليومي لا يتغير للسجناء او الجنود والضباط ونوبة الحراسة 8 ساعات يوميا، ويقول ان خروجهم من الزنزانات يكون لاغراض ضرورية فقط وملحة مثل الذهاب الى دورات المياه او الحمامات او الحصول على وقت الرياضة المقرر مرتين اسبوعيا او الذهاب الى غرف التحقيقات عند استدعائهم، وهي ليست بعيدة عن اطراف المعسكر.

ونفى حدوث اي محاولة للهرب، ولكنه كان يشعر احيانا ان بعضهم متذمر من الاحتجاز، ولكنهم مع طول الوقت بدأوا في التعود على الاحوال المعيشية. ونفى حصولهم على اية اخبار عما يجري حولهم او العالم الذي يعيشونه او الذي جاءوا منه، وقال «انهم يجهلون الكثير مما يدور حولنا». وأضاف ان هناك البعض منهم ممن يتحدث الانجليزية على معرفة بأنهم في قاعدة اميركية في كوبا.

واسأله عن شعوره تجاه صغار السن من سجناء «القاعدة» و«طالبان» وهم ربما في مثل عمره او اصغر، فيقول انه لا يشعر بالتعاطف معهم على الاطلاق، «انهم حسب التعليمات خارجون على القانون». وبين السجناء صغار السن في غوانتانامو سجين الماني اسمه مراد كونراد من اصول تركية يبلغ من العمر 19 عاما، وربما هو السجين الالماني الوحيد من القاعدة في «إكس راي». وحسب جيرهارد مراسل «دير شبيجل» الالمانية الذي رافقنا في الرحلة الى غوانتناموا، هناك سجين الماني اخر من «القاعدة» في السجون الايرانية. وكان كونراد يحب رياضة رفع الاثقال ويسير بكلبه كل يوم في حدائق مدينة بريمن، الا ان وقع تحت تأثير اصولي متشدد ارسله الى باكستان ثم افغانستان حيث اعلن لوالده في مكالمة هاتفية بعد احداث 11 سبتمبر الماضي: «انه وجد الاسلام الحقيقي». وضمن صغار السن في «إكس راي» احمد عبد الرحمن نجل الزعيم الروحي لـ«الجماعة الاسلامية» الذي يقضي عقوبة السجن في سجن روشستر مينسوتا بالولايات المتحدة بتهمة التورط في تفجيرات نيويورك عام .1993 وكان احمد عبد الرحمن قد اعتقل في كابل في نوفمبر (تشرين الاول) الماضي.